اراء و مقالات

الأردن بصراحة… «الأوضاع ليست بخير»

الأزمة أكثر وضوحا من أي وقت مضى، آن أوان التصرف بذكاء ووقف تلك الاستقطابات والتجاذبات بين مراكز القوى، وإجبار الجميع وبدون استثناء على العمل التفصيلي

طبعا نصفق لمغادرة نخبة عريضة من كبار المسؤولين والجنرالات الأردنيين لثقافة الإنكار التي طالما أرهقت الدولة والناس. ونصفق وبحرارة لأي خطاب من مسؤول أو مشارك في صناعة القرار يتفق معنا ومع غيرنا، على أن إدارة الأمور في الملف الداخلي بالطريقة الكلاسيكية القديمة تعبر عن أزمة فصام داخلية مزدوجة في الإدارة العليا، لم تعد منتجة لا بل تسترسل هذه المرة في سحب ما تبقى من رصيد للدولة وقياداتها.
لم يبق للأردنيين إلا مؤسساتهم بعد ما انكشف ظهرهم بسلسلة تحالفات ومغامرات دبلوماسية لا أحد يفهمها. الحق يقال بأننا نسمع من كبار اللاعبين هذه الأيام نغمة مختلفة في التنكر، ولأول مرة لإنكار المشكلات والتحديات.
والحق يقال بالمقابل بأن الاكتفاء بالحديث عن وجود أزمة مصداقية بين المواطنين ومؤسسات الدولة وترديد هذا الحديث، سيبقى مجرد أغنية بيروقراطية خالية من الدسم ولا معنى لها، إذا لم يقترن بأفعال حقيقية تتجاوز حسن النوايا وجمال الانشائيات باتجاه قرارات سريعة جدا وعلى الأرض.
خلافا لما تسمعه الأطر القيادية في بعض الاجتماعات نقولها وبضمير مرتاح ومن الآخر.. « الأوضاع ليست بخير».
خيانة الوطن والمؤسسات محصورة الآن في بقايا الإنكار والادعاء بما هو معاكس للواقع استرسال في جريمة بحق النظام والدولة قبل الناس.
ونقولها بوضوح أكثر: الأردن بلد التحديات وصخرة تفتيتها، لكن الأزمة اليوم ليس في المشكلات ولكنها في ثقة الناس بعدم وجود فريق أو طاقم قادر فعلا وحقا على إدارة المواجهة والاشتباك.
مجددا تضرب أزمة الأدوات بلا رحمة. ومجددا يتحول النقاش عن التحديات ومواجهتها إلى صيغة أقرب لحفلة وناسة خالية من الثقة بالذات وتجرح اليقين والثوابت، وتكشف ظهر المواطن نحو المجهول.
قبل أي شيء يحتاج الأردني لاستعادة ثقته بمؤسساته حتى ولو انشغل من أجل الوطن وبعقلانية في تقديم كل الضمانات التي تريدها تلك المؤسسات حتى تعود إلى جادة الصواب وتعمل وتستأنف واجباتها.
ونعلم مسبقا بأن الفاتورة الأهم والأخطر من توقف ثقافة الإنكار هي الإقرار وبالخط العريض اليوم بأزمة الأدوات، فالحاجة ملحة وتجتاح جميع مكونات المجتمع الأردني إلى مقاربة وطنية، تعيد ثقة الناس بوجود طاقم أو فريق حقيقي وفاعل، همه الوطن ومصلحة الدولة والنظام، وقادر على تجاوز الأهواء الشخصية والحسابات الفرعية الضيقة لصالح جملة وطنية منضبطة أكثر. لا يمكن بكل حال إعداد طبق العجة بدون تكسير البيض. ولا يمكن جدع الأنف وخداع النفس وتضليل الذات عبر الإيحاء بأن عدم انكار المشكلات والتحديات يمكن أن يرافقه مجددا تسليم الأدوات التي نتجت عنها المشكلات لهوامش المناورة والقرار.

الأزمة أكثر وضوحا من أي وقت مضى، آن أوان التصرف بذكاء ووقف تلك الاستقطابات والتجاذبات بين مراكز القوى، وإجبار الجميع وبدون استثناء على العمل التفصيلي

الإصرار على أداء تنفيذي تمثيلي للحكومات وأدوات العمل الإداري والبيروقراطي في الوقت الذي تتوفر فيه للجميع مادة دسمة بعنوان رؤية مرجعية قابلة للتطوير، وتستطيع العمل إذا حسن التنفيذ وتغيرت الأدوات لصالح تلك المعادلة التي أبقت في الماضي ويفترض أن تبقي مستقبلا الأردن بلد الأمن والأمان والسلم.
نشعر بالقلق من استمرار تسليم بعض الملفات لبعض أدعياء الليبرالية والتحديث الذين يسارعون لتشكيل شلل، ونشعر بالقلق لأن التعيينات في بعض المواقع والوظائف الكبرى وحتى بعض الأوسمة مؤخرا توزع بلا مضمون وطني وبلا أولويات جدارة، وحتى بلا معنى يفهمه المواطن، وفي إطار مسلسل الكيديات الصغيرة وقوامها الشللية ومراكز القوى على مستوى الأدوات التنفيذية والمستشارين.
ونشعر بالقلق أكثر لأن نوايا التغيير والإصلاح وتحديث المنظومة، خطابات إيجابية ومنهجية، لا يرافقها الاستعانة بأدوات حقيقية قادرة على التأثير وتمثل عمق المجتمع، بعيدا عن مهاترات التمثيل والمحاصصة ومغامرات الشلل والمجموعات، وبعيدا عن التقلبات التي لا أحد يفهمها في الوظائف والمناقلات والتعيينات.
أول بيضة لا بد من تكسيرها تتمثل في إظهار الجدية في معالجة أزمة الأدوات بمقاربة لا تؤذي أحدا ولا تمس بثوابت الدولة ولا المجتمع، لأن الأردني المعترض على الكثير من الأشياء سينهشه شقيقه المواطن، إذا ما اعترض يوما على المهنية وقيمتها، وعلى الأداء المنصف الراقي، فالأزمات تتدحرج ومصداقية الخطاب تتآكل.
مصداقية التحول وتحديث المنظومة مرتبطة أكثر ببيضة مهمة لا بد من تكسيرها أيضا، وهي تلك التي تتمثل في حال العجز لأي سبب عن تغيير واقع أزمة الأدوات بإجبار الأدوات الموجودة وكبار المسؤولين على العمل معها بروح الفريق، بدلا من حالة الاحتكاك والتلاوم والتنابز التي تفسد كل الطبخات الآن بين سكان الطبقات العليا في الدولة والقرار.
لا بد من توحيد كلمة رجال الدولة ووقف الاحتكاك في كل الميادين وعند التعامل مع كل الملفات.
الأزمة أكثر وضوحا من أي وقت مضى، آن أوان التصرف بذكاء ووقف تلك الاستقطابات والتجاذبات بين مراكز القوى، وإجبار الجميع وبدون استثناء على العمل التفصيلي ضمن خطة واحدة.
الرب واحد والوطن واحد والملك واحد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى