اراء و مقالات

إعادة قراءة 13 اتفاقية مع إسرائيل: «مهمة قيد المراجعة» في الأردن… هل تحققت الأهداف؟

عمان ـ «القدس العربي»: قد لا ينطوي الحديث عن مراجعة شاملة وأفقية لاتفاقيات السلام الأردنية مع إسرائيل على مفاجآت مبالغ فيها عندما تصطدم عمليات المراجعة تلك بوقائع مرتبطة مرة بالمصالح الأساسية والتعاقدات ومرات بالنصوص القانونية.
فكرة مراجعة نحو 13 اتفاقية مع الإسرائيليين بحد ذاتها وبصيغة مستقلة كانت رسالة من مؤسسات القرار الأردني ليس للإسرائيليين فقط.
ولكن للأصدقاء والحلفاء في أمريكا والغرب في المقام الأول ضمن سلوك مسيطر عليه ومسيس لا بد برأي الخبير السياسي والاقتصادي أنور الخفش من الوقوف عند دلالاته التي قد تكون أعمق قليلا من مراجعة الاتفاقيات بحد ذاتها وفي سياق لا يقف عند الانفعال ورفع السقف.
الدكتور الخفش وهو يناقش هذه الجزئية مع «القدس العربي» يضم صوته للقائلين بـ«الحذر واجب».
ومراقبون خبراء في مسألة مراجعة حزمة التطبيع مع إسرائيل في ظل العدوان الهمجي على قطاع غزة يصرون على أولا تجنب أي قرارات شعبوية في مرحلة حساسة. وثانيا الحرص وهو ما يؤيده الخفش ايضا على إظهار تلك المسافة المتباينة ما بين التقدم برسالة فيها الكثير من العمق سياسيا وبين إطلاق النار على الجسد.
يفترض بفكرة مراجعة الاتفاقيات ان تلفت نظر المؤسسات الأمريكية والغربية وان تكون بمثابة قرصة إذن لليمين الإسرائيلي برأي التيار الداعي إلى التوازن في رد الفعل حتى لا يستفيد منه يمين إسرائيل شريطة ان لا يؤدي التسرع بأي قرارات بالخصوص إلى إيذاء شبكة المصالح الأردنية التي كانت هي أصلا الدافع والحافز نحو المراجعة.
في وقت مبكر من المسألة أبلغ رئيس مجلس النواب الأردني أحمد الصفدي «القدس العربي» مباشرة بان المجلس صاحب قراره ولديه سلطة الإجراء اللازم في مواجهة عدوان همجي يجرح الإنسانية بالمقام الأول ويخدش كل القيم النبيلة.
وبالتالي يشرح الصفدي بان قرارات مجلس النواب واضحة وتشرح نفسها.
لكن طبعا على جبهة موازية ثمة من يلاحظ على أداء النواب بعنوان مراجعة المراجعة بمعنى ان مسألة مراجعة اتفاقيات موقعة مع الإسرائيليين بدأت تخضع للمراجعة علما بان إستراتيجية الاشتباك الأردني عموما وطنيا على حد تعبير الأمين العام لحزب جبهة العمل المعارض الشيخ مراد العضايلة تتطلب ما هو أكثر من عزل كل مسارات التطبيع والتكيف في اتجاه العودة لبناء إستراتيجية تصدي ومقاومة وطنية تستند إلى فكرة وضوح العدو لا بل طموحاته في التوسع وتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن والأردنيين.
خلال اليومين الماضيين فقط برزت مداخلات تؤشر على مكامن الضعف في العلاقة مع إسرائيل من شخصيات عامة ووطنية عرفت باعتدالها الشديد.
ومن بين تلك الشخصيات رئيس الوزراء الأسبق علي ابو الراغب داعية الحرص على تطوير ما سماه بأدوات الدبلوماسية الخشنة في مواجهة من يسميهم بحكام تل أبيب المجانين معيدا الانتقاد مرة أخرى لأي مقترحات في سياق الاشتباك على أساس الدبلوماسية الناعمة.
البرلماني والوزير السابق والخبير الدكتور ممدوح العبادي ظهر إعلاميا مجددا قبل يومين داعيا إلى تطوير فكرة التضاد والتعاكس مع تلك الحزمة المعقدة من الارتباطات مع إسرائيل.
وعندما سألته مجددا «القدس العربي» أعاد التذكير بأن طموحات التوسع اليمينية الإسرائيلية تعبر فلسفيا في اتجاه الأردن لا بل تمارس سلوكياتها على أساس الأطماع وليس الطموحات فقط.
معادلة سبق ان حذر منها ايضا وعبر «القدس العربي» رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري.
الأهم بشأن المستقبل الوشيك لملف مراجعة الاتفاقيات مع إسرائيل أردنيا هو الانطباع بان الضوء الأخضر الذي صدر لشرعنه هذه المراجعة وتأطيرها يبحث عن إنجاز وظيفتين.
الأولى هي لفت النظر في المجتمع الدولي الراعي والحامي لإسرائيل لان حليفا مهما مثل الأردن بدأ يتحرك رسميا في ظل سقف الضغط الشعبي.
والوظيفة الثانية هي تلك المنسجمة مع ميكانيزمات التفريغ للاحتقان الشعبي ايضا فمؤسسات القرار خططت لان تسبق الشارع بخطوة في مسألة التطبيع حتى لا تضطر لاتخاذ قرارات صعبة ومعقدة في لحظات الانفعال.
برمجت خطوة مثل إعلان عدم الرغبة في عودة سفير إسرائيل إلى عمان على هذا الأساس.
وعلى نفس الأساس أعلنت خطوة مثل عدم التوقيع على ما يسمى باتفاقية تبادل الكهرباء والمياه وانطلاقا من نفس الدوافع المرتبطة بلفت نظر المعسكر الغربي ثم إظهار قدر من الاحترام لضغط الشارع تجنبا لانفجار موقفه برزت توصية مجلس النواب بتكليف لجنته القانونية بالمراجعة لنحو 13 اتفاقية مع الإسرائيليين بدا واضحا لاحقا ان بعضها أدخل البلاد والعباد في سلسلة تعقيدات لا يستهان بها.
سؤالان اليوم يبرزان بعد رصد تجنب مجلس النواب ولجانه للحديث عن تلك المراجعة.
السؤال الأول: هل تحققت الوظيفة الأولى وهي لفت النظر للأمريكيين والأوروبيين؟
والسؤال الثاني: ما هو مصير الوظيفة الثانية المتمثلة بالتفاعل الإيجابي مع موقف الشارع؟
عمليا الإجابة على السؤالين قد تعني التجول في حقل من الألغام لان الأردن عموما ليس بصدد الانقلاب التام على 30 عاما مضت بعد توقيع اتفاقية وادي عربة.
لكنه بوضوح شديد بصدد رفع الصوت إلى الأعلى في أكبر جرعة اعتراض أو صرخة دبلوماسية وسياسية ممكنة احتجاجا لا بل اعتراضا خشنا ليس على العدوان الموصوف بالهمجي ضد أهل قطاع غزة ولكن ايضا وهذا الأهم على تداعيات هذا العدوان في الضفة الغربية قبل انتقالها للشرقية.
ثمة من يقول بأن الصديق الأمريكي انتبه وبأن الجملة الاعتراضية الأردنية حتى بجزئية المراجعة للاتفاقيات حققت بعض المنجزات الدبلوماسية في التخفيف من شرعنه دول أوروبية للعدوان الإسرائيلي.
وثمة من يقول بأن التلويح بالمراجعة حقق الغرض منه بمعنى أن ثغرات لوجستية فتحت لصالح الأردن حصرا تحت عنوان الإغاثة الإنسانية في قطاع غزة.
وبمعنى أن عمان التي يعاديها يمين إسرائيل ويتأمر على دورها بعض العرب بواسطة التطبيع جلست على الطاولة في المساحة اللوجستية تحديدا.
لذلك وبالخلاصة تبدو عملية مراجعة اتفاقية التطبيع مع إسرائيل رسالة دبلوماسية منتجة يمكن رفع أو تخفيض سقفها حسب الحاجة وعند اللزوم.
ولذلك ايضا يتشكل الانطباع بأن المراجعة التي جرت لتلك المراجعة هي أيضا وظيفية حتى الآن.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى