اراء و مقالات

الأمن الأردني لـ«حواضن ترانزيت المخدرات»: لا حصانة لأحد والحساب آتٍ

عمان – «القدس العربي»: بات في حكم المرجح أن المؤسسة الأردنية الرسمية تدرك بكل ما تعنيه الكلمة حرفياً من معنى ودلالة سياسية، بأن مصداقية مواجهة الحرب التي تشنها بعض المجموعات والعصابات في الجنوب السوري ضد حدود المملكة الأردنية الهاشمية تحت عنوان المخدرات وكل المحاولات العبثية، ينبغي أن توازيها عملية مواجهة لا تقل صلابة، بصرف النظر عن التداعيات لما يمكن تسميته بالسمسار أو الوكيل المحلي لتلك المخدرات التي لم يعد من المنطق الاستمرار في مواجهتها عبر الحدود مع سوريا فقط دون ضرب شبكة العلاقات التي تمثل حاضنة لها داخل حدود المملكة الأردنية الهاشمية.
وفي الوقت الذي يقوم فيه حرس الحدود التابع للقوات المسلحة بواجبه تماماً، ويتصدى بكثافة أرضاً وجواً لكل محاولة صغيرة وكبيرة للعبور بالمخدرات وسط عناد وإصرار وإلحاح من جانب تلك الشبكات الإقليمية والدولية التي ترعى العملية وتمولها، يفترض مقابل ذلك أن تتولى مديرية الأمن العام محلياً الواجب في إطار الداخل الأردني، وهو ما تفعله عملياً الأطقم المحترقة والمهنية التابعة لإدارة مكافحة المخدرات وبعد توجيهات عليا ومن مدير الأمن العام بأن يتم الضرب بيد من حديد كل أذرع الحواضن داخل المجتمع.

لا مجال للشك

لذا، لا مجال للتشكيك في مصداقية الحملة الأردنية المضادة للمخدرات، سواء تلك العابرة لحدود المملكة أو تلك التي يمكن أن تعبر عبر حدود أخرى من المملكة أو حتى تلك التي تجد من يستقبلها أو يروج لها أو يوزعها أو يحاول تخزينها مؤقتاً ويسعى لترحيلها.
ومن هنا يمكن فهم تلك العمليات النوعية التي يتم الإعلان أو الكشف عن بعض تفاصيلها بين الحين والآخر داخل الأراضي الأردنية. وكانت المحطة الأخيرة فيها بعد جهد أمني استخباري خاص من الواضح للمراقبين أن بعض الجهات السورية الرسمية بدأت تتعاون معه، هي تلك المحاولة التي انتهت بضبط عنصر، وهو موظف رسمي بصفة غير مدنية من منزل والده، وهو أحد قيادات وجهاء العشائر في مناطق شرق الأردن.
تلك عملية كانت تنطوي على رسالة قوامها ما أعلنته قوات حرس الحدود قبل أكثر من عام تحت عنوان التصدي لكل من يحاول العبث بالأمن الداخلي الأردني وتهريب المخدرات أو استقبالها أو توزيعها أو تخزينها والمتاجرة بها، وفكرتها” قوات المكافحة قادمة لا محالة”. في العملية الأخيرة، تم إلقاء القبض على نجل أحد رموز المجتمع في منطقة شرق الأردن.
وهي رسالة من الدولة تفيد بأن مناطق البادية مثل بقية المدن، تخضع للرقابة وستتم ملاحقة أي مواطن فيها يمكن أن يكون له أي دور في عبور المخدرات أو حتى تأمينها ثم نقلها خلافاً لأن المقبوض عليه في الحالة الأخيرة على الأقل ليس فقط ابن شخصية محلية بارزة، ولكن يعمل بوظيفة رسمية بالحكومة. وهنا رسالة موازية تقول ضمناً بأنه لا حصانة لأحد في المجتمع الأردني، وبأن الحرب حقيقية وجدية وستكون صارمة على كل أطراف الشبكة الداخلية تحديداً. وعلى هذا الأساس، يمكن بناء استنتاج وتصور أفقي ومنتج أكثر في معادلة التصدي الأردني للمخدرات باعتبارها خطراً داهماً على الأمن القومي وليس الأمن الداخلي فقط، والأردن يتعامل معها على هذا الأساس.

أولى الأولويات

أمام “القدس العربي”، كان وزير الخارجية أيمن الصفدي يتحدث عن كيفية صياغة موقف وقياس موقف بلاده من مسألة المخدرات باعتبارها أولى الأولويات، خصوصاً أن تقنيات مهربي مخدرات من الجانب السوري مصرة وعنيدة، كما ذكرت “القدس العربي” في تقارير سابقة لها، وبدأت تستخدم تقنيات اتصال حديثة ومتطورة، لا بل تم ضبط طائرتين مسيرتين أسقطتهما القوات الأردنية مؤخراً عبرتا الحدود من سوريا: الأولى كانت تحمل نحو نصف كيلوغرام من مادة الكريستال شديدة الخطورة، والثانية كانت محملة بأسلحة صغيرة، وهذا يعني أن الحرب مستمرة، وأن تلك الشبكات المنظمة في الجانب السوري ترسل رسائل تهديد أيضاً للأمن الأردني الذي يتصدر بدوره بكل كفاءة ومهنية. وهو أمر وصلت درجة خطورته ومستواه في سلم أولويات الدولة الأردنية العميقة إلى حد توجيه ضربات قاصمة لطبقة الوكلاء والسماسرة أو لناشطين في مجال استيعاب تلك المخدرات التي تأتي من خارج البلاد وعلى أكثر من مفصل.
فعمليات المداهمة رصدت في مدينة الرمثا وفي مدينة الزرقاء وفي مدينة المفرق شرقي البلاد، وطالت حتى مدينة العقبة أقصى الجنوب، خلافاً لـ 6 على الأقل في الشهر الأخير من أكبر مروجي أو أعوان تهريب المخدرات في العاصمة عمان وحدها، حيث حواضن فردية الطابع ومسلحة في بعض الأحيان، وتلاحقها عمليات مداهمة المخدرات بموجب القوانين؛ لأن مديرية العام أبلغت من قبل كل من يتعامل مع تجار الموت، كما تسميهم، بأنه لا مجال أمامه إلا الموت أو تسليم نفسه.
لذا، الموقف جدي وهذا يعكس وصول مركز صناعة القرار العميق في الأردن إلى قناعة بأن هذه الكميات الهائلة والكبيرة من المخدرات التي تحاول العبور ترانزيت إلى الأردن تشكل خطراً وجودياً وحقيقياً، كما أنها فوق كل ذلك تؤثر على سمعة المملكة وتظهر قدراً من الرخاوة لا يناسب تقاليد الدولة الأردنية ولا ممارستها في الماضي، ولا ثقة هذه المؤسسات بنفسها.

اعتقالات

لذلك، تم اعتقال مواطنين مدنيين وموظفين رسميين من الذين اشتبه بتورطهم، وصورت بعض المداهمات ونشرت لشخصيات بارزة إلى حد ما.
وتحتفظ إدارة مكافحة المخدرات بكثير من التفاصيل، والاعتقاد سائد ورائج بأن التوازن المطلوب هو ما بين التصدي عبر الحدود مع سوريا حيث عصابات مسلحة ونشطة جداً مصرة على تهريب مختلف أصناف المخدرات، وما بين العمل بالداخل ضد من سمّتهم أوساط الإعلام السمسار والوكيل المحلي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى