اراء و مقالات

مشعل وهنية في عمان: هل نلتقط الصور فقط؟

الإنسانية الحقيقية هي أن يراعي صاحب القرار مصالح بلاده الوطنية العليا في الصغير والكبير من أي ترتيبات وعلى قاعدة مصالح سياسية متبادلة بعيدا عن الإغراق في الحسابات التي تحول دون الاستثمار في مبادئ وأخلاقيات ونتائج ومكاسب التنوع والتعدد

قد لا تكون الحاجة أردنيا على الأقل مبررة عندما يتعلق الأمر باقتصار العلاقة الرسمية والشعبية مع قادة المقاومة الفلسطينية على التقاط الصور بين الحين والآخر على هامش مناسبات توصف بأنها إنسانية.
الإنسانية الحقيقية هي أن يراعي صاحب القرار مصالح بلاده الوطنية العليا في الصغير والكبير من أي ترتيبات وعلى قاعدة مصالح سياسية متبادلة بعيدا عن الإغراق في الحسابات التي تحول دون الاستثمار في مبادئ وأخلاقيات ونتائج ومكاسب التنوع والتعدد.
أقول ذلك بمناسبة موضة إلتقاط الصور الشخصية مع قادة حركة حماس في العاصمة عمان على هامش تشييع جثمان الفقيد الكبير المهندس إبراهيم غوشة الذي خبرته وعرفته شخصيا رحمه الله هادئا وعميقا وحريصا على الأردن قدر حرصه على فلسطين.
مسألة التقاط الصور ثم نشرها مع خالد مشعل أو الشيخ اسماعيل هنية أو غيرهما غير لائقة، فقادة حماس وفصائل المقاومة ليسوا نجوما في الفن أو في الرياضة، وإظهار المساندة لهم بالنسبة لنا كأردنيين واجب وطني مقدس يتجاوز تلك المظهرية.
الأردني المخلص لوطنه اليوم عليه واجب وافترض بأن المناضلين والمجاهدين لا يحتاجون لصور أو لشعارات أو هتافات فقط بل لموقف حقيقي ليس صدفة إطلاقا أنه ينسجم بالنتيجة مع أدق وأعمق معايير الحرص على مصلحة الدولة وليس الشعب الأردني فقط.
يتردد في غرف الساسة والرسميين تبريرات متهالكة لتفسير عناصر الجفاء الرسمي والبيروقراطي والسياسي مع قادة المقاومة الذين يمثلون بالحد الأدنى وبحسابات القلم والورقة نصف الشعب الفلسطيني على الأقل.
بعض تلك التبريرات مخجلة، وبعضها الآخر غير مقنع وليس صدفة إطلاقا أن الخاصرة الأردنية وتحديدا الرسمية أسيء لها أو خدشت من قبل الحلفاء والأصدقاء والشركاء ومن يطلقون على أنفسهم اسم المعارضة الخارجية أيضا.
وليس سرا إطلاقا أن السجلات لا تذكر حادثة واحدة خدشت بمصالح الأردن أو حاولت التدخل بشؤونه الداخلية من جهة حركة حماس ومنظماتها، ولم يلحظ أحد يوما بأن أيا من المعارضين الوطنيين داخل الأردن بمن في ذلك الإسلاميون أو غيرهم تورط في تسريب أو تحريض مخجل كما فعل كثيرون من داخل الدائرة الوظيفية.

الإنسانية الحقيقية هي أن يراعي صاحب القرار مصالح بلاده الوطنية العليا في الصغير والكبير من أي ترتيبات وعلى قاعدة مصالح سياسية متبادلة بعيدا عن الإغراق في الحسابات التي تحول دون الاستثمار في مبادئ وأخلاقيات ونتائج ومكاسب التنوع والتعدد

على الحكومة الأردنية أن تحسم جدلا متفاعلا داخلها وفي وقت قريب جدا بعنوان تمييز الغث من السمين والمكلف من غيره في إطار التحالفات والاتصال السياسي وعلى الحكومة بالتوازي اظهار احترام موقف الشعب الأردني الذي تم التعبير عنه بكل المناسبات واللهجات والقاضي بأن تنتقل العلاقات مع المقاومة الفلسطينية إلى مستويات أكبر وأهم وإلى دوائر الاتصال السياسي حرصا على حماية عمان وليس القدس وغزة فقط.
جربنا جميعا كيف يتآمر شريك السلام الإسرائيلي على مصالح مملكتنا في الأقنية والغرف المعتمة وجربنا عشرات المرات كيف يحاول إيذاء بلادنا أشقاء وأصدقاء تقاسمنا مع بعضهم كل شيء، وكانوا طوال الوقت عبئا كبيرا على البلاد فيما بقيت المقاومة الوطنية الفلسطينية هي الشريك الحقيقي في المبادئ والثوابت الذي نتجاهله دوما رسميا.
عندما يتعلق الأمر بالتصدي لمؤامرات اليمين الإسرائيلي للشريك الحقيقي مؤسسات المقاومة.
وعندما يتعلق الأمر بالتصدي لخبث الوطن البديل وللتوطين لن تنفعنا تحالفات وتشاركات أوسلو وشقيقاتها وعنوان الانسجام مع المصلحة الوطنية الأردنية اليوم هو المقاوم الفلسطيني الذي لا يعلنها فقط بل يمارسها في ميادين الاشتباك عندما يقول بأن الأردن للأردنيين وفلسطين لأهلها الفلسطينيين.
من المفهوم بقاء العلاقة الرسمية مع ما يسمى بالشرعية الفلسطينية لكن السؤال وهو أردني بامتياز هنا: من الذي يرسم ويحدد هذه الشرعية وسطوتها وسلطتها ومكاسب ومخاسر العمل دوما وأبدا تحت سقفها فقط؟
طبعا من المرحب به وجود قادة المقاومة الفلسطينية في عمان حتى وإن كانت لافتة إنسانية وليست سياسية ونشكر الحكومة على المبادرة.
لكن بوضوح البقاء في هذا التموقع لا يكفي بعد الآن، فالدول الكبرى التي عملت لعقود ضد الشعب الفلسطيني تبحث عن سيناريوهات وخيارات للتواصل مع الشيخ هنية ورفاقه ورغم وجود ملاحظات لدى الجميع على أداء حركة حماس أحيانا إلا أن المصلحة الوطنية الأردنية تطلب اليوم ما هو أكثر بكثير من لفتة إنسانية فقط بل تتطلب تقبيل الرصاصة التي تعلن هوية العدو الواحد وإحتضان تلك الخوذة المقاومة التي يرتديها من يقول ضد الوطن البديل واليمين الإسرائيلي. تحتاج المؤسسة الأردنية لمبادرة ديناميكية أذكى لا تقف عند حدود احترام اتجاهات الشعب الأردني فقط بل المطلوب منها خطوات جريئة تحترم المصالح العليا المرحلية للدولة الأردنية بعد سلسلة من الخيبات والخذلان يعرفها الجميع.
بإختصار مطلوب أن نشاهد خالد مشعل على طاولة التباحث والحوار في رئاسة الوزراء أو في الديوان الملكي أو كليهما.. هذا ما تتطلبه المصلحة اليوم وما يعكس نبض الشارع الأردني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى