اراء و مقالات

متى يقرر الأردن تجاوز «كل الحساسيات» الفلسطينية؟

نتنياهو تجاهل نصيحة «انضج»… وبن غفير يناكف «الوصاية»

عمان – «القدس العربي»: وصفت الخارجية الأردنية الجولة التي قام بها، مناكفة، وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير في باحات المسجد الأقصى بأنها اقتحام خطير.
واستعمل الناطق باسم الخارجية الأردنية والسفير البارز، سنان المجالي، مفردة الاحتلال وهو يحمّل الجانب الإسرائيلي تبعات الاقتحام الخطير.
قبل ذلك وعلى مدار الساعات، كان طاقم الخارجية الأردنية في حالة تنشيط لاتصالات طوارئ دولية أملاً في الضغط على بنيامين نتنياهو ودفعه لمنع تلك الزيارة الاستفزازية جداً.
بات واضحاً أن الجهود الأردنية هنا أخفقت دبلوماسياً في منع الزيارة، وأن الرهان على عبارة «الجميع ناضج» لم يكن منتجاً سياسياً على الأقل، والانطباع اليوم لدى غرفة القرار الأردني يشير بوضوح إلى أن نضج نتنياهو حتى وإن توفر تحت أي عنوان، لا يمكنه استعماله مع طاقمه الوزاري؛ لأن الطاقم اليميني المتشدد الذي يعمل معه أقوى وأصلب داخل الحكومة من رئيس الوزراء، ولأن نتنياهو هنا التقط مبكراً ما هو جوهري في الرهان الأردني على نضجه المحتمل، فقرر إفلات اللحظة وتجاهل التحذير الأردني المرجعي في السياق. لذا، لم يقم النضج بوظيفته في هذه الحالة، علماً بأن الملك عبد الله الثاني شخصياً كان قد تحدث عبر محطة «سي إن إن» الأمريكية عن محاذير الحرب الدينية واستعمل عبارة الجميع ناضج.
أخفق العزف على وتر النضج؛ لأن القيود التي فرضها الممثلون للفكر الاستيطاني التوسعي في طاقم نتنياهو أقوى من احتمالات النضج والاحتمالات السياسية. وعليه، يصبح نتنياهو وبقراره عدم إعاقة زيارة بني غفير صباح الثلاثاء قد وضع نفسه في سياق الخصومة مع الأردن، كما وضع نفسه في منطق خطة التقاسم الزماني والمكاني التي يدعمها أصلاً، ومعناها السياسي المباشر عملياً تقويض الوصاية الهاشمية. شوهد إيتمار بن غفير يتجول مع المستوطنين والأمن في الصباح الباكر، ليس في المناطق التي يفترض أن يهتم بها اليهود، ولكن على بوابات المسجد الأقصى.

الخطوة التالية

والخطوة التالية في برنامج وزير الأمن القومي الإسرائيلي، حسب الفهم الأردني للمعطيات بعد تكرار هذه التسللات، تكريس القناعة بحق اليهود في زيارة ساحات المسجد الأقصى، لا بل وإقامة صلوات تلمودية فيها.
وهو أمر يصنفه الأردن مبكراً باعتداء مباشر يخالف ما اتفق عليه للوصاية الهاشمية خلافاً لأنه أمر، كما أبلغ الشيخ عكرمة صبري «القدس العربي»، يجب التصدي له برسالة واضحة أردنياً وفلسطينياً.
ما يؤشر عليه الشيخ صبري دون التحدث عنه صراحة هو أن دفاع الحكومة الأردنية عن الوصاية ودور المملكة في القدس يتطلب الآن ما سبق أن تحدث عنه الباحث الأكاديمي البارز الدكتور وليد عبد الحي، عندما اقترح في تحليل خاص له ثم أمام «القدس العربي» على الأردن تجاوز كل الحساسيات والحسابات مع الفلسطينيين حصراً للحفاظ على مصالحه ودوره في المرحلة اللاحقة. تجاوز الحساسيات مع الفلسطينيين سواء في القدس أو في قطاع غزة أو حتى في الضفة الغربية، خطوة كبيرة وملحة جداً اليوم.

نتنياهو تجاهل نصيحة «انضج»… وبن غفير يناكف «الوصاية»

وثمة شكوك في أن العقيدة البيروقراطية الأردنية مطلوب منها الكثير من الصنف الذي لا تزال غير مستعدة له لتجاوز تلك الحساسيات وبناء موقف تنسجم فيه المؤسسات التنفيذية والحكومة مع الثابت والرؤية المتقدمة المعلنة من جهة الملك شخصياً، وهو أمر لفت النظر إليه علناً رئيس الديوان الملكي الأسبق الدكتور جواد العناني.
لم يعرف بعد مقدار الاندفاع الأردني المقرر في مسألة الدفاع ذاتياً عما صنف من قبل رجال الدولة الأردنية باعتباره خطاً أردنياً أحمر، فقد انشغلت عمان وأخفقت قبل تشكيل حكومة نتنياهو في العمل على منع توزير إيتمار بن غفير أصلاً. وها هي الخارجية الأردنية تخفق في المقابل في منع أول تسلل برسالة سياسية يمينية متطرفة للمسجد الأقصى والمقدسات في حضن الرعاية والوصاية الهاشمية. وإزاء تلك الاستفزازات، يبقى الثابت الأردني ثابتاً بكل حال. لذلك يصف السفير المجالي مع فعله بن غفير صباح الثلاثاء بـ»اقتحام خطير». ولذلك أيضاً حذر الملك عبد الله الثاني شخصياً من أن الإصرار الإسرائيلي على تغيير الأمر الواقع في القدس حصراً قد يجر المنطقة إلى حرب دينية.
وهو تصريح يقصد ضمنياً بين دلالاته أن ما يصنف «بالإرهاب الإسلامي المتطرف» سيقترب، والمسافة بين القضية الفلسطينية والجمهورية الإيرانية ستتقلص جداً إذا ما أصر اليمين الإسرائيلي على تلك الفوضى وألح على وضع الوصاية الهاشمية أمام اختبار قاس وصعب ومعقد، حيث الموقف المرجعي الأردني حتى اللحظة هو لفت النظر إلى أن عمان لن تقبل بأي حال تغيير الأمر الواقع في القدس، وأن عمان تستثني ملف القدس والوصاية مما سمي سياسياً وإعلامياً بمسار التكيف. وعليه، ستكون لها ردة فعل بصيغة اعتبرها العناني مثلاً إنذاراً بالاستعداد للحرب والاشتباك العسكري إذا ما اقترب الإسرائيلي من خطين أحمرين، هما القدس والترانسفير مجدداً باتجاه المملكة.

حساب أردني دقيق

على الأرض وفي الواقع وفي مواجهة استعراض بن غفير الصباحي يوم أمس الثلاثاء، تحسب الاعتبارات بدقة أردنياً، كما يتم التدقيق في المسافات الفاصلة عبر استعراض الأوراق التي يمكن استعمالها للرد، خصوصاً إذا ما قرر بن غفير قصداً وبضوء أخضر من نتنياهو تكريس تسللاته واقتحاماته باعتبارها سلوكاً طبيعياً يدخل في صلاحيات وحقوق دولة الكيان.
باختصار، وفي الخلاصة، ما يفعله بن غفير اليوم ينسجم مع التفسير الذي كان يعتمده المفكر الراحل عدنان أبو عودة وهو يتحدث عن دور أردني في القدس يمنحه ويحجبه الإسرائيلي في أحد أخطاء المفاوضات القديمة.
لكن الأردن في القدس حصراً ليس كما هو في غيرها؛ فقواعد الاشتباك واضحة، والأردن قررها مسبقاً بعبارات ملكية مرجعية واضحة الملامح، قد لا تجد وسط النخبة الليبرالية والدبلوماسية نصيراً قوياً في السلطات التنفيذية. وهنا لاحظ الجميع تزامناً تقرره الحكومة الأردنية، حيث الإعلان عن تعيين مئة موظف جديد ضمن كادر الأوقاف في القدس بنفس اليوم الذي قام به بن غفير باستعراضه. تلك أيضاً رسالة.
لكن الرسالة الأهم قد تكون بالعودة لمقترح الدكتور عبد الحي باسم تجاوز الحساسيات فجأة وبقرار سياسي، وهي خطوة ليست سهلة قد تتطلب، إذا ما تقررت يوماً، تبديلات ومناقلات تؤدي إلى تغيير العقيدة الإدارية والبيروقراطية في أكثر من مفصل ومكان.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى