اراء و مقالات

ليست مجرد «رسالة»… الأردن بعد «اعتذار حمزة»: عملية «جراحية» مؤلمة في الطريق رغم «دراميات» المعارضة

مناقشات صريحة

عمان – «القدس العربي» : قد لا تكون ولا تبقى مجرد رسالة من أمير أخطأ يعتذر لشقيقه الملك، بل هي أقرب إلى صيغة صفحة سياسية ووطنية جديدة يمكنها أن تدشن مرحلة جديدة أيضاً عشية شهر رمضان المبارك، في إطار سلسلة معالجات للتصدعات الداخلية تجاوزت مسألة ملف الفتنة والأمير حمزة بصورة جراحية مؤخراً.
وقفزت في اتجاه مصارحات قوية في المربع الاقتصادي والاستثماري وكيفية إدارة الأمور بيروقراطياً تحديداً بعد إنجاز وثيقة ما سمي بتحديث المنظومة السياسية في البلاد، وكذلك بعد إخفاق أطقم الأوتوقراط الليبرالي في إدارة الاشتباك مع ظاهرة التحرش الإعلامي الدولي والتسريبات التي تخدش صورة الأردن.

ليست صدفة

بهذا المعنى، رسالة الاعتذار التي احتفى بها الأردنيون باعتبارها «نبأً ساراً» مساء الثلاثاء بصفة عامة، قد تتجاوز في تأثيرها المضمون العائلي المتعلق بإقرار الأمير بحصول أخطاء على هامش مسألة الفتنة واعتذاره العلني عن هذه الأخطاء، لا بل التزامه بالنص بعدم تكرارها مستقبلاً وعودته بعد الرسالة للملك إلى تمني التوفيق لابن شقيقه ولي العهد الشاب الأمير حسين بن عبد الله.
التصدع الذي صدم الملك بإقراره علناً في وقت سابق من العام الماضي داخل العائلة تم علاجه وبصورة بالتأكيد يرحب بها الأردنيون. لكن حسم ملف الأمير حمزة على هذا النحو قد لا يخصه بصفة شخصية، وإن كان أعلن التزامه التام بالتراتبية الدستورية وعنوانها المهم والجديد والأصولي هو وجود مصدر واحد للتوجيهات وللتعليمات وللأوامر، وهو جلالة الملك شخصياً، إضافة إلى إظهار الاحترام والتقدير للبعد الدستوري المتمثل بمؤسسة ولاية العهد.
ليس من باب الصدفة في القراءة المحلية لمسار الحدث الذي تسبب في حالة ارتياح في الأوساط الشعبية الأردنية بصفة عامة، أن المرحلة مفتوحة الآن أكثر على ما هو أهم لاحقاً. توقيت الاعتذار سبق شهر رمضان المبارك، كما سبق محاولة جديدة من أطراف عربية في الإقليم أو مجاورة، لتجاوز ما سمّاه الملك يوماً أو في لقائه الأخير مع نخبة من الإعلاميين المحليين بـ»ظلال مسألة الفتنة»، وهو يتحدث حصرياً عن المواجهة التي طرحها ضد البلاد وسمعها المعارض ليث شبيلات في إسطنبول التركية إثر التعقيبات المتتالية بخصوص مسألة تسريبات بنوك سويسرا وتداعياتها.
عائلة الحكم موحدة أكثر من أي وقت سابق، والتقاليد المرسومة التي ساهم في بدايتها الأمير الهاشمي المخضرم حسن بن طلال، هي التي انتصرت في النهاية وأنهت الخلاف والتجاذب في إطاره العائلي طبعاً هذه المرة، لكن في سياقه السياسي الوطني وبصورة تدفع الماكينة إلى الأمام وبعد ممارسة مؤسسة القصر لأقصى طاقات الصبر، مع أن الضغوط الاقتصادية تزيد والتعقيدات تصبح أكثر تعقيداً وحضوراً، والاحتقان الاجتماعي متاح، والتلويح بخيارات الحراك الشعبي كان ذريعة بعض الشخصيات المعارضة في الداخل مؤخراً، لا بل اختار بعضها بعد عشاء مثير للجدل في منزل الوزير الأسبق أمجد المجالي، تحديد يوم الرابع والعشرين من آذار يوماً لعودة الاعتصام المفتوح إلى الشارع.
وهو أمر صعب المنال، وقد لا يحظى بزخم شعبي كبير؛ لأن الرأي العام الأردني في حالة قلق عامة، ولأن ظروف العالم والظروف الإقليمية لا تسمح بانفلات التعبيرات خارج إطار المصالح والتوازن بالرغم من كل المبالغات التي تتبناها إما على شكل وجبة من السموم والتهويل عبر ما يسمى بالمعارضة الخارجية، أو على شكل مبالغات درامية تستوجب الحراك في الداخل.
الأمير حمزة في حضن العائلة، في كل الأحوال، نبأ سار جداً للأردنيين يطوي صفحة سريعة عمرها حتى الآن نحو 10 أشهر من الخلافات ومن الصدمات. لكن الأهم أن الحسم على هذا النحو قد ينهي مسألة الخلاف والتجارب، ويسمح للأمير بحرية أكبر في التنقل والحركة بعد الآن ما دام ملتزماً بالأساس الدستوري وبصورة علنية. وبالطبع، ليس جديداً ولا خارج التوقعات القول في إطار التكهن والتوقع والتنبؤ السياسي بأن رسالة الأمير تحسم الكثير من تفعيلات وتفصيلات ما سمي في القصر الملكي بـ»ظلال الفتنة».
لكن على طرف آخر، ثمة مبادرات يبدو أنها خافتة حتى الآن لكنها في إطار التقارب مع الرياض، والمملكة العربية السعودية تحديداً على أمل استئناف الاتصالات والعلاقات حتى في مسارها الاستثماري، مما يسمح عملياً بوقف نزيف الخلافات الذي أثارته ظلال الفتنة، ومما قد يسمح أيضاً بتمهيد الصورة تكريماً للقيادة السعودية بالتفاعل الإيجابي هذه المرة مع طلبها السابق والمتكرر، على حد تعبير المصادر الدبلوماسية الغربية، بعنوان الإفراج عن المستشار الدكتور باسم عوض الله، السجين المحكوم في قضية الفتنة بخمسة عشر عاماً.

مناقشات صريحة

إلى هنا، سلسلة الأخبار انفراجية، لكن بالتوازي تتواصل المناقشات الصريحة تحت بند التحديات الاقتصادية في سياق ورشة عمل يشرف عليها الديوان الملكي، وثمة ما يوحي بأن النقاشات خلف الستارة صريحة لا بل صريحة جداً هذه المرة في تشخيص المشكلات وتعريف التحديات، لا بل في وضع وصفات مختلفة للانطلاق والتحديث والعبور من الأزمة الحالية، حيث لا خيارات أمام الأردن في سياق البقاء في دائرة الاستسلام والارتهان لاستمرار وديمومة المساعدات الخارجية.
يتحدث مسؤولون بارزون عن عملية جراحية معقدة قد تنتج عنها بعض الأعراض في مسألة الإجراء الاقتصادي قريباً. وفي الأثناء، أقر مجلس النواب قانون الأحزاب الجديد، مما يسمح بتدشين مرحلة تحديث المنظومة السياسية وحسم الكثير من المسائل العالقة، ومن بينها الإقرار هذه المرة بأزمة الأدوات والأمل بتجاوزها وبالجرأة المطلوبة خلافاً لأن رسالة الأمير حمزة صدرت أو أرسلت أو أعلنت في الوقت الذي ينتظر فيه الأردنيون ولادة مؤسستهم الدستورية الجديدة في سياقات تحديث المنظومة، وهي المجلس الجديد للأمن القومي بصلاحيات واسعة ونافذة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى