اراء و مقالات

«سلامات يا حجة»… كيف يتحول «رف الكعك» إلى باتريوت «فلسطيني»؟

قالها لي قبل أكثر من 12 عاما، ببساطة واختصار الفتى الفتحاوي، الذي يتطلع للمستقبل «ما نريده يا عم هو خدش العملاق أو إقلاق نومه على أقل تعديل».
تلك صيغة واعية ومبكرة لقراءة الواقع، بعدما ركبت شبكة «كان» التلفزيونية الإسرائيلية موجة التغطية تزويرا للوقائع، وهي «تسرق» هنا وهناك لقطات بثتها في حشوة التقارير قنوات أخرى مثل «الميادين».
هي صيغة تختصر كل السيناريوهات في مناجزة قوة احتلال إرهابية، رصدتها قوى المقاومة في جنين بالرصاصة وبكاميرا الهاتف الخليوي أيضا، حيث تتحول صورة هنا أو لقطة هناك، إلى مادة دسمة على شاشات دولية، من بينها «بي بي سي»، وحتى «سي إن إن»، التي كادت المذيعة في أحد حواراتها تضحك، وهي تسأل: هل حقا مخيم جنين مساحته أقل من كيلو متر، ويزدحم بالسكان؟!
كاميرا فايز أبو شمالة، سبقت الجميع بالتجول بين حفريات المخيم، بعدما زارته نخبة الاحتلال.
حتى وحدة «كلاب العدو» المدربة حظيت بقدر من الشهرة، بعد أن منحتها قناة «الميادين» شرف الإشارة لزملاء قوات النخبة الإسرائيلية من فئة «الكلب الكابتن».
عموما، ما قالته الكاميرات لنا هو أن ذلك العملاق مر من هنا: خلطات إسفلتية داسها بلدوزر أمريكي. خزانات مياه قصفت بسلاح الجو. وشبكة صرف صحي لمخيم عطلتها مدرعات إسرائيلية، تشارك في مناورات مع «جيوش عربية»!
في المكان فوطة طفل غادر للتو. بقايا أكواع معدنية مخصصة للمغاسل، ومحول كهرباء، ثمن القذيفة، التي أحرقته أكبر من سعره بعشرات الأضعاف. ورف خشبي لنقل الخبز والكعك، تحول إلى لوحة من الرصاص، وكأنه بطارية باتريوت.
أين هم هؤلاء «المخربون»، الذين حضرت قوات النخبة لاجتثاثهم؟ على شبكات «كان» الإسرائيلية كثير من طحن الكلام بالعبري، ومئات الخرائط المتلفزة، مع شروحات لخبراء، وسط إلحاح على إظهار أي شكل من الانتصار للعملاق، الذي عبر المكان، فيما لا صورة مسجلة لا لأسير مقاتل ولا لجثة شهيد.

«يكطع أهلكم»

لاحقا يأتينا متحدث ما على شاشة تلفزيون «فلسطين» الرسمية ليسأل: «دخلكم شو استفاد شعبنا من هالمواجهة»؟
ردت عليه طبعا وفورا «عجوز فلسطينية»: «الله يكقطع أهلك. يا زلمة كول إلنا شو استفدنا منكم؟»! نفس الحجة بالمناسبة، تحدثت بالإنكليزية لاحقا، وبصيغة العبارة التي يترجمها المحترفون عادة بـ»تبا لكم».
أحدهم على «التيك توك» لتذكيرنا بالشهيد إبراهيم النابلسي، قال «سلامات يا حجة».
عملاق الاحتلال زار مخيم جنين، وتاه وسط الزحمة، والشباب هناك طبقوا قواعد الاشتباك الأهم، حسب فكرة الفتى الفتحاوي. «أقله خدش العملاق وإقلاق راحته».
ما لا يعرفه كثيرون أن الذين ولدوا بعد أوسلو قرروا القتال، وأصلا ليس لديهم خيار آخر، و»الكمبرادور» الفلسطيني أمامه خياران: الانضمام لهم أو حل مشكلاتهم العميقة مع الاحتلال، الذي يضع الفلسطيني أساسا بين خيارين بدوره «الخضوع والعبودية» أو «القتال».
ببساطة، اختار الشباب القتال، وخدش العملاق، الجاثم على صدورهم، إلى أن يغير الله حالهم بحال، ولو كان أي منا في موقعهم لفعل.
لذلك، نعم صيغة «خدش العملاق» إستراتيجية وطنية كفاحية متاحة، وليست كلاما فارغ، كما يبلغ «أحدهم» إحدى الفضائيات المصرية.

أحزاب وشباب

تخيل لي وأنا أتابع برنامجا شبابيا بثته فضائية «المملكة» الأردنية مؤخرا لتحفيز وتشجيع الشباب على الانضمام لمسار تحديث المنظومة السياسية، أن أسال عداد الإحصاءات الرسمي عن النسبة التي وصلت إليها أعداد الأردنيين الحزبيين أو الذين انضموا الى أحزاب، بعد ضخ وطني شمولي في الفكرة عمره الآن يقترب من عام ونصف العام من «العجن ولت الحكي».
الذين ركبوا الموجة، ومن يساعدهم، ويحاول دمجهم ويصورهم ويجهز لهم لوجستيات الحوار والاستقطاب والمراقبين، ومراقبي المراقبين، نسبتهم الرقمية ثابتة عند فاصل الـ»1 في المئة».
أحد الشباب «استحم» جيدا وتعطر وارتدى «بدلة رسمية»، وقالها لمذيع الحوار في تلفزيون الحكومة الرسمي «المستقبل لنا. المستقبل نحن».
اقشعر بدني من فرط الثقة، التي اعتلت كتفي الشاب، وحاولت إزاحة فكرة الرقم «1 في المئة»، ولو قليلا عن مخيلتي، حتى أتفاءل، ثم قرأت خبرا عن حزب جديد، احتفل بانضمام 105 مواطنين «دفعة واحدة» للحزب.
الخبر كان سيفرحني، لولا جلوسي في بيت عزاء، إلى جانب أحد أقطاب ذلك الحزب، وهو يهمس في أذني «انسحب 120 دفعة واحدة أمس الأول! «سألت عن السبب فكان الجواب المغلف نفسه «يصرون على دمجنا مع حزب آخر لا يشبهنا».
الإصرار على «دمج» الأحزاب، التي لا تضم إلا طامحين بالترشح للانتخابات، أشبه بعملية إعداد العجة بدون بيض.
الإلحاح على «تحديث منظومة» – مبرمج حصرا على أساس «الحد من نفوذ الإخوان» – لا يمكنه أن يسمى إصلاحا، ولا حتى تحديثا.
نفسي ومنى عيني أن أشاهد قناتي «المملكة» والتلفزيون الرسمي تستضيفان، ولو معلقا واحدا، يقول بذلك، مع أن هؤلاء كثر، وبينهم «حشد» كبير من أهم أقطاب أحزاب الوسط، التي تم تركيبها وتحصل فيها «مناقلات وتعيينات».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى