اراء و مقالات

الأردن: انتخابات «أكثر» …»فساد أقل»

ثقافة الناس الضمنية تمت تربيتها بعملية لا تخلو من الخبث والدهاء على أن الأمن والاستقرار الفردي الأمني والشخصي والعائلي أهم من الديمقراطية الكلمات المفتاحية: المجالس البرلمانية

الاستمرار في النقاش والجدل وفق نفس المعادلات البيزنطية القديمة، عندما يتعلق الأمر بقانون الانتخاب الأردني ليس مفيدا ولا منتجا ولا يخدم الدولة والناس، حيث حالة الضجر والملل من هذا الصنف من النقاشات يمكن مصافحتها فورا عند التحاور مع أي مواطن أردني.
ليس سرا أنه وخلافا لما تقوله أو تدعيه كل المطابخ واللجان الاستشارية إن رغيف الخبز بالنسبة للأردني أهم من الديمقراطية في أولويات الذهن الجماعي. ثمة رقم يعني الكثير ولا بد من التوقف عنده، فحسب استطلاع عميق يرى 74 في المئة من الأردنيين على الأقل بأن تعريف الإصلاح الوحيد بالنسبة لهم هو التخلص من الفساد، فيما لم يسمع باللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية أكثر من 60 في المئة من الأردنيين.

ثقافة الناس الضمنية تمت تربيتها بعملية لا تخلو من الخبث والدهاء على أن الأمن والاستقرار الفردي الأمني والشخصي والعائلي أهم من الديمقراطية
الكلمات المفتاحية: المجالس البرلمانية

تلك أرقام لا تكذب أهلها وإن كانت في المخيلة الشعبية على الأقل تتجاهل ذلك الرابط المخفي والأساسي والمفصلي بين مكانة الفساد في الواقع الموضوعي وتطور تقنياته ومخالبه وبين الديمقراطية والانتخابات كوسائل مركزية في مواجهة ذلك الفساد أو التصدي له أو الحد منه.
لا يعرف غالبية من يجيبون على الاستطلاعات من المواطنين بأن انتخابات حرة ونزيهة فعلا خالية من شوائب الهندسة وأفلام غرف العمليات قد تعني يوما ما «فسادا أقل».
ومع تسليمي بأن الماكينة التي انشغلت بتشويه صورة وسمعة الأردن بالغت طوال الوقت وتهورت في تضخيم الفساد والتحدث عنه، إلا أن الديمقراطية الحقيقية حتى في نسختها وهويتها المحلية والوطنية، يمكنها أن توفر الحد الأدنى من ميكانيزمات عزل ومحاصرة الفساد.
الوقائع تقول وبوضوح لصانع القرار ولكل مراقب بأن المجتمع الأردني مستوى إيمانه بالمشاركة السياسية وبالديمقراطية في أقل المعدلات، وأن ثقافة الناس الضمنية تمت تربيتها بعملية لا تخلو من الخبث والدهاء على أن الأمن والاستقرار الفردي الأمني والشخصي والعائلي أهم من الديمقراطية والتمثيل والانتخابات النزيهة، أو على الأقل إن لم تكن أهم فهي في موقع تعاكس أو تعارض.
طبعا تلك فرية كبيرة جدا يعرف الجميع في المشهد الوطني الأردني بأنها تخضع للتسمين والتغذية في تلك الزوايا المظلمة عند بعض أصحاب المصالح أو في تلك الزوايا المجاورة والإقليمية وأحيانا الدولية التي تعتبر بقاء الأردن على الحافة بكل المساحات استراتيجية سياسية لها.
لا أحد يريد القول اليوم بأن المشاركة السياسية والديمقراطية بحدها الأدنى ليستا في موقع نقيض إطلاقا للأمن والاستقرار والرخاء.
و لا أحد يريد التصدي لسياسة إرهاب الناس ومخاطبة غرائز المجتمع ومدارس التخويف من مسارات الإصلاح لأن مكاسب حفنة من الأردنيين تستقر لا بل تزيد وتنمو إذا ما تأجل أو تأخر أو قمع الإصلاح السياسي بأكثر من وسيلة وطريقة.
لا بد من مرحلة اشتباك يعلم فيها القاصي والداني بأن التناقض بين انتخابات نزيهة واستقرار اجتماعي أمني عمومي ليس أكثر من كذبة أو أسطوانة مشروخة، أنتجت تشوهات طوال عقود في عمق المجتمع، وحتى في شكل الدولة في بعض المراحل، وتسببت في كلف وفواتير يمكن الاستغناء عنها.
السلوك الاجتماعي العام وحتى الثقافي لا يعتبر فعلا الإصلاح السياسي أو الانتخابي أو الديمقراطي أولوية، فالأردنيون يصوتون بكل الأحوال لرغيف الخبز أولا وبالتالي لا يؤمنون بأن إنجاز الإصلاح السياسي ممكن أو مهم… هنا تحديدا مأزق وطني كبير يحتاج إلى لجان ملكية واستشارية ليست بالتأكيد من النوع الذي رأيناه مؤخرا.
يريد الأردنيون قبل كل شيء مكافحة الفساد وطبعا ثمة مبالغات وتهويلات في حجم ذلك الفساد، لكن العقل الاجتماعي يتصور على نحو أو آخر بأن الفساد هو سبب ارتفاع كلفة المعيشة والأسعار، ولا يمكن لوم الناس على هذا النمط من التفكير، وواجب الدولة والنخب بعد الآن التوقف والتأمل لإقناع الجميع بأن الدولة والمواطن معا ضد الفساد.
وإقناع الجميع بأن الفساد مهما كان لونه أو حجمه يخسر في حال التحول إلى حالة وطنية برسم الإصلاح السياسي العميق، وبأن الفساد لا مكان له في الواقع العملي عندما تحسن نوايا الإصلاح الانتخابي مع أن تجارب الانتخابات وتحديدا تلك التي شهدت تدخلا أقل بالعادة تشير إلى أن الناخب الأردني يقترع ويصوت إما لبعض رموز الفساد أو بناء على اعتبارات وتوجهات لا علاقة لها بالفساد ومكافحته تأشيرا على حالة فصام لا تقارن السلوك الانتخابي بمظاهر الشكوى والتذكر والتضجر عند الناس.
غالبية المجالس البرلمانية المنتخبة انقلب عليها المواطنون بعد أسابيع قليلة من تصويتهم لها ثم سرعان ما ينقلب المواطنون على أنفسهم فيعيدون التصويت على أسس لا علاقة لها بتلك الأولويات المرتبطة بالفساد في الاستطلاع العميق المشار إليه.
كيف يمكن تفكيك وحل هذا اللغز؟
الإجابة صعبة لكن المعروف في السلوك الفردي الاجتماعي أن بعض المواطنين لا يمانعون اللجوء للفساد لإنجاز احتياجاتهم رغم شكواهم المرة والمتكررة من الفساد والفاسدين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى