اراء و مقالات

«العطش» وكلفته على الأردنيين: عين البرلمان على «التطبيع» وعين الحكومة على «المنظومة»

«اتفاقية دبي» خلطت الأوراق وأقلقت الشارع

عمان – «القدس العربي»: اتخذ مجلس النواب الأردني موقفا حادا واستخدم غالبية أعضاء المجلس لهجات وعبارات حادة جدا وساخنة في مواجهة الحكومة خلال جلسة مؤجلة بدأت بإيقاع هادئ إلى حد ما ومنظم، وحاولت خلالها حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة إقناع المجلس بأهمية اتفاقية تبادل خدمات الكهرباء والمياه مع الإسرائيليين المدعومة من الأمارات ومن مبعوث الرئيس الأمريكي لشؤون المناخ الوزير جون كيري.
تخلل جلسة النقاش العام تحت قبة البرلمان الأردني العديد من حالات الاستذكار الدائمة لنصوص قرآنية وأحاديث نبوية تتحدث عن نكث العقود وعن إسرائيل وتاريخها في التنكر لغالبية المعطيات المتعلقة بعملية السلام والاتفاقيات التبادلية.

«اتفاقية دبي» خلطت الأوراق وأقلقت الشارع

ورغم أن مجلس النواب ليس بموقع التصدي لاتفاقية خطاب النوايا المثيرة للجدل بصورة مركزية لمنعها أو إعاقتها إلا أن موقفه أربك الخطط الرسمية خصوصا وأن بعض النواب أعلنوا رفضهم لمعادلة استراتيجية الاحتفاظ بالقدرة على وقف تزويد إسرائيل بالكهرباء مقابل سيطرتها على التزويد المائي للأردن، كما أن الرئيس الخصاونة شرح بوضوح ما أسماه بمخاطر الأزمة المائية قائلا للنواب بأن البلاد ستدخل في حالة عطش كبيرة جدا بالنسبة للشعب في حال عدم البحث في الخيارات والبدائل.
من هنا يمكن القول إن ما حصل في جلسة أمس هو مقدمة على ما يمكن أن يحصل في ظل علاقة تبدو متوترة إلى حد بعيد بين السلطتين التنفيذية والتشريعية خصوصا أن مجلس النواب يبدو خارج السيطرة الحكومية عندما يتعلق الأمر حصريا بموضوعات التطبيع ولا يريد النظر إلى ما تقول الحكومة إنها مكاسب استراتيجية تنتج عن اتفاقية خطاب النوايا.
بهذا المعنى العلاقة بين الحكومة والبرلمان متوترة وإخفاق الحكومة، في تقديم شروحات بشكل مسبق مقنعة لاتفاقية النوايا الإماراتية، قدم مساهمة فعالة في التأزيم والتصعيد البرلماني وفي إطلاقه خطابات يبدو أنها انفعالية في المسألة السياسية خصوصا وأن أكثر من 26 عاما بعد اتفاقية وادي عربة مع الإسرائيليين يتوافق جميع الأردنيين على أن الفوائد والمكاسب لا ترى بالعين المجردة.
مجلس النواب بهذا المعنى أصبح من المجالس المزعجة بالنسبة للحكومة.
ويزيد الأمر تعقيدا مع الحسابات التي تفرض نفسها على إيقاع النواب بسبب انتخابات رئاسة المجلس الأخيرة والتي قفزت بالمخضرم عبد الكريم الدغمي إلى منصة رئاسة المجلس فيما يبدو أن كتلتين في حالة صدام أو تبادل الإقصاء داخل المجلس الآن الأولى التي يمثلها الدغمي وبعض النواب المقربين منه أو المحسوبين عليه.
والثانية التي يمثلها تقريبا خصمه الدكتور نصار القيسي وأكثر من 55 نائبا بمعيته يشعرون بالإقصاء من اللجان الأساسية.
وهذا الوضع محرج للحكومة وتعاني منه أو يعاني منه الوزراء بصفة عامة.
لكنه مربك لكل الاعتبارات المعنية بالعلاقة بين السلطتين خصوصا وأن الحكومة نفسها، وبعيدا عن الاعتبارات السياسية، لا يوجد لديها ما تقدمه الآن في هذه المرحلة من خدمات حقيقية لغالبية ساحقة من النواب الذين يطالبون بخدمات الماء والكهرباء والطرق والمدارس والإعفاءات الطبية. والأهم يطالبون بالوظائف وهي غير متاحة إطلاقا مما جعل جعبة الحكومة في حالة عجز عن تلبية المطالب الخدماتية وهو مشهد أو أمر ساهم في انفعال الجملة البرلمانية على أكثر من صعيد.
في مقابل هذا الانفعال بذلت جهود في محاولة الحد من تأثيراته السلبية لجهة أن مطبخ الحكومة يبدو واعيا للإشكاليات والتحديات ولأهمية التركيز على ما هو أعمق وأبعد من مجرد الاشتباك مرحليا مع الأعضاء النواب في جدل له علاقة باتفاقية لم تصبح اتفاقية بعد. وحظيت بنصيب الأسد من الاحتجاج والاعتراض رغم أنها ليست أكثر من مذكرة خطاب نوايا لدراسة الجدوى حتى اللحظة على الأقل وفقا لما سمعته «القدس العربي» من متابعات عبر الناطق الرسمي باسم الحكومة الوزير فيصل الشبول.
رفض رئيس الوزراء الخصاونة بصورة واضحة وشمولية وفي خطاب مؤثر في الجلسة المثيرة المزاودة على الحكومة والشعب الأردني في جذر وأصل مسألة ثوابت الصراع والقضية الفلسطينية. لكن في منطقة أبعد يركز عليها طاقم الخصاونة ليس النفاذ باتفاقية لا تزيد عن كونها دراسة جدوى بل التركيز أكثر على ما هو أهم في إطار تهدئة العلاقة بين السلطتين لأغراض العبور بوثيقة مخرجات تحديث المنظومة السياسية مما تطلب أصلا ترتيبات وتفاهمات ثنائية قبل جلسة الاربعاء بين رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب عبد الكريم الدغمي.
يعلم خبراء الحكومة بأن الصخب النيابي في مسألة التطبيع يمكن احتواؤه والصبر عليه والعبور منه بعد معالجة بعض أخطاء الشرح والتوقيت والتكتيك التي بات من الصعب إنكارها اليوم انتظارا للاشتباك الأهم في برنامج تحديث المنظومة السياسية حيث تعديلات بالجملة في غاية الأهمية دستوريا وعلى تشريعات مهمة جدا مثل الأحزاب والانتخابات. وحيث عملية منهجية شاملة في إطار التحول للحياة الحزبية لاحقا تطلبت مرونة حكومية كبيرة في مواجهة الخطابات المتعلقة إما بشعار التطـبيع أو حـتى بالتـلويح بحـجب الـثقة عن الحـكومة.
جلسة الاربعاء وبصرف النظر عن نتائجها يمكن أن توحي ضمنا بأن الاحتمالات متوازنة على صعيد مستقبل العلاقة بين السلطتين خصوصا وأن اتفاقية دبي التي تقول الحكومة إنها ليست أكثر من دراسة جدوى بعد خلطت الأوراق وأرهقت الجبهة الحكومية وأقلقت الشارع الأردني وإنْ كانت تكشف سرا كبيرا طالما تهربت منه الحكومات السابقة وله علاقة بجوهر أزمة الأمن المائي وهو سر من نافلة القول الإشارة الآن إلى أن حكومة الخصاونة فقط وحدها تتحمل مسؤوليته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى