اراء و مقالات

الأردن «يسحب الهواء» دبلوماسياً و«ينوع» في اتجاه قطر وتركيا

عمان- «القدس العربي»: قد لا تكون صدفة سياسية فقط، لكنها تعبير عن تزامن سياسي له علاقة هذه المرة بإعادة تقليب الأردن لصفحات خياراته في العمل الدبلوماسي والسياسي ليس فقط بعد الزيارة الشهيرة التي قام بها لواشنطن مؤخراً الملك عبد الله الثاني والتي ناقشت مجمل قضايا المنطقة، لكن أيضاً بعد عملية «سحب الهواء» التي رافقت مضامين ودلالة مرحلة ما بعد الفتنة الشهيرة أيضاً في عمان، في ظل قراءة أردنية أعمق لمنسوب التحالفات في الجوار والإقليم، بما في ذلك الجوار العربي، إن جازت التسمية.
وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في عمان وفي حضرة الملك، يجري مباحثات خاصة ويبلغ بمصادقة بلاده على بروتوكول تجاري تم تعديله بين البلدين بعد أكثر من سنة على الجدل والنقاش والتساؤلات التركية، إثر إلغاء اتفاقية التجارة الحرة بقرار فردي من جانب الأردنيين قبل أكثر من عامين.
الوزير التركي يتفاوض ويتحاور مع مركز القرار الأردني بعد ساعات فقط من زيارة مهمة لنائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، أعقبت لقاء له دلالات بين السفير القطري في عمان وولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله.
جاويش أوغلو بعد آل ثاني وسط الأردنيين، مشهد لا يمكنه أن يعبر عن صدفة تزامنية فقط، فالانطباع الأكبر بالقرب من مقر رئاسة الوزراء الأردنية هو أن الأردن بدأ ينوع ويبدل في خياراته الاتصالية، لا بل بدأ أيضاً يحاول استعادة وبناء الثقة مع دول كان مستوى الاتصال معها أبعد في الماضي القريب، وأهمها قطر وتركيا.
ليس صدفةً أيضاً أن تحصل التقاربات الأردنية في المحور القطري التركي وتزداد حمى الاتصالات التنسيقية، فيما ملف الإخوان المسلمين في الحالة الأردنية على الأقل يتدحرج في اتجاه تفاهمي هذه المرة وواضح وعبر اللافتة التي يمثلها رئيس لجنة الإصلاح الملكية سمير الرفاعي، وقد سمعته «القدس العربي» مباشرة ورداً على استفسار موجه منها، يتحدث بإعجاب إلى حد معقول عن تقييم أداء ممثلي الحركة الإخوانية في لجنته من حيث النشاط والالتزام والجملة السياسية الواضحة.
الوزير القطري آل ثاني سمع رئيس وزراء الأردن الدكتور بشر الخصاونة في جملتين تعنيان الكثير سياسياً واقتصادياً، حيث الجانب الأردني هنا مستعد تماماً وبدون تحفظات هذه المرة للمساعدة في تلبية أي احتياجات يتطلبها الشقيق القطري لنجاح مشروعه المهم في تنظيم كأس العالم لكرة القدم.
في الجملة الثانية وبحضور مسؤول الاستثمار الأبرز في الدولة القطرية، تحدث الخصاونة عن استعداد حكومته لتوفير المطلوب تحت عنوان التعاون الاستثماري القطري، ملمحاً إلى مجال حيوي هو مشروعات البنية التحتية في بلاده، وعبارة مشاريع البنية التحتية كانت في الماضي القريب تختص إلى حد ما بتلك التحالفات الأردنية السياسية مع دول خليجية أخرى بصورة تمأسست على التناقض مع المحور القطري التركي.
يعني التعاون، انطلاقاً من التشبيك الاستثماري مع كل من الدوحة وأنقرة، الكثير سياسياً. واستعداد الخصاونة لتوفير ما يحتاجه الجانب القطري من أجل المونديال تحديداً هو ترميز سياسي بامتياز قبل أي اعتبار آخر، يعني ضمنياً بأن المؤسسة الأردنية تحاول إظهار احترامها لأحد أهم المشروعات القطرية في العاجل القريب.
في الأثناء، يحضر جاويش أوغلو إلى عمان في إطار جرعة دبلوماسية مشتركة قد تلحق بها خطوات إضافية. وفي غضون ذلك بالتزامن، يعلن نظيره الأردني أيمن الصفدي بأن الحكومة التركية صادقت للتو على اتفاق بروتوكول التعاون الاقتصادي التجاري الجديد المعدل.
لذلك، في طبيعة الحال، دلالة سياسية أهم؛ فأنقرة منذ عامين تتهرب من تلك المصادقة وتجد نفسها في حالة استغراب شديد؛ لأن عمان وقبل عامين وبقرار ذاتي، ألغت اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين بحجة الحفاظ على الصناعات الوطنية التي طالما استعملها في تبرير القرار وأمام «القدس العربي» عدة مرات أيضاً وزير التجارة والصناعة الأردني الأسبق الدكتور طارق الحموري.
المعنى هنا أن الإشكال بين أنقرة وعمان، الذي حمل اسم الاتفاقية الملغاة وعرقلة إمكانيات التناغم الدبلوماسي لعامين، تم تجاوزه، مع أن «القدس العربي» حصلت على معطيات تشير إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن خلف الستارة مهتمة جداً بأن تتوازن العلاقات الأردنية – التركية أكثر، وإن كانت الأسباب والدوافع هنا غير واضحة بعد.
لا أحد حتى اللحظة يفهم أو يقرأ خلفية الاهتمام الأردني الغامض بضخ الروح والحياة في الاتصالات التركية – المصرية تحديداً، ويبدو أن للمؤسستين الأمنية والسياسية الأردنيتين دوراً بارزاً خلف الكواليس في تحريك ملف تنمية الاتصالات بين القاهرة وأنقرة، بمعية ضوء أخضر أمريكي بالتأكيد، وهو أمر يعرفه الجانب التركي ويعتقد بأنه دفع بالوزير أوغلو إلى عمان لإكمال مسيرة التشاور.
بحضور «القدس العربي» وأمام وفد إعلامي تركي صغير، وصف الرئيس الخصاونة علاقات بلاده الآن بتركيا بأنها إيجابية جداً، واستذكر ما قدمه الأتراك خلف الميكروفون وأمامه من توضيحات، وأحياناً إسناد، في الملف الأردني الأكثر أهمية وحساسية، وهو الوصاية الهاشمية على القدس.
باختصار، واضح تماماً أن عمان وأنقرة توافقتا على تجاوز بعض عقد وحساسيات التجاذب بينهما بخصوص المسجد الأقصى وملف القدس وزيارات الأتراك للقدس عبر مؤسسات إسرائيلية.
الأوضح أن البيئة تبدو جاذبة لتفاهمات استراتيجية الآن مع تركيا أردنياً، مما سمح بتلك المصادقة التي احتفى بها الوزير الصفدي والتي أعقبها مشاهدة الوزير أوغلو في القصر الملكي ظهر الثلاثاء الماضي. وفي الأثناء، بدأ الأردنيون بحديث منتج يساهم في تبديد التجاذبات  مع القطريين. تلك مستجدات ومؤشرات عن حالة تمحور واصطفاف أردنية أكثر تنويعاً، لها ما لها وسيعقبها الكثير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى