اراء و مقالات

الأردن في مفارقة الروابدة: عملية كلف بها من «لا يؤمن» في معية «غير جاهزين» لمن «لا يهضم»

تحديث المنظومة أم «نهشها»؟

عمان – «القدس العربي» : تبدو ملاحظة جديرة بالتأمل تلك التي طرحها بجملة اعتراضية على نية صافية رئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، عندما تحدث عن أشخاص غير مقتنعين بالعمل الحزبي لا بل عارضوه في الماضي، يديرون المشهد اليوم في اتجاه تحديث المنظومة الحزبية في في البلاد. تلك ملاحظة تنضم إلى سلسلة ملاحظات أخرى تسعى للتشكيك في وثيقة وبرنامج تحديث المنظومة السياسية.

تحديث المنظومة أم «نهشها»؟

وهو تشكيك لا طائل منه ولا فائدة فيه، ولا يمكن بناء استنتاجات علمية عليه على حد تعبير وزير الشؤون السياسية في الحكومة المهندس موسى المعايطة، حيث الإصرار دوماً ومجدداً على المضي قدماً نحو المستقبل وفتح صفحة جديدة وسط القناعة بأن منظومة الدولة تحتاج إلى التحديث فعلاً، وإن كان بعض النشطاء والمراقبين مثل السياسي مروان الفاعوري في حالة استغراب من التدخلات الرسمية في الانتخابات، ما صغر منها وما كبر، وكان التحديث – كما يقدر- لا يشمل إدارة العملية الانتخابية وتحت طائلة الهندسة دون مبرر.
الانطباع أقوى وسط النخبة الأردنية بأن من أداروا مشاورات ونقاشات تحديث المنظومة تعاملوا عملياً مع مبادئ وأفكار ومقترحات لا يؤمنون بها بالمستوى الشخصي والفردي، وتم اعتمادها من قبل أشخاص على الأغلب ليسوا مؤهلين لوضعها، وكانت تهدف في الوقت نفسه إلى قاعدة جماهيرية وشرائح في المجتمع قد لا تستحقها أو قد لا تهضمها، كما يلمح رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، وهو يصر على أن التنمية السياسية والتثقيف الحزبي عملية تبدأ من الصفوف الأولى في المدارس وفي بنية المجتمع، وقد تحتاج لأكثر من 20 عاماً.
في كل حال، تمضي إجراءات تحديث المنظومة بعد إنجاز ملف التعديلات الدستورية في اتجاه قانونين جديدين على النار الآن للأحزاب والانتخابات.
ورغم أن المنظومة تواصل مشوارها فإن حجم الهجوم عليها والتحرش بها كبير ولا يمكن إنكاره، مقابل سلسلة إجراءات تتخذ يومياً لصالح ما يسميه الشيخ مراد العضايلة، بالقبضة الأمنية بعيداً عن المقاربات والمعالجات السياسية.
العضايلة وفي وقت مبكر، قال لـ«القدس العربي» بأن الإصلاح السياسي الحقيقي ليس مرتبطاً بالنوايا والتشريعات فقط، بل بالإجراءات، وبالتالي تنضم الملاحظات التي تقال بقسوة بعد التعديلات الدستورية عن إجراءات معاكسة لمنطوق تحديث المنظومة في نهش العملية وتوفير المزيد من الأدلة والقرائن على عقم العصف الذهني عندما يتعلق الأمر بالميدان والنتائج على الأرض.
يضرب ناقدون أمثلة متعددة على ذلك الفصام السياسي والبيروقراطي، ابتداء من ظاهرة اعتقالات نشطاء شبان خرجوا لمقاومة التطبيع، مروراً بعودة اعتقالات نشطاء الحراك، وانتهاء بما يجري ضد الإسلاميين تحديداً، وما جرى في انتخابات البلديات واللامركزية وقبل استحقاقها في انتخابات نقابة المهندسين حيث التحشيد والاستقطاب والتجاذب في أشد مراحله، وحيث صراع مرير تحت عنوان التيار الإسلامي يوحي بصدام محتمل، مع أن حزب جبهة العمل الإسلامي شارك في طهي طبخة المنظومة أصلاً قبل أن يقرر تعليق مشاركته في انتخابات البلديات، ثم إكمال مراحل انتخابات نقابة المهندسين مع المستقلين الحلفاء، الأمر الذي يوحي مجدداً بنكهة التأزيم والتصادم مرة أخرى.
وعليه، يمكن القول بأن انضمام الروابدة إلى حلقة نخب حراس الدولة القدماء التي تهاجم المنظومة وتحديثها وبغلاظة، قد لا يكون الحلقة الأخيرة؛ فالإسلاميون في حالة انسحاب وتنصل من نتائج المنظومة وأسسها الميدانية، والاحتقان المعيشي الاقتصادي يضرب مجمل مصداقية خطاب الدولة والحكومة، والبوصلة العامة تميل إلى ما كان يقوله في العادة الدكتور ممدوح العبادي، عن شكل الديمقراطية التي لا يصنعها إلا الديمقراطيون، وأيضاً عن هوية الإصلاح الذي لا يصنعه إلا الإصلاحيون المؤمنون. وهنا تبرز المفارقة التي يحاول الروابدة إلقاء الضوء عليها، حيث غالبية ساحقة من أعضاء لجنة تحديث المنظومة إما خارج العمل الحزبي في الماضي أو من الخصوم الحقيقيين طوال الوقت للعمل الحزبي، لكن تلك قد لا تكون حجة على اللجنة وعملية تحديث المنظومة، لا بل قد تكون حجة لصالحها إذا قدر للمؤسسات أن ترتقي إلى مستوى الرؤية المرجعية في السياق، وحجة لصالح المنظومة إذا توقفت عملية تصنيع أحزاب الأنابيب، كما وصفها الشيخ سالم الفلاحات وراء الستارة، وإذا اكتملت الإجراءات وكانت بنفس المستوى والمنسوب؛ بمعنى التوقف عن خطوات تصعيدية وتعسفية تجنباً لخدش عملية تحديث المنظومة، الأمر الذي حصل فعلاً عدة مرات وفي أوقات متقاربة وتحت يافطة التجاذبات بين مراكز القوى داخل دوائر القرار وليس خارجه.
كان يفترض أن تمضي البوصلة إجرائياً بالتوازي مع التحديث التشريعي، لكن العملية التي بدأ بعض رموزها يشيرون إلى أنهم ليسوا مؤمنين جداً بمضمونها، تخدش بكثافة وبأظافر السلطة ومؤسساتها أحياناً. ومع استمرار الاحتقان الاقتصادي المعيشي، قد تصبح عملية تحديث المنظومة يتيمة مستقبلاً إذا لم تحصل استدراكات إجرائية قوية، وإذا لم يتنبه صناع القرار إلى احتياجات الشرعنة والشرعية في حواضن المجتمع ومفاصله بعد حصولهم على كل الضمانات اللازمة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى