اراء و مقالات

عمان: بعد حادثة «النائب الأسير»… عطب جديد في «منظومة الاتصالات»

عمان – «القدس العربي»: لا شكوك سياسياً بعد اليوم بأن قضية عضو البرلمان الأردني الأسير في إسرائيل، عماد العدوان، دخلت في منحنيات حرجة جداً ومتعرجات من الصعب أن تستقر بسببها بعدها الاتصالات أو منظومة الاتصالات الأردنية الإسرائيلية وإن كانت نشطة.
لكن ضمن سياقات فيها استعصاء سياسي بين الجانبين، الأمر الذي يدخل العلاقات في أزمة جديدة محرجة للغاية بعد سلسلة أزمات، بدأت بأن أقفل وزير الخارجية الأردني بسبب ما يجري من انتهاكات في المسجد الأقصى سماعة هاتفه عن المسؤولين الإسرائيليين ورفض استقبال هواتفهم، فيما انتهت بعد حادثة العدوان بأن فعلت بعض السلطات الإسرائيلية ذلك بالمقابل.
ذلك في مواجهة محاولة أردنية حثيثة لا تزال تتميز بالصبر الشديد والحكمة وإدارة خبيرة لاستعادة النائب عماد العدوان بالحد الأدنى من الخسائر، لأن ما أعلنت عنه إسرائيل بالخصوص لا ينطوي سياسياً على مكاسب للدولة الأردنية، بل يحرجها.
كلمة “استعادة” النائب لها مدلول برلماني وسياسي وقانوني أيضاً، وقد استعملها عضو البرلمان عمر العياصرة وهو يتحدث عن عمل دؤوب وصامت وهادئ خلف الكواليس لاستعادة زميله النائب. والاستعادة هنا لا تتعلق فقط بإفراج السلطات الإسرائيلية عن النائب الذب تحتجزه، لأن تدوير زوايا مفردة “استعادة”، قد يؤدي إلى بناء سيناريو يتردد أن إسرائيل تشترطه.
وهو إجراء محاكمة للنائب العدوان في بلاده بعد تجمريده من الحصانة البرلمانية في الوقت الذي بدأت فيه حراكات أقاربه وأبناء عشيرته باجتماع خاص وحاشد، لكنه هادئ، عنوانه مناشدة جلالة الملك عبد الله الثاني التدخل. وإن كان رمزياً، الاجتماع أقيم في منزل النائب العدوان للدلالة على أن أبناء قبيلته يتعاملون مع المسألة من زاوية الحرص على مصلحة النائب الأسير.
قد لا تكون العودة دون كلفة خيار أو سيناريو مطروحة الآن، فوفقاً للمحامي الفلسطيني الذي مثل العدوان أمام سلطات التحقيق وجلسة التحقق الأولى في محاكم الكيان الإسرائيلي، لا توجد اتهامات واضحة حتى الآن. دون ذلك، تستمر الحكومة الأردنية في الصمت الشديد ولا تفصيلات إلا بناء على سيناريوهات وتسريبات هنا وهناك قد لا تتميز بالدقة والحرفية والمهنية المطلوبة. لكن، في كل حال، تبني مسألة النائب العدوان بعد إعلان السلطات الإسرائيلية ضبط كميات من الذهب والسلاح الفردي في سيارته أثناء عبوره جسر اللنبي، الإعدادات عموماً أمام مشهد يضيف أزمة إلى أخرى، فيما العلاقات الأردنية الإسرائيلية هي في أسوأ أحوالها أساساً بعد آخر انتهاكات لقوات الاحتلال الإسرائيلي في مصلى باب الرحمة جرحت أو حاولت مجدداً خدش مفهوم ومنطوق الوصاية الأردنية.
وهو ما تحدث عنه بيان رسمي لحزب جبهة العمل الإسلامي المعارض، أكبر أحزاب المعارضة، جدد فيه التحذير من أن المساس بمصلى باب الرحمة حصراً يعني الكشف عن نوايا حكومة اليمين الإسرائيلي في تنميط وتأطير وفرض وقائع جديدة على الأرض بتوقيع اتفاقية التقاسم الزماني والمكاني.
الأردن يقف بثقله خلف رفض التقاسم الزماني والمكاني، لكن سواء حصل ذلك بتخطيط أو بدونه وسواء بنيت مؤشرات على مكيدة ما حادثة النائب العدوان، فذلك يضعف تماماً هوامش المناورة الأردنية، ويضعف الوصاية وإمكانيات ومساحات التأثير عند العدو الإسرائيلي.
وهي مسألة يعرفها كبار المسؤولين اليوم، لكن لا يتذمرون منها حرصاً على سلامة عملية استعادة العدوان كما توصف، وحرصاً على مراعاة حساسيات الشارع الأردني الذي يعتبر التمكن من استعادة النائب بصرف النظر عما سيحصل معه، إن عاد أو تم تسليمه إلى عمان، مسألة تدل على القدرات في مواجهة الكيان الإسرائيلي الجار الذي يرتبط معه الأردن باتفاقية سلام شبه معطلة. وبكل حال، الاستعادة تعني توفر إمكانية لإجراء تحقيق حتمي في عمان مع العدوان إذا ما تم تسليمه، وهي عملية تعني الغرق في المزيد من التعقيدات. لكن الدولة الأردنية في السيناريو الرسمي قد تضطر لها لتأمين إبعاد عضو البرلمان عن القضبان أو البقاء خلف القضبان الإسرائيلية.
لذا، الاستدارة الوحيدة المتاحة فيما يبدو بعد تعنت حكومة نتنياهو في مسألة النائب الأردني المختطف، على حد تعبير الإسلاميين، هي التأسيس لحالة تضغط سياسياً على الأردن وتضيق هوامش الخيارات أمامه، مع أن الحكومة الأردنية سبق أن أسلفت وجازفت بالمشاعر العامة لجمهور الشعب الأردني عندما قامت التزاماً بنصوص القوانين والأعراف الدولية بتسليم موظف دبلوماسي في سفارة الكيان بعمان قتل بدم بارد في حادثة عرفت باسم حادثة السفارة والرابية، وهي إحدى ضواحي عمان العاصمة.
هوامش الخيارات تبدو معقدة ومشتبكاً بعضها مع البعض، لكن الاستدارات اليوم لها كلف، وثمة سياسيون كبار يعبرون عن خشيتهم من أن تكون حادثة النائب العدوان بصرف النظر عن خلفياتها ودوافعها ونتائجها، قد سجلت لصالح الإسرائيليين هدفاً ضد المنظومة الحدودية والأمنية الأردنية، بمعنى إضعاف هوامش المناورة حقاً أمام اللاعب الأردني في إطار خطة أو مشروع خطة قد تكون خبيثة، عنوانها إنتاج وقائع متشابكة ومعقدة تنتهي بإخراج الوصاية في القدس عن مسارها والعودة إلى ما كان يريده نتنياهو منذ 20 عاماً بعنوان التقاسم الزماني والمكاني.
وهو سيناريو أغلب التقدير أن الأردن لن يقبل به مهما كانت الكلفة، لكن أزمة النائب العدوان أدخلت العلاقات الأردنية الإسرائيلية ومعها الاتصالات بين الجانبين عميقها وما هو سطحي فيها، في حالة اصطدام مع الحائط، علماً بأن العلاقات السياسية كانت مصطدمة أصلاً في الحائط نفسه.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى