اراء و مقالات

«الاحتواء» بدأ في الأردن والبحث مستمر عن «حلقات غامضة» في «الفتنة» ودراسة «كلفة إغلاق الملف»

عمان – «القدس العربي»: لا أحد يعرف أو يستطيع ببساطة معرفة التقديرات الكامنة التي تقف وراء الحرص السياسي على بقاء عناصر الاشتباك فعالة فيما يختص بما تبقى من مخطط الفتنة في الأردن.
أثار قرار السلطات، والتزاماً بما سمّاه رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة أمام القدس العربي بـ» تقاليد الصفح الهاشمي» الإفراج عن 16 موقوفاً ثم الإبقاء على اثنين من المتهمين، جدلاً واسعاً ليس في السياق السياسي فقط ولكن في الإطار القانوني أيضاً.
بخلفيته القانونية، شرح الخصاونة بأن المسألة تتعلق بتقدير السلطة القضائية المستقلة لمركز المخالفة والجريمة التي تحدد النيابة أنها ارتكبت. حذر محامي المتهم الثاني، حسن بن زيد علاء، الخصاونة من إشارات محتملة في إجراءات إخلاء السبيل على مستوى النيابة، يمكن أن يستنتج معها المراقب الحكم مسبقاً على موكله.
قانونياً، سلطات النيابة امتثلت لمكرمة الصفح الهاشمي، لكن الإجراء التنفيذي له علاقة بصلاحياتها، الأمر الذي انتهى عملياً ببقاء متهمين بارزين في مخطط الفتنة خلف القضبان، وهما: بن زيد الشاب الذي يكثر من الكلام والحركة، ورئيس الديوان الملكي الأسبق الدكتور باسم عوض الله، الذي تردد أنه وفي اللقاء الأول مع محاميه، لم يعتبر نفسه في حاجة إلى محامٍ أصلاً؛ بمعنى أنه لم يرتكب جريمة وإن كان قد أقر ببعض الأخطاء.
في كل حال، تدبير السلطات القضائية يمنع القانون إخضاعه لأي جدل، ومحظور على السلطة التنفيذية وهي الحكومة التدخل أصلاً. والمعنى أن إخلاء سبيل أي متهم تحت عنوان الاحتواء السياسي والمرجعي في شهر رمضان، خطوة نبيلة وحكيمة في كل حال، فيما النيابة تقرر ما تراه مناسباً بخصوص وزن الأدلة والوقائع التي تقتضي الاستمرار في التحقيق القضائي أو احتجاز أي متهم لاحقاً.
لكن بقاء عوض الله وبن زيد في السجن أثار تساؤلات سياسية الطابع، خصوصاً بعد الإشارة العلنية إلى صحافية مخضرمة هي رنا الصباغ، تعليقاً على تقرير لـ«القدس العربي» بعنوان «على كل حال رواية المؤامرة ثم الانقلاب ثم الفتنة بدأت تترنح، والكثير يسأل عن طريقة إغلاق الملف».
هل يعدّ الاستنتاج بعد الموافقة على ترنح الرواية الرسمية الحكومية بأن الملف في طريقه للإغلاق، دقيقاً؟
سؤال مربك الآن في حال الإصرار عليه؛ فالإجماع واضح وسط نخبة الدولة والسياسة والقرار بأن كلفة الطريقة التي تم الإعلان فيها عن مخطط الفتنة كانت كيبرة في الداخل والخارج.
والسؤال نفسه مربك أيضاً؛ لأن عملية «الاحتواء» في بعدها الاجتماعي والعشائري والإعلامي والسياسي على الأقل بدأت فعلاً وبصيغة أوضح من أي إمكانية لإنكارها، بالرغم من كل إلحاح التساؤلات والسعي لهضم الدرس الناتج عن كلفة ما حصل.
تمكن 17 ممثلاً لتركيبة الشرائح الاجتماعية الأردنية، في لقاء بالقصر الملكي، الخميس الماضي، من التقاط تلك اللحظة المرجعية التي كان الموقف الملكي فيها يدشن، ضمنياً، الاحتواء ومشروعاً وطنياً بعنوان «طي الصفحة والمضي قدماً في مرحلة البناء، والاحتفال بمئوية الدولة بعد الصدمة والألم الناتجين عن الفتنة».
أو بعد ما وصفه أمام «القدس العربي» الدكتور ممدوح العبادي، بأنه «حدث جلل وصادم، وحصوله يعني باختصار وبساطة أننا لا نسير في الاتجاه الصحيح».
يمكن في المقابل، ملاحظة شكل لقاء الخميس ودلالات هذا الشكل، فمبادرة الصفح الهاشمي برزت بعد مناشدة شيوخ عشائر لهم وزن في أوساطهم، وعلى رأسهم الشيخ هاني الحديد، في مناشدة للصفح أمام الملك استجاب لها فوراً خلال اللقاء الذي رتب أصلاً بحراك وغطاء من المستشارية العشائرية للقصر الملكي.
حتى أن المستشار لشؤون العشائر هو الذي تولى إدارة المداخلات وليس رئيس الديوان الملكي المخضرم يوسف العيسوي.
تلك وصفة أردنية كلاسيكية تنسجم مع تقاليد التسامح والصفح المألوفة، وتعلن فعلاً بداية ملف الاحتواء ليس فقط انطلاقاً من تكريس القيم التراثية المألوفة، ولكن -وهذا الأهم- انطلاقاً من عملية سياسية استدراكية عميقة جداً استشعرت وزن المكاسب والمخاسر، وبدأت في محاولة التعويض بينهما على أساس معيار المصالح في الداخل والخارج.
لاحقاً، ترنح سيناريو الفتنة كما وصفته الحكومة في الواقع القانوني، وأجمع 3 من كبار مسؤولي الدولة على بقاء متهمين بارزين فقط في السـجن الآن بسـبب طبيـعة وحـجم تحريضـهم.
لكن هذا الاستثمار العميق والاستدراكي في السيناريو المترنح له أيضاً كلفه اللاحقة؛ فأغلب التقدير أن دوائر العمق الحريصة في الدولة العميقة اليوم تريد تجنب التزحلق باتجاه كمين قد يكون خارجياً ويواجه عملية المسير.
وأغلب التقدير أن الشعور عند بعض السياسيين الأساسيين الآن بدأ يزيد بوجود حلقات غامضة أو منقوصة يمكن أن توحي بأن الفتنة قد تقود إلى مطب أكبر منها أو كمين مرسوم بعد وأدها بعملية أمنية احترافية يمكن التوقف عندها الآن ولأسباب سياسية فقط.
الاستنتاج خلف الستارة ينمو ويزيد بأن ضبط إعدادات سيناريو الفتنة مهمة أساسية فيها مصلحة الآن دون التراخي في ملاحقة ومطاردة الحلقات الغامضة، لكن بالتوازي قد يؤدي لاحقاً وبعد التعافي من تجاذبات وتشنجات حادة نتجت عن سيناريو المؤامرة، إلى عملية تقييم تحدد مستويات الكفاءة والاشتباك وعلى أساس توفر فرص لتبديد ما تبقى من الغموض.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى