اراء و مقالات

هل عبثت «الصدمة» بأوراق «الإصلاح السياسي» في الأردن؟… احتواء «التشنجات» أولوية

عمان – «القدس العربي»: الجميع في الأردن يتحدث هذه الأيام عن تغييرات كبيرة وإطلاق عملية إصلاحية واسعة النطاق على أساس احتواء التشنجات والتجاذبات في عمق المجتمع بعد طي عناصر الإثارة في ملف الفتنة والمؤامرة عبر استقراره بين يدي سلطات القضاء.
وتختلف الأوساط السياسية والبرلمانية في تعريف طبيعة الخطوة الإصلاحية المقبلة بالرغم من عدم وجود مؤشرات أو قرائن قوية تحدد ما إذا كانت الجرعة الإصلاحية بحجم الإشكالات أو خارج التوقعات، مع أن الحكومة والبرلمان انشغلا قبل أحداث الفتنة بترتيب أوراق حوار من نوع ما له علاقة بأمر ملكي مباشر تحت عنوان تشريعات الإصلاح السياسي.
مبكراً، كان رئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات، قد جدد التأكيد أمام «القدس العربي» بأن مجلس النواب بصدد تفعيل وتنشيط إقامة حوارات معمقة مع جميع القوى والأطياف والمجتمع المدني، تحت عنوان ترسيم التعديلات التي يمكن تحديدها على نصوص التشريعات المرتبطة بالتنمية السياسية.
على جبهة الحكومة، أظهر وزير التنمية السياسية وشؤون البرلمان موسى المعايطة، جملة مرنة جداً في التعاون مع حوارات وطنية الطابع، ملمحاً إلى مبادرات حوارية ستطلقها الحكومة أيضاً قريباً.
حتى اللحظة، اللغة التي تستعمل عند النواب والحكومة هي تلك المرتبطة بأجندة شهر شباط الماضي، حيث حوارات ينبغي أن تحصل لإعادة صياغة قانون انتخاب جديد ولمراجعة نصوص القوانين التي تنظم العمل الحزبي، ثم لإعادة النظر بمشروع خريطة اللامركزية الإدارية.
طبعاً، قفزت إلى الواجهة دعوات الحوار المبكرة هذه بعد انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي المثيرة لكل أصناف الهندسة الانتخابية، حيث قدم المركز الوطني لحقوق الإنسان نعياً مبكرًا لتلك الانتخابات مع الطعن بشرعيتها مسبقاً في تقرير مثير جداً. كل ذلك قفز إلى الواجهة قبل الأحداث الدراماتيكية التي أعقبت في السابع من آذار/مارس الماضي حادثة مستشفى السلط الشهيرة، حيث نقص الأوكسجين الطبي ووفاة 7 مواطنين. وتلك توصيات في مجال الإصلاح التشريعي سبقت أيضاً مشهد الفتنة والمؤامرة، الذي بدأ بالتراكم والتدحرج ليصبح قضية رأي عام في الثالث من شهر نيسان.
بالنسبة لنائب رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، ووفقاً لما فهمته «القدس العربي» مباشرة، فالأحداث الأخيرة المرتبطة بالفتنة ووجهات النظر والتجاذبات بعدها تحت قبة البرلمان أو خارجها هي في الواقع محطة للتوقف والتأمل، وعبارة عن دعوة لإعادة مراجعة الذات وتنشيط حوارات بأبعاد وطنية من واجب النواب دعمها قبل غيرهم بدلاً من البقاء في مستوى النقاش والتجاذب.
ما يقترحه الصفدي وغيره العودة إلى المربعات الأولى، بمعنى التحاور الفعال وعلى قاعدة حسن النوايا والبقاء تحت مستوى الثوابت التي تحمي الجميع. والمهم في المسألة أن الساحة مزدحمة أو كانت كذلك بالمبادرات ودعوات الإصلاح الشامل أو السياسي بحد ذاته، قبل إحداث الفتنة والثالث من نيسان.
لكنها أصبحت الآن، في ظل الأسئلة الحائرة التي تدور في أذهان جميع المواطنين، أكثر من مجرد دعوات، بل ضرورات واقعية لها وظائف أساسية لا تنفع معها الجملة التكتيكية أو إدارة العروض الحوارية بطريقة استعراضية فقط خالية من المضمون، كما كان يحصل في الماضي.
ثمة من يعتقد هنا بأن التفاصيل المعلنة في قضية الفتنة شكلت صدمة حقيقية للجميع في الدولة والشارع، وأن الأردن قبل الفتنة في المشهد الداخلي ينبغي أن يكون مختلفاً بعدها، الأمر الذي شهد نقاشاً حاداً تحت عنوان مغادرة المبادرات اللفظية والانتقال إلى مستوى الاشتباك الحقيقي مع الاحتياجات الإصلاحية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، أو حتى اجتماعية وصحية، على حد تعبير سياسي كبير من وزن الدكتور ممدوح العبادي.
يبدو هنا أن ملف الفتنة إياها كان له بصمة كبيرة في التأثير في بنية دعوات الإصلاح السياسي وفي خلخلة بعض الاعتبارات. بمعنى توقف الدعوات للحوار، والانتقال سريعاً جداً إلى حراكات إصلاحية منهجية أعمق بكثير من تعديلات على تشريعات أو التحدث عن قانون انتخاب جديد فقط لصالح اقتراحات من جهات معتدلة بتغيير النهج جذرياً في إدارة الدولة العليا، وإحداث تغييرات بنيوية ترقى إلى مستوى التحديات الآن، لا بل الدعوة، في بعض الطروحات، إلى تشكيل حكومات إنقاذ وطني وتفويض الشعب جزءاً من الصلاحيات الكبيرة والقرارات، وفي بعض الأحيان العودة لمربع الميثاق الوطني والعقد الاجتماعي، لا بل المؤتمرات الوطنية أيضاً.
واضح تماماً هنا أن تطور لهجة المطالبة بالإصلاح عملية تتدحرج أيضاً، والأوضح أن الفتنة الأخيرة بما تلامسه من مفاصل حساسة أقرب إلى جرس إنذار كبير يلفت النظر إلى أن فاتورة التنازلات المطلوبة الآن إصلاحياً قد زادت وأصبحت أكبر من أي وقت مضى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى