اراء و مقالات

«حزمة تسهيلات» للمقدسيين… الأردن ينخرط و«يقترب أكثر»… لماذا؟

عمان – «القدس العربي»: حتى بالنسبة لأشد السياسيين في الأردن التزاماً بالمعسكر المحافظ، كان تركيز الفضائيات والكاميرات على مشهد الطائرة المروحية الأردنية التي هبطت فوق مقر جهاز أمني في مدينة جنين لنقل الرئيس محمود عباس، مدعاة للتساؤل والتكهنات وإلى حد ما للاستغراب.
والواقع أن الأمر – وفقاً لبعض الأنباء- قد لا يتعلق بطائرة واحدة، بل بطائرتين شوهدتا في سماء مخيم جنين، ونقلتا الرئيس عباس ونخبة من كبار مسؤولي السلطة في ترتيب عملياً غير مسبوق، ومشهد لا يمكن قراءته خارج سياق سياسي ما، وبصورة مرجحة لا يمكن إنتاجه ولا السماح إسرائيلياً بإنتاجه بدون مداخلة أمريكية جراحية.
الأردن يوفر بأوامر ملكية مباشرة، منذ سنوات طائرة خاصة لنقل الرئيس الفلسطيني، وهذا ما صرح به لـ “القدس العربي” أحد كبار موظفي المقاطعة في رام الله على هامش زيارة الرئيس عباس الأخيرة إلى عمان العاصمة.
لكن هذه التسهيلات الأردنية كانت تبرز دوماً كلما قرر الرئيس عباس الحضور إلى عمان أو المغادرة منها خارج البلاد.
في كل حال، قد تكون المرة الأولى التي يشاهد فيها أهالي مخيم جنين ومنذ سنوات طويلة -على حد تعبير مراسل قناة “رؤيا” الأردنية – طائرة عسكرية فوق سماء مدينتهم لا تقصف المخيم أو المدينة. مشهد المروحية الأردنية فوق سماء المدينة الفلسطينية الأكثر توتراً، متحرك بامتياز وقد يؤسس لمعادلة دلالات سياسية مباشرة ولتطبيع صورة نمطية جديدة قوامها الجسر مع الشقيق الأردني، ووجود رمزية سيادية أردنية تدعم الشرعية الفلسطينية دون أن تخاصم أهالي جنين أو غيرها.
مثل هذه القراءة للمشهد قد تنطوي على مبالغة أو سياق درامي في تفسير الحدث، لكن لا أحد قدم إجابة شافية على السؤال: لماذا يغادر الرئيس عباس رام الله إلى جنين أصلاً بطائرة مروحية أردنية، خصوصاً أن الطريق بين رام الله وجنين لا تحتاج لكثير من الوقت؟
سؤال، تتطلب الإجابة عنه فهم لغز الموافقة الإسرائيلية على حضور وتحرك الطائرة الأردنية، كما تتطلب فهم الدبلوماسية الأمريكية بين القدس وعمان، والتي سهرت على دعم وإسناد هذا الترتيب في رسالة سياسية تقول للإسرائيليين إن تقويض سلطة عباس بوابة من الصعب العبور منها أو قبولها أردنياً وأمريكياً.
والأهم أن ترك الضفة الغربية لحالة فراغ وفوضى وانهيار النظام القانوني هو سلوك لا يمكن للمؤسسة الأردنية حتى وهي تؤمن بمخاطر اليمين الإسرائيلي قبوله بدون مقاومة دبلوماسية وسياسية، لا بل سياسية وأمنية أيضاً، حيث سارعت بعض التقارير إلى التحدث الموظفين أردنيين شاركوا عباس في زيارته الشهيرة إلى جنين.
سؤال من الصعب تحصيل إجابة عليه الآن، لكن وسط التزاحمات والتساؤلات ثمة طائرة أردنية هبطت فوق مقر جهاز أمني فلسطيني في جنين وحملت معها الرئيس عباس وصحبه فيما كان وبقي المستشفى الميداني العسكري الأردني في قطاع غزة عنواناً هو الأعرض للتضامن الهاشمي الأردني مع أهالي القطاع المحاصر.
وإذا كانت التساؤلات جزءاً من حزمة تحليلات وقراءات في مشهد جنين، يمكن القول إن الخدمات الخاصة الجديدة التي أعلنت الحكومة الأردنية عن تقديمها لمجموعة عريضة من أهالي القدس تحديداً قد تدل على نفس الإشارات السياسية بالسياق، فالأردن يتقدم خطوات تجاه ما كان لا يحب الانخراط به فلسطينياً.
ومجموعة التسهيلات التي قدمت لمواطني القدس من حملة الوثائق الأردنية بهدف التسهيل عليهم وتثبيت صمودهم هي محطة أخرى لا يستهان بها بعد توقيع اتفاق برعاية المحاكم الشعبية في الضفتين وشركة البريد الأردنية وإدارة الأحوال المدنية في زارة الداخلية، يقضي بحزمة تسهيلات غير مسبوقة لأهالي القدس.
وفقاً للبروتوكول الموقع والجديد، يستطيع من يحمل وثيقة أردنية تجديدها بموجب طلب إلكتروني مدفوع الرسوم في محاكم القدس الشرقية لأول مرة. ويستطيع مواطن القدس تجديد وثيقة أردنية لزوجه أو زوجته بنفس الطريقة في أسرع وأسهل الطرق، وبدرجة أقل من الرقابة الأمنية والبيروقراطية المسبقة خلافاً لبند يخدم الأطفال والأولاد في أي عائلة أحد الزوجين فيها مواطن أردني.
صنف جديد ومتطور من الخدمات البيروقراطية والإلكترونية لأهالي القدس بشأن الوثائق الأردنية بالتزامن مع مشهد الطائرة المروحية التي أقلت الرئيس عباس فيما انخرط الأردن خلف الكواليس والستائر بمشروع طموح يحتاج لكثير من الجهد بعنوان إنهاء الانقسام في حركة فتح تحديداً، والسعي لتوحيد أقطاب الحركة قدر الإمكان، الأمر الذي أدى إلى انفتاح أردني غير معلن على قيادات كان مغضوباً عليها في فتح، كما أدى إلى إقامة حوارات مع قيادات أخرى وانتهى بنقاشات تشارك فيها دوائر عمان لأول مرة تماماً، وتحاول الإجابة عن سؤال الخلافة في رئاسة السلطة الفلسطينية بدون أن يقود ذلك إلى أزمة أو مشكلة مع رام الله، كما كان يحصل في الماضي.
الأردن على نحو أو آخر منخرط في أسئلة البديل ولوجستيات تجاوز سيناريو الانهيار، وتصوره العميق أن حكومة الائتلاف اليميني الحالية آيلة للسقوط، والسقف الذي سيصل إليه مستقبلاً هذا الانخراط في بعض التفاصيل لا أحد يعرف مداه بعد، بصرف النظر عن وجود أو عدم وجود مشروع سياسي ما في خلفية المشهد وذهنية صناعة القرار.
أي مشروع سياسي لبناء صورة جديدة لاحقاً لها علاقة بين الأردن والفلسطينيين في الأراضي المحتلة، يحتاج إلى عدة شروط يعرفها الجميع وأساسية، قد يكون من بينها التبديل والتغيير في الأدوات والرموز في عمان وليس في جنين ورام الله فقط على المستوى التنفيذي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى