اراء و مقالات

فتنة «الفوتبول» في «المربع السياسي – الأمني» الأردني: «مظلومية» الوحدات وهتافات الفيصلي و«الكراهية»… والأزمة تتدحرج

عمان – «القدس العربي» : أدخلت إدارة فريق نادي الوحدات الأردني وبوعي مسبق جميع أطراف لعبة كرة القدم مرة جديدة في المربع السياسي – الأمني الحساس عندما أرسلت بعد ظهر الأربعاء كتاباً رسمياً لاتحاد كرة القدم تبلغ الاتحاد فيه الانسحاب من بطولة دوري كرة القدم للمحترفين، بصرف النظر عن أسباب ودوافع وخلفيات «القرار الوحداتي».
واضح أن إيقاع مباريات فريقي الفيصلي والوحدات يتحول وسط بروز العنجهية من الطرفين وظهور جرعات لا يستهان بها من ثقافة الكراهية إلى أزمة ليس رأي عام فقط، لكن أزمة دولة حتى بالمعنى السياسي والقانوني والرياضي، مما يفتح الخيارات مجدداً أمام فرض سيناريو هيبة الدولة على الأندية وجمهورها المستفز، وأمام تلك الدعوات التي بدأت تجمع المزيد من الأصدقاء تحت عنوان شطب وإلغاء أو إغلاق أعرق ناديين رياضيين في الأردن، هما الفيصلي والوحدات، أو على الأقل تجميد مسابقات كرة القدم.
الشطب والإغلاق والتجميد هنا خطوة انفعالية ترد على انفعال، وهي أقرب لسياسة جدع الأنف ويخسر الجميع فيها، لكن فريق نادي الوحدات ذهب في التصعيد ضد ما يعتبره سياسات تمييزية ضده من جهة اتحاد كرة القدم إلى أقصى مدى ممكن، وهو يتخذ قراراً أشبه بالانتحار الرياضي والمالي، علماً بأن رئيس النادي الأسبق والبرلماني طارق خوري، حذر من كلفة مثل هذا الانسحاب لفريق عريق قد يهبط للدرجة التالية بمديونية مقدارها مليونا دينار.
قرار نادي الوحدات اتخذ في ظل مديونيته المعلنة في عدة بيانات ومباشرة بعدما قرر اتحاد كرة القدم ممارسة صلاحياته التنظيمية القانونية بنقل مباراة جديدة بين فريقي الوحدات والفيصلي إلى إستاد مدينة إربد شمالي المملكة، وهو الأمر الذي أغضب جمهور الوحدات ودفعه لحملة تطالب إدارة النادي بالرد، وتدحرجت الانفعالات في النادي إلى أن وصلت إلى منسوب قرار الانسحاب من دور المحترفين، وفيما كان الاتحاد يبحث عن ذريعة لتحفيز النادي على التراجع عن قراره تم الإعلان عن إرسال كتاب رسمي بالموجب.
الأزمة بقرار الوحدات أصبحت سيادية وسياسية ولم تعد مرتبطة بشغب الملاعب ومظلومية جماهير المدرجات، خصوصاً بعد سلسلة احتكاكات واعتداءات على المال العام وعلى القانون، شارك فيها متحمسون من جمهور الفريقين بصيغة أساءت للوحدة الوطنية، كما دفعت في اتجاه ترويج ثقافة الكراهية.
وهي البنية التي اعتمد عليها اتحاد الكرة في قرارين مثيرين أغضبا جمهور الوحدات: الأول، إقامة المباراة السابقة قبل نحو أسبوعين في عمان العاصمة دون جمهور بين الوحدات والفيصلي، حيث فاز الأول هنا ضمن مسابقات الكأس. والثاني، نقل المباراة بين قطبي كرة القدم إلى مدينة إربد شمالاً، وهو قرار استفز جمهور الوحدات، ولم يعلق عليه الفيصلي. قبل ذلك، مشاحنات بالجملة ومن كل الأصناف التي تسيء إلى القانون والوحدة الوطنية على منصات التواصل. وقبل ذلك أيضاً أشرطة فيديو تقارن بين فوز فريق الوحدات والقضية الفلسطينية مع شتائم لجمهور الفيصلي، قابلها أشرطة فيديو لمشجعي الفريق المنافس تسيس أيضاً وتشتم، فيما كانت شعارات مشجعي الفريقين استفزازية في الأثناء لكل من يرغب، ولو بالحد الأدنى، بتلمس الروح الرياضية.
رفع مشجعو الفيصلي شعارهم «الفيصلي وطن»، ثم رفع مشجعو الفريق المنافس نكاية شعارهم المقابل «الوحدات قضية». ورد العقلاء بالعشرات بشعار ثالث يندد بالشعارين، بعوان «الفيصلي ليس وطناً والوحدات ليس قضية».
حركت النيابة في الأثناء اعتقالات واتهامات بترويج الكراهية أملاً في ضبط هذه الحماسة المفرطة عبر مسابقات كرة القدم، وبصيغة أظهرت أن الاتحاد متردد ولا يقوى على اتخاذ القرارات المناسبة لاحتواء التشنج، وفيما اتخذ قرار تلو الآخر يزيد من تعقيدات الموقف وارتباكاته قبل حصول ما لم يحصل سابقاً، حيث توفي طفل وحداتي بحجر ألقاه مشجع فيصلاوي، وحيث فاز الوحدات في مباراة دون جمهور، وبدأت حصة التعصب النادوي تنمو وتزحف وتزيد، مما يقلق الجميع.
دخل سياسيون كبار على خط الاشتباك من بوابة الانتقاد، وكان أبرزهم رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات، وهو يحذر من فتنة «الفوتبول» التي يستفيد منها المشروع الإسرائيلي فقط في النهاية. حصل ذلك قبل خطوة فريق الوحدات بالانسحاب، التي أحرجت وأربكت الجميع، ومعناها المباشر واحد فقط، هو أن كرة القدم الأردنية تشهد نهايتها تماماً مالياً وجماهيرياً وفنياً إذا ما أكمل الفريق الأكثر شعبية في البلاد مشواره في الانسحاب في واقع تعرفه تماماً إدارة نادي الوحدات، وهي تستجيب لضغط مظلومية الشارع والمشجعين المتحمسين، عبر اللجوء إلى التصعيد، مستندة إلى إرث مفترض من المظلومية والاستهداف في خطوة تمارس ضغطاً سياسياً عميقاً بكل تأكيد على جميع مؤسسات القرار، فيما كان اتحاد الكرة يتحدث عن قرارات في مسألة مناقلات المباريات بين الملاعب اتخذت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وحرصاً على درء الأسوأ.
الوحدات مصرّ على موقفه حتى بعد عصر الأربعاء، وحجم الانهيار المتوقع لصناعة كرة القدم دفع بالأمير علي بن الحسين شخصياً للاتصال مع رئيس نادي الوحدات بشار الحوامدة، داعماً تهدئة الأمور ومتأملاً التراجع عن القرار، وهي خطوة لم تحصل سابقاً من الأمير البارز الذي يرعى كرة القدم أصلاً.
في عرف الخبراء، إن انسحاب الوحدات يعني فوراً تطبيق لوائح قوانين الاتحاد التي تقضي بهبوط الفريق المنسحب إلى الدرجة الدنيا وشطب جميع نتائجه، ثم تغريمه 100 ألف دينار. لكن الأهم أن انسحاب الوحدات يعني خسائر مالية ضخمة وغياباً لثلثي الزخم الجماهيري على الأقل، وقد يعني إذا ما لم تحصل تسوية للأزمة، نهاية درامية لكرة القدم الأردنية في توقيت حرج وحساس سيدفع ثمنه الاتحاد أولاً ومنتخب النشامى ثانياً عشية مسابقات تصفيات كأس آسيا.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى