اراء و مقالاتمقالات وآراء

«إنذار مبكر» بتوافق وطني أردني «ملتبس»: الإدارة العامة «تترنح وتتراجع»… من الجاهل؟

 

 

 يلتقط المعارض الأردني العتيق ليث الشبيلات، مجدداً، ما هو جوهري في المسألة المحلية عندما يتحدث في شريط مصور جديد عن «الجهل» الذي يكاد يودي بإدارة الدولة والمؤسسات والوزارات.
طبعاً، الشبيلات كان مشتبكاً مع وزير الأشغال في الحكومة فلاح العموش، على هامش الجدل في ملفات تحقيق عطاءات. لكن لاحقاً، وضع شبيلات فارقاً بين «النقد السياسي» لجهات لديها «علم ومعرفة»، والنقد الخطوات البيروقراطية «الجاهلة» التي تؤدي إلى تخريب.
قبل شبيلات بسنوات طويلة، أعلن وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، بأن»إدارة الأمور بالطريقة التي تدار بها لم تعد خياراً». لكن المعشر غاب عن المشهد السياسي والوظيفي بعد ذلك، وقبل إعلان مثير لرئيس الوزراء الحالي الدكتور عمر الرزاز أمام طلاب جامعيين تحدث فيه عن «صيانة طائرة أثناء التحليق»، ولاحقاً وضع الرزاز سلسلة «مصفوفات» للتطوير الاداري.
سمعت «القدس العربي» الرزاز مباشرة مرتين على الأقل يتحدث عن طموحاته البرامجية بإحداث «تغيير ولو تدريجياً» في تطوير خدمات القطاع العام. لكن تلك الخدمات يعلن، ومنذ عدة أشهر، المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وهو مؤسسة خبرة رسمية، بأنها «تتراجع» وبوضوح في الوقت الذي يصر المخضرم ورئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة على أن بلاده تحتاح إلى «إصلاح إداري» قبل أي حديث عن إصلاح اقتصادي أو سياسي.

من الشبيلات للروابدة لبني ارشيد وحتى الرزاز والذنيبات

تقرير حالة البلاد الشهير العام الماضي للمجلس الاقتصادي الاجتماعي كان بمثابة «إنذار مبكر»، حيث يرى مراقبون اليوم بأن «خدمات الدولة» تتراجع وبصورة دراماتيكية، لا بل تترنح في مكان غامض وملتبس، بتقدير القطب الإسلامي السياسي الشيخ زكي بني ارشيد، الذي يحرص على هامش نقاش بجلسة مغلقة، على التذكير بأن كل آليات التطوير وفي كل الاتجاهات تحتاج إلى «رافعة الإصلاح السياسي الحقيقي والعميق والجذري».
يبدو أن منطقة «تراجع الإدارة» ورغم زحام المبادرات في مجال الإصلاح الإداري، تشهد نمطاً من «التوافق الوطني» يتجاوز خلافات الاستقطاب السياسي والأجندات الاقتصادية في محطة لا يمكن رصدها إلا بالحالة الأردنية، حيث مختص ومخضرم مثل الدكتور محمد ذنيبات يصر على أن الإصلاح الإداري المتميز بالديمومة «ليس ترفاً»، ومن الصعب تقبل فكرة أنه يقبل التأجيل.
وما يحاول سياسي معتزل من وزن شبيلات التذكير به هو أن معادلة «الإدارة العامة» هي التي تتراجع الآن وبصرف النظر عن الجانب السياسي والخلاف أو الصراع عليه، مشدداً: لا تستطيع في الإدارة التحاور مع «جاهل» يدوس الأشياء ويدمرها.
طبعاً، يحدد الشبيلات «الجاهل» الذي يقصده ضمنياً، مع علم الرأي العام بأنه يتحدث عن تدمير قطاع الإنشاءات والمكاتب الهندسية بسبب مبالغات التحقيق في أوامر التغيير بالعطاءات بالرغم من أن تحقيقات الفساد عموماً من أبرز ملامح مطالب الشارع، والجديد أنه بات «خياراً إستراتيجياً لا مفر منه» في خيارات الدولة أيضاً بعد تداعيات أزمة فيروس كورونا.
أو تتحول -نقصد تحقيقات الفساد- إلى «مسألة وجودية» اليوم، على حد تعبير أحد أقطاب مجلس وزراء الرزاز.
بمعنى آخر، ثمة إجماع نسبي كبير على أن قطاع الخدمات العامة أو الجهاز البيروقراطي «يترهل ويتراجع».
وثمة شعور بأن «الإدارة العليا تتراجع». ولافت جداً أن هذا التوافق يتضمن «الأخ المسلم» مع طبقة رجال الدولة ومع خصمه السياسي والإسلامي أيضاً.
ويتضمن أفقياً غالبية أصحاب الرأي من معسكري الولاء والمعارضة، التي تريد -كما يلمح بني ارشيد- لفت النظر إلى أن الاحتفاظ بالخلاف السياسي حول أي ملف لا يعني عكس الحرص على الإدارة العامة التي يسعى الآن، على الأقل في الجانب الاقتصادي التخطيطي، طاقم الحكومة لتحقيق قفزات فيها ضمن مسلسل هدم المعبد البيروقراطي، لكن برقّة وبدون تسرع وصلافة، وبالتدريج، وعبر «التسلل»، حسب الطريقة التي يفضلها رئيس الحكومة الحالي.
غريب حقاً سياسياً أن تجتمع تلك الأسماء المشار إليها سابقاً في منطقة تتزاحم فيها التعبيرات وهي تحذر من «تراجع الإدارة العامة»، الأمر الذي يعكس «أزمة الأدوات» التي يشير إليها السياسي الإسلامي مروان الفاعوري وهو يتحدث عن مظاهر الشللية والاجتهاد والمغامرات، وأحياناً المراهقات التي التهمت نماذج التفوق والإدارة العميقة في الإدارة العامة.
يبحث الجميع عن «وصفات» للمعالجة داخل الدولة وخارجها. لكن المنتقدين دوماً وبكل الأحوال للإدارة العامة ورموزها لا يقدمون «بديلاً منهجياً» قابلاً للتطبيق فعلاً، وقبل ذلك للقياس بالتلازم مع الإصرار على «إنكار» حصول محطات تطور وتقدم استثنائية ساهمت في نفاذ البلاد في المحصلة من مفاصل غير مستقرة، مثل الربيع العربي، وأحداث الإقليم، وإن كان ذلك يظهر تفوق «السيادي» الذي يخفق التنفيذي بالركض بموازاته.
عملياً وباختصار، يلفت النظر فعلاً رصد مثل هذا الإجماع الوطني العام على «وقف تراجع الأداء العام» للدولة وأذرعها ومؤسساتها.
لكن الغيرة الحقيقية وما يلفت النظر أكثر ويحدث فارقاً هو»مشاركة الجميع» مدافعين ومنتقدين في رسم استراتيجيات إصلاح إدارية بدلاً من البقاء في العتمة الإدارية ولعن الظلام. تلك، بدورها وحصرياً، «المحطة» التي تحتاج إلى «جرأة» القبول بمشاركة الجميع، وهذا غير ممكن من دون «إصلاح سـياسي مؤسسي وشـامل».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى