اراء و مقالات

خفايا «الأردن الاقتصادي» الجديد: ثنائية «السيسي – الكاظمي»… «جنة الضريبة» ومماطلات «الحكومة الإلكترونية»

عمان- «القدس العربي»: ملاحظتان سجلتا مبكراً وفي مركز القرار الأردني عندما تعلق الأمر حصراً بمراقبة كيفية إدارة دول شقيقة أو صديقة أو مجاورة للتحفيز الاقتصادي بصورة خاصة.
الملاحظة الأولى تلك التي تقول بأن الأردن ومنذ سنوات طويلة سبق الجميع في مفهوم الحكومة الإلكترونية نظرياً، لا بل ساهم أردنيون مختصون في نقل تجربة الحكومات الإلكترونية بالمفاصل إلى بعض الدول المجاورة.. رغم ذلك، تأخرت كثيراً حكومة عمان الإلكترونية، لا بل لم تنجز بعد، فيما تقدم كثيرون في هذا الاتجاه في العالم العربي، بما في ذلك دول اقتصادها ضعيف أو مترنح.
الملاحظة الثانية وسجلت مرجعياً أيضاً، مصدرها مصر حصراً، حيث مراقبة أردنية حثيثة لآليات وتقنيات ما يسميه الخبراء بالنمو الاقتصادي المصري وبرامج التشغيل.
وهنا لوحظ بوضوح وحتى في اجتماعات ثلاثية مع العراق والأردن، بأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شخصياً يضغط ويناور ويتبنى مشاركة مستثمرين مصريين في مقاولات وعطاءات ومشاريع كبيرة هناك، حتى إن رئيس وزراء العراق الدكتور مصطفى الكاظمي فوجئ في أحد الاجتماعات وبحضور الوفد الأردني بأن الرئيس المصري شخصياً يفاوضه ويحمل التفويضات اللازمة لتوقيع أوراق عطاءات لصالح مستثمرين مصريين.
لفتت المسألتان نظر مستويات القرار في عمان، ونتج عنهما طرح أسئلة متعددة حرجة أحياناً لكنها مهمة: لماذا نتأخر؟ ما الذي يحصل في نظامنا الحكومي؟ لماذا نكثر من الكلام والتنظير ثم تتأخر الإجراءات والقرارات وبحجج وذرائع واهية؟ كيف يقود أولادنا عملية التحول للحكومة الإلكترونية في دول خليجية بينما نتأخر جداً في الداخل؟

أسئلة محفزة

تلك الأسئلة فيما يبدو أدت إلى تحفيز النشاط الذهني في المطبخ الاستشاري الأردني مع الإقرار بوجود التباينات وأحياناً الاختلافات. لكن عملية طرح الأسئلة بدت شرعية، لا بل وطنية ويمارسها الأن مسؤولون وموظفون في الدولة وأجهزتها، وسط القناعة التي عبر عنها مبكراً رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عمر الرزاز، بأن الدولة الأردنية ينبغي أن تتصرف على أساس «الفطام عن المساعدات»، ووسط القناعة التي عبر عنها عدة مرات وحتى أمام «القدس العربي» وزير المالية الدكتور محمد العسعس، وهو يصر على أن برامج وسياسات الاعتماد على الذات والوصفات الوطنية في الإصلاح الوطني الهيكلي هي التي ينبغي أن تحظى بالأولوية. من هنا قفز مفهوم العسعس في الحد مما تسميه مؤسسات الدول المانحة المالية بـ»الهبات والمنح الضريبية المجانية».
وبرز مفهوم «الجنة الضريبية» ومعادلة الضريبة العادلة الجديدة، وانتهى ذلك بالعسعس وطاقمه إلى نجاح لفت الأنظار، وأقر به المستوى السيادي في الدولة الأردنية، في إعفاء البلاد من كلفة وفواتير الجولة الرابعة من المفاوضات مع البنك الدولي وصندوق النقد، حيث تم إرضاء تلك المؤسسات والحصول على ثقتها بشكل لافت بدون زيادة العبء الضـــريبي.
صحيح للغاية، أن غياب العسعس لاحقاً ولأي سبب عن موقعه في وزارة المالية قد ينطوي على مجازفة قوامها عودة الوصفات الكلاسيكية القديمة وإسقاط الإجراءات التصحيحية التي أنجزت، والعودة إلى مجاملات الضريبة المألوفة في الاتجاه المعاكس لعملية الاشتباك، لكن الصحيح أيضاً أن خطة العسعس تفاعلت عندما طرح مفهوم العدالة الضريبية، رافضاً أن يحظى الأثرياء وكبار جامعي الأرباح بمزيد من تسهيلات الضريبة مقابل الضغط ضريبياً على الصغار المكلفين من أصحاب البقالات والمحلات التجارية المتوسطة. حصل الأردن على توافقات تخدم مصالحه المالية مع مجموعة المراقبين الدوليين. وحصل العسعس، في المقابل، على عدد وافر من الأعداء والحيتان والخصوم الذين يتربصون بفكرته وليس فقط بشخصه.
لكن الملاحظات التي سجلت بخصوص الإدارة الضريبية والحكومة الإلكترونية وما فعله السيسي مع الكاظمي كانت محفزة جداً وبنشاط لمطبخ القرار الاقتصادي الاستشاري الأردني.
تلك كانت الخلفيات التي نهضت بفكرة التقدم برؤية اقتصادية مرجعية تحدد الأسقف وتؤسس لسياسات عامة عابرة للحكومات، وهو ما اصطلح على تسميته الآن بالرؤية الاقتصادية التي تحمل شعار تحرير كامل الإمكانات الاقتصادية، علماً بأن الخبراء وأحياناً الوزراء في الحكومة، لديهم ملاحظات على شكل وخلفية الحوارات التي نتجت عنها تلك الوثيقة العابرة للحكومات.، ولديهم أيضاً ملاحظات وتحفظات على مضمون فكرة تحرير الإمكانات؛ لأن تلك الإمكانات ينبغي أن توجد أولاً حتى يتم تحريرها وعلى أساس أن المسألة لا تتعلق بعصف ذهني هنا أو هناك، ولا بتحفيز الأداء البيروقراطي أو بسلسلة إجراءات لتقليص التشابك والتناقض التشريعي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى