اراء و مقالات

«خليها تمشي شوي»… مخاوف أردنية بعنوان: «وضع مشروع التحديث» في «أنبوب» أيضاً

عمان – «القدس العربي» : بدلاً من الاشتباك والتعاطي مع ظاهرة أحزاب الأنابيب المحلية الأردنية كما يسميها الجميع اليوم، قد تضطر آليات وتقنيات مشروع تحديث المنظومة السياسية في البلاد إلى حالة «تقمص» بدورها تحت ستار «واقع الأمر» اليوم والحاجة الملحة لأي بداية من أي نوع تدخلها هي الأخرى في أنابيب فرعية ناتجة عن تلك الشقيقة الكبرى لها.
تلك طبعاً مجرد فرضية اليوم، لأن منهجية الإسراع في تصنيع بعض التجارب الحزبية ضمن فعاليات الهندسة نفسها وعبر الفك والتركيب ترفع بوضوح وسط المتحمسين لتحديث المنظومة، وهم كثر، من شأن عبارة محلية دارجة بعنوان «خليها تمشي شوي».

قد «تمشي» وقد لا تفعل

وهذا ما حذر منه مبكراً حزبيّ وحراكيّ ناشط جداً وشرس في التعبير عن المبدأ والفكرة أيضاً هو الشيخ سالم الفلاحات، الذي استهدف حزبه مباشرة بعد ولادته حتى وهو يحمل اسم الإنقاذ، فيما يلاحظ بأن قادة حزب جبهة العمل الإسلامي الأعرض والأكبر في البلاد حضروا مؤخراً اجتماعات حراكية الطابع في منزل الوزير السابق والمتصدر في الحراك والمعارضة حالياً أمجد المجالي.
بمعنى أن التيار الإسلامي العريض وإن كان لن يشارك في حراكات الشارع، يبقي نافذتين في التوقيت نفسه، الأولى مفتوحة على الحراكيين والتواصل معهم ولو عن بعد، والثانية مفتوحة على مشروع تحديث المنظومة السياسية.
أمام «القدس العربي» ومعها، أكد الأمين العام لحزب الجبهة الشيخ مراد العضايلة، مراراً وتكراراً، بأن وثيقة وتوصيات تحديث المنظومة السياسية فيها إيجابيات كثيرة من الصعب إنكارها، لكن مسيرتها عرقلت بالتعديلات الدستورية التي حرفت -برأي العضايلة- البوصلة والمسار، وذهبت في اتجاه لا اتفاق أو توافق عليه.
لا بد أردنياً من مغادرة منطقة الجدل والمضي تماماً إلى الأمام، وقد تكون العبارة الأخيرة حصرياً هي التي جعلت وزير التنمية الأسبق موسى المعايطة، أحد مهندسي مشروع تحديث المنظومة السياسية، الخيار الاول للحكومة الحالية في رئاسة الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات.
كان المعايطة قبل أسابيع يتحدث مباشرة لـ«القدس العربي» عن أهمية وضرورة المضي قدماً إلى الأمام في تحديث المنظومة وترك مناطق التردد والهواجس والمخاوف، وعلى أساس ن البقاء في المنطقة القديمة لم يعد خياراً.
وهي القناعة التي دفعت بالرجل أصلاً للإقرار ضمنياً بأنه استنفد العمل الوزاري ويريد بخبرته المتعددة التركيز على تحديث المنظومة من خارج العمل الحكومي، وهو على الأرجح ما توافق مع رؤساء السلطات الثلاث ودفع بالمعايطة في اتجاه رئاسة طاقم الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات، رغم أن بعض المؤسسات الرسمية لم تتحمس للخيار وللرجل. في كل حال، عبارة «لا بد من المضي قدماً إلى الأمام» هي شقيقة عبارة «خلينا نمشي شوي».
العبارة الثانية حمالة أوجه، وبدأت بحكم الواقع الموضوعي تشكل استجابة تكتيكية لما هو موجود، الأمر الذي شكل اختراقاً لا يمكن الاستهانة به لجوهر مسألة تحديث المنظومة، وإن كانت الحكومة على قناعة على الأقل بضرورة تمهيد المكان قدر الإمكان لبداية في اتجاه تقاسم السلطة مع بعض الأحزاب السياسية من أي نوع، فيما عملت سلطات بالتوازي على تسمين وتغذية تجارب حزبية بشكل متسارع قليلاً لا يمكن الاطمئنان معه للفعالية والإنتاجية.
انتقد كثيرون، منهم الشيخ الفلاحات، علناً، ما سمي بأحزاب الأنابيب، ويخشى آخرون من تطور الفكرة في اتجاه تعليب وتغليف أفكار تحديث المنظومة نفسها، وعلى الطاولة اليوم جهود استثنائية من السلطة التنفيذية لبلورة خطة إجرائية توفر الحماية للعمل الحزبي بعد إقرار قانوني الأحزاب والانتخابات، ووضع بعض النقاط على حروف الهيئة المستقلة.

من الذي يهندس الأمور في البلد؟

في المربع والمطبخ السياسي القانوني للحكومة الحالية حماسة تحت عنوان «البداية بالموجود والمتاح» وأفكار ومقترحات لها علاقة بما قاله، علناً، رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، عندما تحدث عن نشر الوعي والتثقيف الحزبي ابتداء من المدارس ثم الجامعات، فيما المخاوف لا يمكن إنكارها في الجامعات وما بعدها إذا ما تطورت سطوة العمل الحزبي وأصبحت عنواناً لمخاوف السلطة والدولة، أو تكريساً لمخاوف نتجت – في رأي السياسي مروان الفاعوري- عن سعي محموم لإعادة تغليف تجارب ناشئة بهدف التحكم والسيطرة وليس بهدف لتشريع والتمهيد لولادة غير طبيعية وخارج الرحم الشرعي الطبيعي للتجارب الحزبية.
سأل القطب البرلماني صالح العرموطي علناً قبل يومين: نريد أن نعرف.. من الذي يهندس الأمور في البلد؟ سؤال بجرعة خطاب سياسي محرج قليلاً، فواحدة من المفارقات تشير إلى أن مهندسي ما سمّاه عضو البرلمان عمر العياصرة بـ»تقاسم بعض السلطة مع بعض الأحزاب» كانوا أصلاً أقرب إلى خليط من حزبيين حاليين وسابقين لا وجود لهم في أعماق المجتمع، ومن بيروقراطيين وسياسيين تمأسس مجدهم المهني على التناقض مع فكرة الحزب، لكن المشروع ولد في النهاية.
صحيح في الجزئية الحزبية والانتخابية قد تكون الولادة خارج الرحم، لكنها «ولادة في كل حال وأفضل من العدم».. هذا ما يقوله المتحمسون لمشروع تحديث المنظومة بعدما أصبح واقعاً موضوعياً تحاول أجزاء مهمة في الإدارة العليا للدولة والسلطة التنفيذية محاكاته أو التماهي معه، فيما تحاول أجزاء أخرى لا يمكن الاستهانة بها تقمصه واختراقه باجتهادات بغرض السيطرة والتأثير.
لكن ذلك هو المتاح اليوم، وفقاً لقناعة نائب رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، والتي سمعتها «القدس العربي» مباشرة عدة مرات.
في منطقة أقرب لكبير مهندسي مشروع تحديث المنظومة سمير الرفاعي، ودون التسليم بما يشاع أو يقال بعنوان تصنيع أحزاب الأنابيب، فالقناعة راسخة بضرورة الاشتباك بإيجابية مع مشروع وطني برؤية ملكية أعمق لا مجال للتراجع عنه، لا بل ينبغي أن يشتبك الجميع معه إيجابياً. وفي كل حال، ثمة تجربة ستتطور وتفرز آلياتها، وبالتأكيد تحتاج إلى وقت ولعدة سنوات إذا ما حسن التنفيذ. فالأحزاب التي ستنشأ وبصرف النظر عن كيفية نشوئها، سينتخب مقاعدها الجديدة في البرلمان ناخبون أردنيون لا يمكن اعتبارهم «وهميين».
في الخلاصة، يتحدث الجميع في النخبة المحلية عن ضرورة البدء وبالموجود من مشاريع الأحزاب الجديدة، لكن مثل هذا الخطاب ناتج عن التفريط عند تركيب مشروع التحديث بفكرة القرارات والإجراءات التي كان ينبغي أن تعلن وبصلابة لكي تقول في جميع الأطراف في الدولة والمجتمع بأن التحول جديّ جداً وأساسي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى