اراء و مقالات

الأردن وحصة «الديمقراطية»: ماذا نكتب على السبورة؟

التثقيف الديمقراطي يبدأ من المدرسة لا بل من الحضانة أيضا لأن البداية من هنا تحديدا هي مقياس الجدية والإرادة السياسية في التحول بالمجتمع

يصر الفاضل رئيس مجلس الأعيان الأردني فيصل الفايز على أن التثقيف الحزبي والديمقراطي ينبغي أن يبدأ مع الصفوف الأولى في المرحلة الإبتدائية للمدارس. ولا تعارض اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في مقايسات رموزها وقادتها مثل هذه القناعة قط.
طبعا لا يمكن معارضة منطق جاد وعميق يفترض بأن التثقيف الديمقراطي يبدأ من المدرسة لا بل من الحضانة أيضا لأن البداية من هنا تحديدا هي مقياس الجدية والإرادة السياسية في التحول بالمجتمع بدلا من الاسترسال في ملاعبة نحو خمسة آلاف أردني لا أكثر يزاولون المهنة في الحراك باسم الشارع أو التحريك باسم الدولة.
تلك مسألة نتفق فيها بالتأكيد مع الرئيس الفايز.
وأحسب شخصيا أن من اجتمعوا لأربعة أشهر لتخطيط مستقبل التعددية الحزبية في الأردن، يفهمون تلقائيا لا بل يدركون تماما بأن الحكاية إذا لم تبدأ مع أطفال المدارس، قد لا تبدأ أصلا لأن المنطق يقول بأن الدولة ومراكز القرار عندما تخطط للمستقبل، تفعل ذلك وفي ذهنها الشعب والناس، وليس إرضاء شرائح هنا أو هناك، سواء من تلك التي تحترف الولاء بشقيه المسموم والمحمود، أو تلك التي تمتهن الحراك والمعارضة تحت عنوان الإبتزاز أو تصفية حسابات شخصية.
أي عملية ديمقراطية ينبغي فعلا وحقا أن تبدأ من المدرسة. يعني ذلك وقبل أي خطوة أخرى تحت عنوان تغليف الهواء أو طحن الفراغ تحويل وزارة التربية والتعليم نفسها إلى كيان ديمقراطي، وهي مهمة صعبة يتخذ القوم وضعية الغفلة أو التغافل لأن أحدا لم يتحدث عنها.
تحديث المنظومتين الاقتصادية والسياسية لا يعني فقط تخصيص حصة لمدة 40 دقيقة في مدارس القطاعين العام والخاص تحت عنوان تثقيف الأجيال بأهمية العمل الحزبي وأستطيع أن أؤكد للجميع مسبقا بأن هذه «الحصة» إذا لم يستدرك علية القوم ستصبح مثل حصة النشاط، وأقرب لهدر 40 دقيقة فقط بدون معنى سينشغل فيها التلاميذ بالضحك والسخرية.

التثقيف الديمقراطي يبدأ من المدرسة لا بل من الحضانة أيضا لأن البداية من هنا تحديدا هي مقياس الجدية والإرادة السياسية في التحول بالمجتمع

حتى هدف صغير مثل تخصيص حصة مدرسية مرتين في الأسبوع لأغراض خدمة التشاركية والديمقراطية لن يتحقق إطلاقا إذا لم تتحول وزارة التربية والتعليم نفسها إلى ماكينة ديمقراطية، وإذا لم يكن على رأسها وزير من القوم الذين لا يؤمنون بالديمقراطية لفظيا وفجأة ولمسايرة مسرحية جديدة، بل وزير قضى بعض عمره وهو يدفع ثمن يقينه وإيمانه بالديمقراطية والإصلاح.
بالتالي نبدأ من عند الوزير ثم الأمين العام وكبار قادة وزارة التربية والتعليم لأن المطلوب ليس فقط وقتا نمضيه في تسالي العمل الحزبي مع طلاب صغار يتم تلقينهم فقط بل المطلوب أكثر من ذلك بكثير. أقلها وجود معلم صالح أولا وثانيا يؤمن بدوره بالديمقراطية وبتحديث المنظومة السياسية حتى لا يتعامل مع تلك الحصة الصفية باعتبارها استراحة فقط أو حتى لا يستخدم مسؤول المدرسة الإداري تلك الحصة لتنظيف ساحة المدرسة من القمامة، أو لتوزيع الطلاب على دوريات صيانة ونظافة، فدهاقنة التربية والتعليم مثلا يعلمون يقينا بأن حصة الرياضة والنشاط اللامنهجي لا تمارس فيها أي رياضة.
واللامنهجية في ذهن المدارس تقتصر في غالبية الأحيان على التقاط أوراق شجر المدرسة أو القيام بطهي وجبة معكرونة بائسة في مطبخ النشاط المنزلي من الصنف الذي يلهي الطلاب فقط دون توفر شروط الوجبة الصحية.
على كل حال التفكير بحصة مدرسية يتطلب من وزارة التربية ولاحقا الحكومة إذا كنا جادين في تحديث المنظومة الإيمان بضرورة وجود معلم ديمقراطي يفيد فيما يقدمه الوطن والمواطن.
لو كنت معلما، وهي مهنة تشرف الجميع، لقهقهت من الضحك، وأنا أسمع نخبة من الكبار يتحدثون عن حصص مدارس في تربية لسياسة ديمقراطية، فيما شجت رؤوس معلمين قبل أشهر من أصحاب أنبل وأقدس مهنة تحت عنوان منع نشطاء نقابة المعلمين من التظاهر السلمي.
لو كنت مكان أي سياسي يتحدث عن تثقيف حزبي في الصفوف الأساسية لشعرت بخجل شديد لأن نقابة المعلمين أغلقت مكاتبها للتو، ولأن بعض المعلمين لوحقوا وطوردوا في أرزاقهم، وبعضهم خرج من مولد التربية والتعليم بلا أي حمص لأنه حرم انتقاما من راتبه أو تقاعده أو مزاولة مهنته بسبب نشاط سياسي أو نقابي.
لو كنت معنيا وبضمير، وهي معادلة صعبة قليلا، لما تحدثت عن تحديث المنظومة السياسية أصلا فيما اُعتقل معلمون وتمت شيطنة نقابتهم، ولا تزال دوائر القرار حتى وهي تمارس التصفيق لمشروع تحديث المنظومة لا تملك جرأة القرار بأن المعلم ظلم ولم ينصف، وبأن ما حصل معه من تأزيم وتصعيد لم يكن مبررا، وبأن مشهد قوى الأمن وهي تغلق مكاتب النقابة بالشمع الأحمر يحتاج وحده فقط لعشر سنوات بمعدل حصة لـ 40 دقيقة يوميا تتضمن اصطفاف كبار الموظفين وصغارهم على أبواب صفوف الخامس إبتدائي للإعتذار للمعلم أولا حتى يعلم أنبل الناس ماذا سيكتبون على السبورة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى