اراء و مقالات

«جسور ومعابر» الأردن: حكومة تحتفظ بـ«روايتها»… وزراء «يتلاومون»… صمت «غير مفهوم» بعد «كمين رامون»

عمان – «القدس العربي» : تحتفظ الحكومة الأردنية لنفسها بتفاصيل بناء موقفها الحقيقي، سواء السياسي أو البيروقراطي، بخصوص الجدل أو عاصفة الجدل التي أثيرت مؤخراً تحت عنوان اختطاف مطار رامون الإسرائيلي للركاب الفلسطينيين، تحديداً من أبناء الضفة الغربية.
لكن هذا الاحتفاظ قد لا يستمر طويلاً إزاء تعقيدات الموقف وحجم الإثارة والجدل والتكهنات والتوقعات في عمق الرأي العام الأردني، خصوصاً بعد دخول شخصيات برلمانية كبيرة على خط الاشتباك في هذا الموضوع الحساس الذي يرتبط بالحكومة الأردنية وبإسرائيل وبالسلطة الوطنية الفلسطينية.
ولأن تعقيدات مسألة مطار رامون سياسية وأمنية ولوجستية ولها علاقة بسلسلة من التطورات الإقليمية، يبدو أن الحكومة الأردنية تصر على الصمت وعدم إظهار أي موقف رسمي وعلني تجاه هذه المسألة، مع أنها تمس -حسب القطب البرلماني خليل عطية- بجوهر وعمق ملف الجسور والمعابر، ثم العلاقة التاريخية بين الأردن والشعب الفلسطيني، مما يجعل هذا الملف -برأي عطية- أن يحظى بالصدارة والأولوية باعتباره من ملفات الأمن القومي.
لكن الحكومة بطبيعة الحال، ترى في الجدل مبالغة وتطرفاً، وتزيد في بعض التفاصيل، ولا تتخذ موقفاً علنياً على الأقل من الطراز الذي يوحي بأنها تعتبر فعلاً وحقاً مسألة مطار رامون ذات علاقة بالأمن القومي الأردني، فالوزراء المعنيون سواء بمسألة المطار أو بمسألة المعابر والجسور، يصمتون، والناطق الرسمي الإعلامي باسم الحكومة لم يصدر عنه أي تعليق، مع أن مستوى الصخب والجدل وصل إلى منسوب متقدم جداً، والحكومة لم يصدر عنها أي بيان باستثناء توضيح مقتضب في الماضي لسلطة الطيران المدني، لا يشرح شيئاً ولا يعلق على مسار الأحداث، فيما لا تزال الصحافة الإسرائيلية مشغولة بنشر القصص والحكايات والتسريبات التي توحي بأن ملف مطار رامون وما حصل مع استقطابه واستدراجه للركاب الفلسطيينيين يؤشر على تراجع مستوى العلاقات الأردنية الإسرائيلية .
الأهم فيما يبدو، أن بعض الوزراء المعنيين بالملف يتلاومون أو يحاولون التنصل من مسؤوليتهم تجاه هذا الموضوع، في الوقت الذي رفعت فيه شهادة أدلى بها عبر نشرها ضابط أمني رفيع ومتقاعد من مستوى النقاش، عندما كشف العميد المتقاعد زهدي جان بيك، وهو مسؤول سابق لجهاز الأمن الوقائي الأردني، في مقال انتشر كالنار في الهشيم، بأنه سبق أن أبلغ وزير الخارجية عام 2013 عن مخاطر الصمت تجاه إنشاء حفريات إسرائيلية لإقامة مطار «تمناع» آنذاك، مشيراً إلى أن الوزير في ذلك الوقت أبلغه بأن الحكومة اعترضت، فيما كان رئيس لجنة الطرق ونظيره في الجانب الإسرائيلي ينفي وجود أي اعتراض مكتوب أو موثق.
في كل حال، العميد المتقاعد أشار إلى عملية تفريط بوضوح بالموقع التفاوضي لسلطات بلاده في مواجهة الواقع الذي فرضه اليوم مطار رامون، فهو لم يعد فقط مطاراً بخاصرة الحدود الأردنية مع العقبة وبعض مناطق الأغوار، ولم يعد فقط مطاراً تعترض عليه سلطة الطيران المدني الأردنية، بل أصبح هو المطار الذي تسبب بخسائر أو سيتسبب بخسائر مادية واقتصادية لقطاع مطار عمان الدولي وللمكاتب والشركات السياحية، بمعنى أنه في طريقه لاختطاف المسافرين الفلسطينيين، خصوصاً من أبناء الضفة الغربية، وتأمين رحلات مبرمجة وبسعر أرخص لهم، علماً بأن العميد جان بيك قال علناً إن تكلفة السفر عبر مطار عمان ثلاثة أضعاف تكلفتها عبر محطة رامون الإسرائيلية.
هذا النمط من الجدل بدأ يثير شهية المعنيين بقطاع المكاتب السياحية وبقطاع المرافق المتعلقة بمنشآت السفر والسياحة، حيث تصريحات علنية تتحدث عن خسائر هذه القطاعات الاقتصادية، وأيضاً هنا دون تعليق رسمي من جهة الحكومة مما يؤشر على أن الحكومة تحاول ابتلاع أو حتى تفكيك ألغاز ما حصل من استدراج للمسافرين الفلسطينيين عبر مطار رامون الإسرائيلي، وما يعنيه ذلك من دلالات عميقة في التأثير على جزئية العبور والجسور والمعابر الأردنية، وهي جزئية ليست سهلة ولا يمكن التغاضي عنها، وتعتبر في صلب الأمن الوطني الأردني.
تلاوم الوزراء فيما بينهم، في كل حال، لم يشكل خطوة إلى الأمام، ولبقاء الحكومة في حالة الصمت مع فعاليات البرلمان والرأي العام أيضاً قد لا يبقى مفيداً، والمقاربة المتعلقة بجدل مطار رامون كشفت النقاب عما هو أعمق وأبعد، حيث إن ما يحصل على الجسور الأردنية بات مفتوحاً للرأي العام والنقاش عبر سلسلة طويلة وسيل من الملاحظات التي تنشرها منصات التواصل الاجتماعي التابعة للمواطنين الفلسطينيين، والذين يسافر عدد كبير منهم منذ ستة عقود عبر مطار عمان فقط، فيما موقف السلطة ما بين التواطؤ والصمت وإبلاغ الحكومة الأردنية رسمياً بالاعتراض على إجراء مطار رامون دون اتخاذ خطوات حقيقية على الأرض بيروقراطياً تمنع مكاتب السياحة الفلسطينية في مدن الضفة الغربية المحتلة من عرض وتسويق منتجات لها علاقة ببرامج سياحية عبر استخدام ذلك المطار البعيد عن غالبية مدن الضفة الغربية لأكثر من 200 كيلومتر.
الجانب المتعلق بترانسفير ناعم أيضاً يسيطر على أجواء نخبة من كبار السياسيين والبسطاء.
ربما الأهم أن التسهيلات الإسرائيلية المتعلقة بالسفر تبدو مريبة إلى حد كبير، لكن الجزء الحيوي أكثر للسلطات الأردنية هو انعكاسات ودلالات ما حصل في مسألة رامون وركابه الفلسطينيين على صعيد فتح مؤشرات، وملف المعابر والجسور، وكيفية وجهة نظر المواطن الفلسطيني الذي يعبر عبر جسور الأردن ثم ينطلق إلى العالم ويدفع في الأثناء بعض التكاليف، ويتحدث عن مظاهر خشنة في كثير من الأوقات فيها تظلمات وتساؤلات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى