اراء و مقالات

«ديمقراطية» الأردن بين «الرفيق» و«الشيخ»: الكلالدة والغرايبة يرفعان سقف التجاذب في ظل الدولة

«دول طلبت الاستفادة من خبراتنا في إدارة الانتخابات»… تلك العبارة كانت بمثابة رد ناعم وذكي وغير مباشر من قبل رئيس الهيئة المستقلة للإدارة الانتخابات في الأردن على تقرير أثار عاصفة من الجدل صدر عن المركز الوطني لحقوق الإنسان ينتقد ويلاحظ وبغلاظة النسخة الأخيرة من الانتخابات النيابية وعلى الهيئة نفسها. واستغرب الجميع في الساحة موقف الطاقم الذي يديره المركز وهو يهاجم بخشونة نسبية بعض إجراءات الهيئة.
واضح أن رئيس الهيئة الدكتور خالد الكلالدة وقد أصبح منذ سنوات لاعباً متقدماً في المسرح السياسي والتنفيذي «منزعج إلى حد ما». الأوضح أن الكلالدة ضبط النفس وتجنب بعد نحو أسبوع حتى اللحظة الرد على المركز الذي يعتبر ذراع الدولة في ملف حقوق الإنسان ويديره عملياً المفكر الإسلامي المنشق سابقاً عن الإخوان المسلمين الشيخ الدكتور أرحيل الغرايبة فيما يدير الهيئة الوزير السابق الكلالدة وهو يساري معروف وقفز إلى واجهة مربعات القرار وتم استقطابه وله بصمات بعد أجواء الربيع والحراك عام 2011.
يغضب الكلالدة شريحة واسعة من السياسيين والطامحين. واغضب الشيخ الغرايبة الإسلاميين مرات عدة ويتردد أنه سعى للاحتفاظ بموقعه بصفته الأمين العام لحزب زمزم الوسطي حتى عندما اختاره الدكتور عمر الرزاز رئيساً لمجلس أمناء الوطني لحقوق الإنسان. كلاهما – ونقصد الكلالدة والغرايبة – كانا لسنوات في صفوف المعارضة ويشغلان اليوم مؤسستين مهمتين جداً في هيكل الدولة وملف الانتخابات عند التقييم علق بين حسابات الدكتور الشيخ والطبيب الرفيق اليساري. وتلك إحدى ميزات الحالة الأردنية السياسية دوماً. لكن لا يتوقع الجميع أن تعترض بجملة جريئة المؤسسات خصوصاً عندما يديرها معارضون سابقون أو حراكيون على بعضها البعض داخل مسننات الحركة في الدولة.
المركز الذي يترأس طاقمه الشيخ الغرايبة وسط تشكل انطباع شخصي بأنه قد يرحل من موقعه قريبًا ساهم بلغة منتقاة وفي تقرير الانتخابات الأخير بالتشكيك بمصداقية العملية الانتخابية في جملة سياسية قد لا تقف عند حدود الإجراء ولا منظومة النزاهة ولا ملاحظات التقييم بل قد تتعدى في اتجاه ما هو أبعد وأعمق وقريباً جداً مادام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قرر أن يتحدث فوراً وبسرعة عن ملف الحريات في الأردن.
الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات بدورها يديرها مجلس مفوضين يترأسه الرفيق الدكتور الكلالدة الذي ينجز مع طاقمه بجهد كبير وعميق وكثيف وهو يعمل أيضاً تحت الانطباع بأن الكثير من الخصوم أو الطامحين بالموقع يتربصون بالهيئة ويضخمون في بعض أخطائها البسيطة ويخططون للجلوس على مقعد الكلالدة نفسه وبين هؤلاء بصورة مرجحة وزراء سابقون وقد يكون بعضهم حاليين. وأغلب التقدير أن ملف تقييم الانتخابات علق في تلك المساحة الضيقة بين حسابات معارضين سابقاً لديهما من الإشكالات ما يفيض عن الحاجة قررا الاشتباك. وكلاهما يعمل ويشتغل باسم الدولة وإن كان الاشتباك الاخير قد يقصي الرجلين عن موقعيهما بالنتيجة عندما يتطور خطاب الإصلاح السياسي لما تصل له الأمور في الأردن نخبوياً بالعادة حيث سنة التغيير والاستعانة بوجوه جديدة.
وحيث أدوار مفترضة للمؤسستين وللرجلين في هندسة قانون انتخاب جديد إذا تقرر لاحقاً سقوط ورقة القانون الحالي على أساس أن الحوار سيتدشن قريباً بصورة فعالة لمراجعة كلف تشريعات الإصلاح كما فهمت «القدس العربي» من نقاشات وزير التنمية السياسية موسى المعايطة. وقال الغرايبة علناً شيئاً عن «حق المواطن الأردني الدستوري في انتخابات حرة».. كانت تلك عبارة قاسية تؤشر إلى قناعة مطبخ الوطني لحقوق الإنسان وطاقمه بأن الانتخابات الأخيرة على الأقل لا تعكس الإرادة الحرة للأردنيين. طبعاً هذا خطاب يزعج بشدة الهيئة المستقلة ويضرب بعض الأوتار الحساسة خصوصاً أن تقرير المركز غمز من جانب الإشراف الإجرائي في 3 ملاحظات على الأقل تخص الهيئة. لكن الهيئة احتفظت بهدوئها وتدرس إصدار مذكرة الموقف لتعلق وتشرح وبعد دراسة مجمل تفصيلات تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان فالهيئة ستقول رأيها وهذا ما فهمته «القدس العربي» من الناطق الإعلامي باسمها والناشط والكاتب المعروف جهاد المومني. ولوحظ هنا أن الدكتور الكلالدة حتى وإن غضب وانزعج تجنب الرد المباشر وتصرف بصبر فلا مصلحة لأحد في البلاد بالتشكيك بإجراءات هيئة قامت بجهد استثنائي وأجرت انتخابات في ظل الجائحة.
وإن كانت العبارة المتعلقة بالدول التي حاولت الاستعانة بالهيئة بمثابة رد غير مباشر وغمز في المقابل على أساس لماح مع أن الدول المرشحة والمرجحة هي بالتأكيد تلك الدول الأقل ديمقراطية أو التي لا توجد فيها انتخابات أصلاً وتسعى للاستعداد لنسخة من انتخابات ما تسكت لاحقاً أفواه الإدارة الأمريكية الجديدة إذا تحدثت يوماً بالانتخابات أو الديمقراطية.
الأهم من تعليق ملف الانتخابات الأخيرة ما بين تلميحات أو حتى خلافات تكرست أو انعكست بين هيئة مستقلة ومركز وطني يقودهما رفيق يساري ومفكر إسلامي يفترض أن يعملا مع الدولة نفسها هو أن النقاش داخل أجهزة ومؤسسات وأذرع الدولة الأردنية يمس بالتأكيد بمنسوب شرعية الانتخابات المثيرة الصاخبة التي أجريت تحت مظلة كورونا.
المهم في المقابل أن مثل هذا الحوار الصاخب الخشن بين بعض حرس الدولة من أصحاب النكهات اليسارية أو الإسلامية تزامن بصورة واضحة مع مبادرة ملكية أربكت النخب باسم مراجعة تشريعات الإصلاح السياسي. وباختصار مثل هذا المشهد لا يحصل في الحالة المحلية الأردنية بلا سبب. وبالتأكيد لا يحصل مجاناً سياسياً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى