اراء و مقالات

الإسلاميون في آخر «تجلياتهم»: «غزة… معركة الأردنيين وشأنهم الداخلي»

«المشاركة في الانتخابات لم تقرر بعد»… ومقاربة للشيخ العضايلة

عمان ـ «القدس العربي»: الطريقة التي صاغ بها الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الأردني الشيخ المهندس مراد العضايلة، موقف أكبر أحزاب البلاد من العملية الانتخابية الوشيكة قبل نهاية عام 2024، تثبت مجدداً أن الصيغة التي يقررها الإسلاميون حتى الآن سياسياً عدم منح السلطات قراراً يبدو مريحاً لها بخصوص المشاركة في الانتخابات النيابية من عدمها وسط عملية «تسييس» ملموسة، لأول تصريح علني بخصوص الملف الانتخابي.
عملياً، تصريح الشيخ العضايلة يجعل النهايات مفتوحة الاحتمالات، خصوصاً أن الشيخ العضايلة حرص بصورة ذكية على الربط ما بين الانتخابات والموقف العام الرسمي من مسار الصراع التاريخي في فلسطين. وشدد العضايلة بوضوح على أن الشعب الأردني جزء من المعركة في قطاع غزة.. «هذه المعركة معركتنا وشأن داخلي».
وقال رداً على كثير من التقولات التي تتهم الإسلاميين بعدم الاهتمام بالشأن المحلي، إن معركة طوفان الأقصى شأن أردني محلي، مؤسساً للمفارقة القائلة إن انتهاء هذه المعركة لا سمح الله بانتصار اليمين الإسرائيلي إنما يعني وجود خطر داهم على الشعب الأردني ومؤسساته ودولته، والعكس هو الصحيح. طبعاً، يقول الإسلاميون ذلك بالعادة ويشيرون بين الحين والآخر إلى وطنية المعركة الدائرة في قطاع غزة، وتأثيرها المباشر على كل ما هو سيادي بالنسبة للأردن.

الجديد في كلام الشيخ

لكن الجديد في اللغة التي قررها الشيخ العضايلة أمس الأول هو تأسيس رابط ما غير واضح بين مشاركة الإسلاميين في الانتخابات المقبلة، وبين هذه المعركة، الأمر الذي يفتح المجال أمام ما تفترضه بعض مراكز القوى الرسمية من أن الحركة الإسلامية بصدد الاستثمار انتخابياً في معركة طوفان الأقصى.
في المقابل، ما يبدد ذلك الانطباع وتلك التهمة التي يصفها العضايلة نفسه بأنها بائسة وسقيمة، هو أن التيار الإسلامي لم يقرر أصلاً المشاركة في الانتخابات المقبلة حتى يتهم بأنه يسعى لاستثمارها، لا بل المعادلة التي سمعتها «القدس العربي» مباشرة بحضور نخبة من قيادات التيار والقياديين محمد عقل وبادي رفايعة، هي تلك التي تقول بصراحة إن قواعد الحركة الإسلامية في الأردن مهتمة بمعركة غزة أكثر بكثير من الانتخابات، ولولا «إساءة فهم موقف الحركة» لاعتبرت ملف الانتخابات برمته ليس أولوية الآن.

«المشاركة في الانتخابات لم تقرر بعد»… ومقاربة للشيخ العضايلة

لذا، كل ما أشار له العضايلة هو أن قرار المشاركة بالانتخابات من عدمها لم يتخذ بعد على مستوى المؤسسات الشورية في الحركة الإسلامية، الأمر الذي يبقى قرار المشاركة بدونها رهناً عملياً بما تقرره استفتاءات داخلية لمؤسسات الحركة وأفرعها في السياق الانتخابي. العضايلة يحاول ضمناً وهو يقول «لم يتخذ قرار المشاركة بعد» التأشير على أن المؤسسات لم تقرر بعد، وأن الأولوية ليست للانتخابات، بل للاحتمالات والتداعيات، التي يثيرها من مخاطر على الأردنيين عموماً، شعباً وحكومة، سيناريو انتصار اليمين الإسرائيلي ضد المقاومة الفلسطينية في غزة.
وهي مساحة لا شكوك بأن قطاعاً واسعاً من النخب الأردنية يشارك الإسلاميين فيها، ما يعني أن احتمالات الصراع قد تنتقل لعدوى عبر نهر شرق الأردن، وهو عملياً ما تعرض له مباشرة العضايلة عندما قال إن حسم إسرائيل للمعركة ضد المقاومة في غزة -لا سمح الله- سيؤدي فوراً إلى سياسة التهجير في الضفة الغربية في اتجاه الضفة الشرقية.
أغلب التقدير سياسياً، أن العضايلة هنا حاول طرح مقاربة سياسية تبلغ الرأي العام ومن يصطادون في مياه الإسلام السياسي العكرة بموقف الحركة الأساسي، وهو موقف يعتبر الأولوية الآن للمعركة دون أن يعني ذلك المشاركة وعدمها. وستدرس مسألة الانتخابات بمعزل عن السياقات، لكن قول العضايلة بأن المعركة الآن شأن أردني داخلي هو مفتاح لمشاركة زخمة على هذا الأساس في الانتخابات المقبلة والموصوفة بأنها انتخابات في غاية الأهمية، وهي الأولى التي تجرى بعد تحديث مسار المنظومة السياسية في البلاد.
ومقاربة العضايلة، بهذا المعنى، تحاول التعمق في الإطار السياسي للمشهد الإقليمي وفي الجزء المرتبط به فلسطينياً بالمشهد الأردني، وهي المفارقة التي تعني أو توحي بأن الإسلاميين يعتبرون المعركة في غزة أولوية لهم حتى على الشؤون الداخلية، مثل الانتخابات.

مقاربة العضايلة

وبهذا المعنى، إن شاركت قوائم الحركة الإسلامية في الانتخابات ستشارك على أساس التصدي لأطماع اليمين الإسرائيلي، وإن تقررت المقاطعة، فهذه المقاطعة لها سبب مرتبط بالأولويات الوطنية، خصوصاً أن قواعد الحركة الإسلامية غير متحمسة ولا تهتم بالانتخابات ولا بالشؤون المحلية الآن بقدر اهتمامها بما يحصل في قطاع غزة. في الحالتين، يكسب الإسلاميون بهذه المقاربة الفريدة سياسياً الجولة؛ فإن قاطعوا تفهم الرأي العام والشارع وتحلق حولهم، وهو الاحتمال الأبعد. وإن شاركوا في الانتخابات يقولون بوضوح إن هدف مشاركتهم التصدي لأطماع الإسرائيليين، وهي مساحة يبدو أن حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني الوحيد الذي يلعب بها، ما يعني أن الجماهير ستتنبه وتحيط بهذا الحزب. تلك بكل حال، مناورة حزبية سياسية متمكنة بامتياز.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى