اراء و مقالات

نقابة المعلمين الأردنيين: حكاية قديمة في الاستعصاء والجميع «فوق الشجرة»

عمان – «القدس العربي»: لا يجد ملف نقابة المعلمين الأردنيين على الرغم من إعلان النوايا الحسنة من جهة حكومة الدكتور بشر الخصاونة، من ينزله ميدانياً على الأرض ويعالجه سياسياً، بمعنى وقف حالة الصداع الوطني التي تنتج أسبوعياً عن هذا الملف العالق دون معروفة الأسباب ولا الخلفيات التي تحرص على بقاء جرح نقابة المعلمين نازفاً بصورة غامضة وغريبة.
مجدداً، بعد ظهر الثلاثاء، تم إيقاف مجموعة من نشطاء الحراك التعليمي وعلى رأسهم نائب نقيب المعلمين ناصر النواصرة ومقربون منه. ومجدداً، تم استخدام فلسفة التوقيف أو الاعتقال الاحترازي لأسباب أمنية، فمنابر نشطاء المعلمين الذين يعزفون على وتر الحنين لنقابتهم كانوا للتو يعلنون عن اعتصام جديد.
وقرار السلطات واضح في مسألة اعتصامات شهر رمضان تحديداً، فهي متدحرجة وقابلة لخلط الأوراق والوصفة الأفضل تجنبها في كل الأحوال سواء كانت سياسية الطابع أو خدماتية العنوان أو حتى مرتبطة بنشطاء تلك النقابة.
لم تفسر السلطات الأردنية أسباب توقيف النواصرة ورفاقه مجدداً. لكن ما يسمى بلغة البيروقراط الأمني، فإن التوقيف الاحترازي يستمر بالعادة لساعات أو لأيام قليلة بهدف وقائي هو منع تنظيم اعتصامات غير مرخصة، لكن التوقيف الجديد أعاد تسليط الأضواء على حكاية قديمة لا أحد يعلم بعد ما هي الأسباب التي تحول دون وضع حل نهائي وجذري لها.

تصوران رسميان

بالقرب من وزير التربية والتعليم الحالي الدكتور عزمي المحافظة، ثم بالقرب من رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، سيناريو حكومي يقتضي التهدئة مع المعلمين ونوايا طيبة سمعتها “القدس العربي” مباشرة بأن يتم تهيئة المناخ لإجراء انتخابات جديدة، والحفاظ على نقابة المعلمين بصفتها مكسباً مؤسسياً ودستورياً وحل الإشكالات، لكن مبادرة الحكومة في الاتجاه تصطدم بخيارات الأمن الوقائي على الأرجح، فيما يعلق ملف نقابة المعلمين ما بين تصورين رسميين:
الأول يريد حل الإشكال وإعادة البرمجة وعودة النقابة كممثل لقطاع واسع وضخم ودون أجندات سياسية لا محسوبة على الإسلاميين ولا على الحراك الشعبي.
والتصور الثاني أمني بامتياز على الأرجح، ويعمل في اتجاه استمرار الضغط حتى لا تتكرر مشكلة النقابة التي حصلت قبل عدة سنوات، بمعنى الاحتياط وقائياً من عودة أي حالة بعنوان ليّ ذراع الدولة والحكومة داخل القطاع العام، لأن حساسية نقابة المعلمين هي أنها تختلف عن بقية النقابات المهنية، وجمهورها أكثر من 100 ألف معلم أغلبيتهم يعملون في قطاع التعليم العام.
باختصار، وفي الخلاصة، تريد الحكومة معالجة تربوية سياسية تنهي الإثارة والصدام ولا تسمح بأي ملامح إضراب للمعلمين. ووجهة النظر الرسمية الثانية تعتمد التقنية الوقائية، ولا تريد العبور بتسوية سياسية الطابع على أساس مجازفة أمنية بتحريك الأمور مجدداً داخل القطاع العام.
بين هذه وتلك تتوه التفاصيل، فيما مقرات النقابة لا تزال مغلقة وبقرارات قضائية، وهيئتها الإدارية التي قادت الإضراب المشهور قبل سنوات لم تعد شرعية بالمعنى القانوني، ولا يوجد بين نشطاء الحراك التعليمي الباحثين عن حل ومعالجة إلا إعلان الوجع والألم واللجوء لاعتصامات هنا أو هناك بين الحين والآخر تحت عنوان استعادة النقابة وفتح مقراتها وإجراء انتخابات جديدة وإجبار وزير التربية على التراجع عن قرارات فصل يرى النشطاء أنها تعسفية.
لا يعلن الوزير الدكتور عزمي المحافظة، خطته التي بقيت في أروقة مجلس الوزراء. وتتجنب الحكومة الصدام مع بقية المؤسسات، ولديها رغبة في إغلاق صفحة وفتح أخرى.
لكن قيود التعقيدات تكبل يد الحكومة، وسمعت “القدس العربي” من الخصاونة سابقاً ما يشير إلى قناعته بأن نقابة المعلمين منجز وطني يستحق البقاء والعودة، كما سمعت من النواصرة نفسه مرتين على الأقل التزاماً، مباشرة، بأن لا يترشح لا هو ولا الذين تعترض عليهم السلطات في انتخابات النقابة المقبلة، مقابل إجراء تلك الانتخابات وفتح مقرات النقابة المغلقة وإنصاف المعلمين الذين أحيلوا إلى التقاعد.

توقيفات واعتقالات

بين الاعتبارات الثلاثة تعود التوقيفات والاعتقالات والحراكات هنا أو هناك، ويبقى الوجع والصداع في المكان، وتستنزف نقابة مغلقة لأعرض قطاع مهني في البلاد المبادئ والقيم في مجال الحريات بطريقة بشعة، كما يرى الحقوقي والمحامي البارز عاصم العمري.
ويرجح العمري أن بقاء ملف النقابة عالقاً على هذا النحو يسيء إلى سمعة البلاد والعباد.
لكن الحوار حول الصداع الذي أصبح مزمناً يتنقل إلى مساحة قريبة من حوار الطرشان، فلا الحكومة قادرة على تمرير خطة من أي صنف تحيي الآمال بولادة النقابة مجدداً، ولا النشطاء الذين يعتبرون أنفسهم مسؤولين أخلاقياً وشعبياً عن تمثيل عشرات الآلاف من المعلمين بقادرين على الخضوع والامتثال أو تجاهل الأمر.
وبالمقابل، لا يبدو أن المقاربة الرسمية موحدة، ولا يبدو أن المقاربة النقابية أيضاً فيها وجهة نظر متفق عليها تعرض على الجميع. وما بين هذه وتلك يطل النزف نفسه مرة أخرى إما عبر توقيفات أو عبر صيغ تجاذبية في حوارات غير منتجة تبقي جميع الأطراف فوق الشجرة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى