مقالات وآراء

في‭ ‬‮‬سابقة‮ ‬‭ ‬أردنية‭:‬‭ ‬حوار‭ ‬‮ ‬صاخب‮‬‭ ‬‬بين‭ ‬الإسلاميين‭ ‬والعلمانيين‭ ‬ينتقل‭ ‬من‭ ‬الشارع‭ ‬إلى‭ ‬البرلمان

يبدو‭ ‬انتقال‭ ‬الحوار‭ ‬‮«‬الصاخب‮»‬‭ ‬بين‭ ‬العلمانيين‭ ‬والإسلاميين‭ ‬من‭ ‬الشارع‭ ‬الأردني‭ ‬إلى‭ ‬قبة‭ ‬البرلمان‭ ‬محطة‭ ‬مختلفة‭ ‬وجديدة‭ ‬لا‭ ‬توحي‭ ‬سياسياً‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الملفات‭ ‬والقضايا‭ ‬الأهم،‭ ‬خصوصاً‭ ‬عشية‭ ‬ترسيم‭ ‬الخطوة‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬إقرار‭ ‬قانون‭ ‬الضريبة‭ ‬الجديد‭ ‬سيئ‭ ‬السمعة‭ ‬والصيت‭.‬
أمس‭ ‬الأول‭ ‬كان‭ ‬علامة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬صنف‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الحوارات‭ ‬الساخنة‭ ‬تحت‭ ‬قبة‭ ‬البرلمان‭ ‬لم‭ ‬يألفه‭ ‬الشارع‭ ‬الأردني‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬وفي‭ ‬الندوات‭ ‬والعمل‭ ‬السياسي‭ ‬والحزبي‭ ‬قبل‭ ‬مشاهدته‭ ‬يتدحرج‭ ‬بصورة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬تحت‭ ‬قبة‭ ‬سلطة‭ ‬التشريع‭.‬
الصخب‭ ‬برلمانياً‭ ‬أثارته‭ ‬حادثة‭ ‬الاعتداء‭ ‬والتعذيب‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬كاتب‭ ‬وباحث‭ ‬أردني‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬العاصمة‭ ‬عمان،‭ ‬هو‭ ‬الدكتور‭ ‬يونس‭ ‬قنديل‭ ‬الذي‭ ‬خطفته‭ ‬مجموعة‭ ‬ملثمة‭ ‬وحفرت‭ ‬على‭ ‬جسده‭ ‬عبارات‭ ‬متشددة‭ ‬تقول‭ ‬إحداها،‭ ‬حسب‭ ‬كتاب‭ ‬علمانيين،‭ ‬‮«‬الإسلام‭ ‬هو‭ ‬الحل‮»‬‭.‬
حصل‭ ‬ذلك‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬ترؤس‭ ‬الرجل‭ ‬منظمة‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬مؤمنون‭ ‬بلا‭ ‬حدود‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬منظمة‭ ‬غامضة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعرفها‭ ‬الأردنيون‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬قرر‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬سمير‭ ‬مبيضين‭ ‬منع‭ ‬نشاط‭ ‬لها‭ ‬بدعوى‭ ‬أنه‭ ‬يسيء‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬الذات‭ ‬الإلهية‮»‬‭ ‬بسبب‭ ‬جلسة‭ ‬خصصت‭ ‬لعنوان‭ ‬‮«‬ميلاد‭ ‬الله‮»‬‭. ‬المنظمة‭ ‬أعلنت‭ ‬مسبقاً‭ ‬أن‭ ‬هدفها‭ ‬‮«‬تنوير‮»‬‭ ‬المجتمع‭ ‬بمناقشة‭ ‬علمية‭ ‬ونقدية‭ ‬لما‭ ‬أسمته‭ ‬‮«‬السرديات‭ ‬الإسلامية‮»‬‭.‬
الندوة‭ ‬لم‭ ‬تعجب،‭ ‬ومنذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسابيع،‭ ‬نواب‭ ‬جبهة‭ ‬العمل‭ ‬الإسلامي‭ ‬الذين‭ ‬طلبوا‭ ‬حظرها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬بعد‭ ‬اتصال‭ ‬هاتفي‭ ‬شهير‭ ‬وأثار‭ ‬الجدل‭ ‬بين‭ ‬الوزير‭ ‬مبيضين‭ ‬والنائب‭ ‬الدكتورة‭ ‬ديمة‭ ‬طهبوب‭ ‬العضو‭ ‬الناشط‭ ‬في‭ ‬كتلة‭ ‬الإصلاح‭ ‬المحسوبة‭ ‬على‭ ‬‮«‬الإخوان‭ ‬المسلمين‮»‬‭.‬
في‭ ‬كل‭ ‬حال،‭ ‬أبلغ‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬لحزب‭ ‬جبهة‭ ‬العمل‭ ‬الإسلامي‭ ‬الشيخ‭ ‬مراد‭ ‬عضايلة‭ ‬‮«‬القدس‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬مباشرة،‭ ‬قبل‭ ‬تطور‭ ‬الأحداث‭ ‬لاحقاً،‭ ‬بأن‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬عناوين‭ ‬مثيرة‭ ‬ومستفزة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬ليس‭ ‬خياراً‭ ‬بالنسبة‭ ‬للجبهة،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يعترض‭ ‬نواب‭ ‬الجبهة‭ ‬بصورة‭ ‬شرعية‭ ‬وعبر‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬لمنع‭ ‬أي‭ ‬تجاوز‭ ‬عن‭ ‬الحدود‭.‬
عملياً،‭ ‬سلوك‭ ‬طهبوب‭ ‬كان‭ ‬دستورياً‭ ‬ومنسجماً‭ ‬مع‭ ‬أدبيات‭ ‬الحركة‭ ‬الإسلامية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬تطور‭ ‬غامض‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬الأحداث‭ ‬خلط‭ ‬الأوراق‭ ‬وتسبب‭ ‬بالسابقة‭ ‬التي‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬دخول‭ ‬الحوارات‭ ‬الصاخبة‭ ‬بين‭ ‬إسلاميين‭ ‬وعلمانيين‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬البرلمان‭.‬
هنا‭ ‬تغيرت‭ ‬المعطيات‭ ‬عندما‭ ‬اختفى‭ ‬قنديل،‭ ‬رئيس‭ ‬المنظمة‭ ‬المثيرة‭ ‬للجدل،‭ ‬وتبين‭ ‬لاحقاً‭ ‬وبدون‭ ‬بيان‭ ‬رسمي‭ ‬للشرطة‭ ‬حتى‭ ‬ظهر‭ ‬الإثنين،‭ ‬بأنه‭ ‬تعرض‭ ‬للاختطاف‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أشخاص‭ ‬مجهولين‭ ‬نقلوه‭ ‬إلى‭ ‬غابة‭ ‬حرجية‭ ‬ثم‭ ‬عذبوه‭ ‬وجردوه‭ ‬من‭ ‬ملابسه‭. ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬العبارة‭ ‬التي‭ ‬حفرت‭ ‬على‭ ‬لحم‭ ‬قنديل‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬الإسلام‭ ‬هو‭ ‬الحل‮»‬‭ ‬يهدف‭ ‬بوضوح‭ ‬إلى‭ ‬اتهام‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬رغم‭ ‬أنهم‭ ‬تخلصوا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الشعار‭ ‬عملياً‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأخيرة‭.‬
في‭ ‬كل‭ ‬حال،‭ ‬اشتعل‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬صاخبة‭ ‬مساء‭ ‬الأحد،‭ ‬فالنائب‭ ‬اليساري‭ ‬والرمز‭ ‬الأبرز‭ ‬للتيار‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬البرلمان،‭ ‬خالد‭ ‬رمضان،‭ ‬انتقد‭ ‬علناً‭ ‬الحكومة‭ ‬متهماً‭ ‬إياها‭ ‬بالتواطؤ‭ ‬مع‭ ‬تحريض‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬قنديل‭ ‬مطالباً‭ ‬بمحاكمة‭ ‬المتطرفين‭ ‬الذين‭ ‬قاموا‭ ‬بتعذيبه‭.‬
وردت‭ ‬إشارات‭ ‬في‭ ‬مضمون‭ ‬وسياق‭ ‬تعليق‭ ‬رمضان‭ ‬تتهم‭ ‬الإسلاميين‭ ‬بالتحريض،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعجب‭ ‬رئيس‭ ‬كتلة‭ ‬الإصلاح،‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬العكايلة،‭ ‬الذي‭ ‬تصدى‭ ‬لرمضان‭ ‬ووجه‭ ‬الخطاب‭ ‬لرئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬عمر‭ ‬الرزاز،‭ ‬مطالباً‭ ‬إياه‭ ‬بحماية‭ ‬الدين‭ ‬ومعتقدات‭ ‬المجتمع‭ ‬ونصوص‭ ‬الدستور‭.‬
وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬روجت‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬تهمة‭ ‬التحريض‭ ‬للنائب‭ ‬طهبوب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عشرات‭ ‬النشطاء‭ ‬العلمانيين‭ ‬والمدنيين،‭ ‬قرر‭ ‬النائب‭ ‬المخضرم‭ ‬صالح‭ ‬العرموطي‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬زميلته‭ ‬في‭ ‬كتلة‭ ‬الإصلاح،‭ ‬فثارت‭ ‬ثائرة‭ ‬الشارع‭ ‬العلماني‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬التواصل،‭ ‬وتم‭ ‬توزيع‭ ‬شريط‭ ‬فيديو‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬عرموطي‭ ‬يدعو‭ ‬فيه‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬موت‭ ‬الباحث‭ ‬قنديل‮»‬‭.‬
لم‭ ‬يتم‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬شريط‭ ‬الفيديو،‭ ‬فدخل‭ ‬منبر‭ ‬إلكتروني‭ ‬متخصص‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬صحح‭ ‬خبرك‮»‬‭ ‬ليؤكد‭ ‬أن‭ ‬العبارة‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬العرموطي‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بالموت،‭ ‬بل‭ ‬تطالب‭ ‬بعدم‭ ‬‮«‬التقول‮»‬‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭.‬
لاحقاً،‭ ‬دافع‭ ‬الإسلاميون‭ ‬عن‭ ‬العرموطي‭ ‬وتعليقه،‭ ‬وبدأت‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬التلاوم‭ ‬وتبادل‭ ‬الاتهامات‭ ‬مع‭ ‬العلمانيين،‭ ‬وطالب‭ ‬الناشط‭ ‬الإسلامي‭ ‬البارز،‭ ‬ميسرة‭ ‬ملص،‭ ‬بوقف‭ ‬المبالغات‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يضطر‭ ‬العرموطي‭ ‬نفسه‭ ‬لتوضيح‭ ‬قال‭ ‬فيه‭ ‬بأن‭ ‬أخلاقه‭ ‬وتربيته‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬له‭ ‬أصلاً‭ ‬بالمطالبة‭ ‬بموت‭ ‬أي‭ ‬إنسان،‭ ‬مطالباً‭ ‬بالعودة‭ ‬لتسجيل‭ ‬مداخلته‭ ‬البرلمانية‭ ‬الموثقة‭ ‬قبل‭ ‬التشويه‭. ‬
طبعاً،‭ ‬رصد‭ ‬حوار‭ ‬ساخن‭ ‬ونادر‭ ‬بين‭ ‬نواب‭ ‬إسلاميين‭ ‬وزميلهم‭ ‬مسؤول‭ ‬تيار‭ ‬معاً‭ ‬المدني‭ ‬خالد‭ ‬رمضان‭. ‬وعكست‭ ‬السخونة،‭ ‬هنا‭ ‬تحديداً،‭ ‬حرارة‭ ‬النقاشات‭ ‬في‭ ‬المنصات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬حيث‭ ‬اتهامات‭ ‬بالجملة‭ ‬من‭ ‬العلمانيين‭ ‬لتيار‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬عن‭ ‬حادثة‭ ‬تعذيب‭ ‬الدكتور‭ ‬قنديل‭.‬
وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬ثمة‭ ‬اتهامات‭ ‬بالجملة‭ ‬من‭ ‬الإسلاميين‭ ‬للعلمانيين‭ ‬بإثارة‭ ‬فتنة‭ ‬مقصودة‭ ‬ومحاولة‭ ‬التعدي‭ ‬على‭ ‬عقيدة‭ ‬المجتمع‭ ‬تُوّجت‭ ‬برسالة‭ ‬إلكترونية‭ ‬روجت‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع،‭ ‬وتحاول‭ ‬اتهام‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬بتمويل‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬مؤمنون‭ ‬بلا‭ ‬حدود‮»‬‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬أشمل‭ ‬يستهدف‭ ‬الإسلام‭ ‬وليس‭ ‬الإسلاميين‭ ‬فقط‭.‬

المصدر
القدس العربي
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى