اراء و مقالات

الأردن: «البانكرز» في عمق «الطموح»… ومخاوف من «خطف» ورشة العمل الملكية

هل «يتحسس» العسعس رأسه قريباً؟

عمان – «القدس العربي» : ليس سراً وسط نخبة عمان، خصوصاً تلك المعنية بالمربع المالي والسياسة النقدية في دوائر القطاعين العام والخاص، الاعتقاد بأن قواعد الاشتباك وملامح الأسس الاستراتيجية التي اعتمدها وتمكن من تثبيتها وعبورها وزير المالية الحالي الدكتور محمد العسعس، مؤهلة وبقوة للمغادرة معه إذا ما تمكن اللوبي المصرفي من إبعاده أو من ترجيح كفة وزير بديل بأي صيغة.
العسعس نفسه يعلم بأن مغادرة موقعه الحالي تعني إقفال ملف المنهجيات المستجدة في إدارة «مالية الخزينة» والعودة لآليات ووصفات الماضي.

هل «يتحسس» العسعس رأسه قريباً؟

أحدهم، العام الماضي، اقترح على العسعس مرة أثناء النقاش «تحسس رأسه». والدولة رصدت مؤشرات على أن ما يقرره ويفعله وزير المالية «لا يعجب كثيرون في شبكة النفوذ» خصوصاً بعد تجاذبات «المداهمات الضريبية» والتمكن من «استعادة بعض أموال الدولة».
بدا مبكراً لبعض نواب البرلمان مؤخراً أن المفارقة «رقمياً» كبيرة عندما تعلق الأمر بـ»أرباح إضافية» حققها فقط في البلاد القطاع المصرفي خلال عامي فيروس كورونا، فالبنوك ربحت خلال كورونا أكثر مما كانت تربحه قبلها، وكانت وحيدة في هذا الامتياز، فيما يحاجج رموز المصارف بأن «القطاع دفع أيضاً للخزينة حجماً أكبر من الضرائب».
يحجم الأردنيون عموماً، عندما يتعلق الأمر بملف حساس مثل الاستراتيجية المالية والنقدية، عن التحدث بصراحة أو في العموم عن التفاصيل، حيث تقاليد راسخة في إدارة البنك المركزي، وحضور قوي ويزحف لمراكز القوى المصرفية التي بدأت بدورها تتجه نحو حالة إحلال حتى في عمق القرار السياسي في مفارقة لا أحد يعلم كيف وإلى ماذا ستنتهي وإلى أين ستقود قريباً جداً. ورغم ذلك، الانطباع متكرس بأن وزيراً تكنوقراطياً مثقفاً اقتصادياً من وزن الدكتور العسعس، إذا ما غادر موقعه لأي سبب لاحقاً سيحمل معه تلك المنتجات السياسية والمهنية والفنية التي تمكن من تسويتها مادام موجوداً، وهو ما يمكن تلمسه بوضوح عند التواصل مع مساحات قريبة من رموز قرار رسمي.
وفي كل حال، على المحك مسائل يعتبرها الجميع في غاية الأهمية.. فكرة ومنهجية العسعس الضريبية المستجدة، وقوامها التنديد -إجرائياً وعلناً وليس ذهنياً فقط- بمنطوق ضريبة المبيعات غير المنصفة بالنسبة لشرائح الفقراء وحتى صغار التجار قياساً بذوي الدخول المرتفعة حتى على صعيد الأفراد والشركات.
يتفق خبير برلماني ومالي مثل الدكتور هيثم العبادي وأمام «القدس العربي» على أن مسألة العبء الضريبي فيها خلل ولا بد من معالجته، ليس على حساب طرف دون آخر، حيث يمكن الاتجاه نحو «عدالة أكثر» فيها تقدير منتج أكثر للأعباء المعيشية على البسطاء والفقراء. هنا تحديداً تبرز مفارقات حساسة إلى حد ما مع مراقبة الحضور المركزي القوي لممثلي البنوك وكبريات الشركات ضمن فعاليات ورشة العمل والعصف الذهني التي تعقد في ظل الديوان الملكي.
لم يعد سراً في السياق أن مجموعة «البانكرز» النافذة قد لا تقف عند حدود الضغط لإخراج الوزير العسعس من المعادلة، بل قد تتجه أيضاً إلى ترشيح واختيار أو حتى فرض وزير المالية اللاحق، لا بل يبدو أنها معنية باستثمار ورشة العمل في الديوان الملكي للعودة مجدداً إلى الضغط من أجل تخفيض الضريبة على القطاع المصرفي.
يعتقد بأن فكرة عودة وزير مهني ومحترف للمالية مثل عمر ملحس، تنطلق من سيناريو له علاقة بتلك التجاذبات. وسمع الأردنيون والنواب، مرتين على الأقل، العسعس يتحدث عن مفارقة «الضريبة بين البقالة والمول» وبسياق لا يختلف معه الدكتور العبادي.
خلف الستارة، الانطباع متكرس برصد محاولة للسطو حتى على قانون الاستثمار الجديد الذي يطهى على نار مضطربة، فيما تحاول الحكومة إعادة النقاشات ولو قليلاً إلى منطق «التخطيط للوطن والمواطن» بعد «استئثار ملحوظ» للبانكرز ولممثلي الشركات ورؤوس الأموال على العصف الذهني المتواصل للأسبوع الثالث في خيم حوار عصرية ورقمية فتحها الديوان الملكي أمام المتحاورين.
المسألة تحتاج إلى نظرة «أعمق قليلاً»، والتوثق من البقاء على «سكة التخطيط الوطني» هو واجب «الدولة» وليس الحكومة فقط، مع «هجمة» المستشارين الأجانب وحلفائهم في قطاع المصارف، وعلى أساس البقاء ضمن «التفويض الملكي الرجعي النبيل»، حيث رؤية تحديث المنظومة الاقتصادية لا تقف فقط عن حل ومعالجة إشكالات شريحة المستثمرين على أهمية ذلك، وفقاً لما قدره أمام «القدس العربي» باحث اقتصادي محنك هو الدكتور أنور الخفش، وهو يلفت النظر إلى أن مصلحة الوطن وليس فقط شريحة المستثمرين فيه ينبغي أن تكون الهدف دوماً.
وهو يوافق على الاستنتاج القائل بأن سطوة النافذين في قطاع المال والأعمال يمكنها إذا ما خرجت عن السيطرة استغلال حالة الحوار الاقتصادية بما يلحق ضرراً بثلاثية الأهداف، حيث الوطن والمواطن والدستور والولاية.
وهو أمر ينبغي التحذير منه؛ لأن الخسائر إذا ما تم تكييف المخرجات على أساس منطق حل مشكلات بضعة مستثمرين ليس أكثر، ستكون فادحة.
عند الاستفسار عن مفهوم الخسائر الفادحة، يبدو بعضها في السياق الاستراتيجي؛ فمن يحتج ويتحرك وينزل إلى الشارع هو المواطن، وأبناء الطبقة الوسطى اليوم، وليس رموز المصارف والأعمال والبزنس.
ومنهجية الإصرار على التدخل في معطيات القرار السياسي ستؤدي، إذا ما خرجت عن السيطرة، إلى إلحاق ضرر بالغ بمصالح الدولة الأردنية العليا، حيث قاعدة الاشتباك الأساسي اليوم في المجتمع الدولي هي محاربة فكرة الجمع بين «المال والسلطة».
مبكراً وعبر «القدس العربي»، حاول المحلل الاستراتيجي الدكتور عامر السبايلة التحذير من مشاورات لا تنسجم مع الموجة التي تسري بسرعة الآن بين دول العالم، خصوصاً الدول الصديقة والحليفة للأردن، حيث سطوة المال ومقدار تدخلها في القرار هدف علني وبوضوح، مقترحاً – أي السبايلة – مراقبة الخطاب الرئاسي الأمريكي وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وما قيل ويقال علناً في الغرب والمجتمع الدولي عن «دور المال في السلطة».
طبعاً، في المقابل، لا يحتاج الأمر إلى مبالغات وأوهام؛ فمراعاة الاستثمار محطة مهمة في برنامج «الوظائف والتشغيل»، وتحرير شعار جذاب مع تحديد الإمكانات، لكن المخاوف أفقية عملياً اليوم من خروج محتمل عن «السكة المرسومة» في العضف الذهني الذي يحظى بغطاء ملكي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى