اراء و مقالات

الأردن: «تبديل قفازات» تكنوقراطية… تعديل وزاري من صنف «يعجّل» في رحيل الحكومة لاحقاً

عمان- «القدس العربي»: مال رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة، إلى عملية أقرب لصيغة تؤدي إلى تبديل بعض القفازات عندما يتعلق الأمر بأوسع تعديل وزاري تقرر حتى الآن على طاقمه، يستقبل فيه العام الثاني في عمر حكومته، وبمنظومة تؤشر على أن يدي الحكومة كانت مقيدة، والاعتبارات الموضوعية في سياق المحاصصة وشكلياتها منعت عملياً إجراء عملية جراحية عميقة للطاقم.
لم تعرف بعد تلك الأسباب التي دفعت في اتجاه تعديل وزاري يخلو من مضمون سياسي ويرتكز فقط على تبديل بعض مواقع الوزراء والاستعانة بنحو ستة وجوه جديدة على أمل التحريك في السياق التكنوقراطي والفني فقط.
قد تكون الإشارة الأعمق في التعليق على تعديل الأمس الوزاري في الأردن هي تلك التي نشرت بتوقيع عضو اللجنة الملكية لتحديث المنظومة والمحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة، عندما تحدث عن استمرار السقوط في فخ الشكليات والقشور، معتبراً أنه نتاج طبيعي لرفض التعامل مع جوهر الأمور وحقيقتها.
المسؤول الأول في المركز الوطني لحقوق الإنسان الشيخ إرحيل الغرايبة، قالها بوضوح تعليقاً على تركيبة الوزارة الجديدة بعد التعديل، مفترضاً أنه لن يشكل فرقاً محسوساً بأي مجال على الإطلاق.
لكن تلك التعبيرات قد لا تلبي طموحات الرأي العام مادامت أسرار عملية طهي التعديل الوزاري بين يدي رئيس الوزراء فقط وشخصياً، ولا أحد يعلم بعد لماذا حرمت حكومة الخصاونة من شخصية رئيسية تنضم للطاقم بعنوان رئاسة المطبخ الاقتصادي، رغم أن أغلب وأهم التحديات والأولويات اقتصادية ومالية الطابع.
على نحو أو آخر، حرمت الحكومة من تعديل ذي صبغة اقتصادية يُجدّد في مساحة المناورة والاشتباك. وباستثناء تعيين وزير للاستثمار ولأول مرة عملياً وبدون صفة وزير الدولة، لا يوجد أساس للقول بأن التعديل الرابع على الحكومة والأوسع عملياً يعكس ملمساً جديداً أو رسالة ما فارقة وجوهرية في المسار الاقتصادي.
وزيرا التخطيط والمالية ناصر الشريدة ومحمد العسعس، بقيا في موقعيهما، مما يعني أن حالة غياب الكيمياء ستتواصل.
ويبقى الطبخ الاقتصادي مهمة أكثر تعقيداً. علماً أن وزير الاستثمار الجديد -وهو خبير شركات ومشاريع لا يعرفه الرأي العام ورواد الحالة السياسية الاقتصادية واسمه خيري عمرو- قد يعمل وزيراً للاستثمار قبل إعداد وتوحيد تشريعات وقوانين تسمح له بممارسة صلاحياته، وهي مسألة سبق أن عانت منها حكومة سابقة.
بعيداً عن الاقتصاد، بقيت الوزارات السيادية بحالة مستقرة، حيث الخارجية بعهدة أيمن الصفدي، والداخلية بحضن نجم خلية أزمة كورونا سابقاً مازن الفراية، فيما تقرر باللحظة الأخيرة منع التعديل في ملف وزارة الصحة وبقي الدكتور فراس الهواري، الأمر الذي يعني ضمنياً أن البرنامج الذي سبق أن شرحه الهواري لـ«القدس العربي» بالتفصيل، حظي بتفويض جديد.
الزحام كان قوياً على بعض الحقائب عشية ليلة التعديل، ورئيس الوزراء اعتذر على الأغلب من بعض من أبلغوا في صباح الاثنين، ما يعني بأن مداولات الفجر أقصت بعض الأسماء ودفعت في اتجاه أسماء أخرى، حيث لا جديد في مجال الاشتباك مع وثيقة تحديث المنظومة السياسية أيضاً؛ لأن التعديل لم يتخلله دخول رموز سياسية الطابع للفريق، ولأن بعض الشخصيات التي طمح الخصاونة بضمها اعتذرت في اللحظات الأخيرة.
وفي بعض التفاصيل، ثبت أن وجهة نظر وزير الاقتصاد الأسبق سامر الطويل، قد تكون هي الأقرب للواقع، فلا تجديد في المطبخ الاقتصادي، والتركيز يتواصل على حزمة إجراءات اقتصادية، والتعديل لم تنضم للحكومة بموجبه شخصيات اقتصادية وازنة أو نظرية اقتصادية جديدة، وفقاً لما لاحظه على هامش نقاش مع «القدس العربي» السياسي مروان الفاعوري، وهو يسأل: أين الشخصيات الاقتصادية صاحبة الفكر والنظرية التي قيل لنا عنها؟
بتقدير فاعوري، الاتجاه نحو العمق المعاكس يتواصل ومع عدم وجود اقتصاديين بنظريات وازنة ومقنعة تتواصل عملية استهلاك رصيد الدولة والنظام بسلسلة من التعديلات الوزارية تكنوقراطية الطابع، التي لا تعني الكثير.
يستمر «التسكين» هنا باعتباره الخيار الآمن أكثر في مشروع وتجربة الخصاونة، والذي يتطلع نحو معالجة مظاهر الخلل الإداري وتطوير وتحفيز الإجراءات، كما شرح رئيس الوزراء عدة مرات بحضور «القدس العربي».
في تفاصيل أخرى، خرجت وزيرتان من الحكومة ودخلت غيرهما.
وقد يكون الأهم مغادرة وزيرة الطاقة هالة زواتي، في لحظة سياسية إقليمية تشتبك فيها مصالح البلاد مع مشاريع تصدير كهرباء إلى دول مجاورة مثل لبنان، حيث وصفت زواتي بأنها أول من تحدث عن تصدير الطاقة أصلاً.
وعاد إلى حقيبتها اليوم وزير الطاقة الأسبق صالح الخرابشة، في عملية تدوير جديدة من الواضح أن إيقاع المحاصصة وتمثيل المكونات فرضها، فقد انضم الوزير الجديد للحكومة بعدما غادرها قريبه محمود الخرابشة، وجلس الدكتور نايف استيتية وزيراً جديداً للعمل تعويضاً عن خروج زواتي، في سياق محاصصة المكونات، فيما جلست وفاء بني مصطفى وزيرة للشؤون القانونية.
انتقل بالموجب وزير العمل يوسف الشمالي، إلى وزارة الصناعة والتجارة التي كان أميناً عاماً لها أصلاً.
وغادرت وزيرتها مها العلي، ليتم تعويض الحصة النسائية بالناشطة والبرلمانية اللامعة بني مصطفى، ثم بالدكتورة هيفاء النجار وزيرة للثقافة خلفاً لعلي العايد، الذي غادر موقعه بعد جدل أزمة مهرجانات جرش، ثم رافقه في المغادرة وزير الاتصال الناطق الرسمي صخر دودين، وجلس مكانه صحافي مخضرم وعتيق هو فيصل الشبول.
بعض الدماء في التعديل الوزاري نصف جديدة، وشملت تعيين معاوية الردايدة وزيراً للبيئة، وعودة الدكتور وجيه عويس وزيراً لحقيبتي التعليم. وما حصل في النتيجة تعديل يخلو من المضمون السياسي، وأيضاً من النظرية الاقتصادية، وبالتالي أقرب إلى صيغة تبديل قفازات. لكنه، وبرأي قدامى الخبراء، صنف من التعديل الوزاري الذي قد يعجل برحيل الحكومة لاحقاً؛ بمعنى أن أجندة وخلفية المناقلات والتعديلات الجديدة توحي ضمنياً بأن مرحلة أخرى تترتب الآن. ومن المرجح أن الرئيس الخصاونة أول وأبرز المطلعين على ذلك وعلى الحيثيات.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى