اراء و مقالات

الأردن على حافة «الراتب والوظيفة»… ومعلم يسأل الوزارة: «لماذا يجوع أطفالي؟»

عبوة «كاز» على بوابة «رأي» الحكومية

عمان – «القدس العربي»: معلمون وصحافيون أو موظفون في قطاع الإعلام الرسمي، في الاعتراض والاعتصام والاحتجاج مجدداً.
يمكن الاستدلال بما حصل خلال اليومين الماضيين في مكاتب وزارة التربية والتعليم الأردنية وصحيفة الرأي الحكومية، للتحدث عن احتمالية العودة لسيناريو الرواتب وأزمة المعيشة والوظائف والتشغيل، وتلك الفعاليات الغاضبة والساخطة اقتصادياً التي بدورها يمكنها أن تتدحرج في عمق مؤسسات القطاع العام.

عبوة «كاز» على بوابة «رأي» الحكومية

صحيح أن الصخب في مقرات «الرأي» ووزارة التربية كان جزئياً، لكن الهتافات الساخنة والعبارات الحادة ظهرت مجدداً في وقت تتطور فيه، ولأسباب متعددة، آليات الاشتباك في المزاج الشعبي مع حالة قابلة للتصعيد عنوانها غموض سياسي يتكرر ويتكرس تحت عنوان تحديث المنظومة السياسية في البلاد، لكن دون حاضنة اجتماعية.
بحضور «القدس العربي» وعلى هامش جلسة عصف ذهني، وفي سياق تبادل التقييمات، كان رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز يعلق رداً مصراً على أن الرؤية العميقة تؤسس مستقبلاً في المجال الحيوي لإنشاء المنظومة السياسية، لكن في التنفيذ وغياب التأثير المباشر في الجمهور ثمة أخطاء رصدت، وإن كانت المصلحة الوطنية تتطلب تجاوزها وتجاهلها.
بعيداً عن حوارات النخب، الصخب في وزارة التربية والتعليم وصحيفة الرأي ينبغي الوقوف عنده مجدداً، وسط القناعة بعد غياب الإصلاح الأفقي الشامل الحقيقي، كما يقول السياسي مروان الفاعوري، بأن أزمة القطاع العام يمكن أن تتجدد خصوصاً مع غياب خطط حكومية فاعلة، وإن كان الاعتراض في صحيفة الرأي على الأقل ليس من السهل تفسيره على أساس القطاع العام.
بالنسبة للغاضبين من موظفي أعرق صحف البلاد، مجلس إدارة الصحيفة متعثر؛ فالرواتب تأخرت لـ 7 أشهر، وتم فصل 6 موظفين تعسفاً وبعد اتهامهم إدارياً بالتأزيم، وأمام مقر الصحيفة الرسمية الأولى كان أحد الموظفين يحمل زجاجة في مادة الكاز ويلوح بحرق نفسه، فيما تدخل نقابة الصحافيين على الخط وتقرر بعيداً عن التأصيل القانوني عقوبة فصل رئيس مجلس الإدارة وأعضاء المجلس، وهو قرار سياسي ومهني فقط لا يدخل في سياق الصلاحيات.
في كل حال، تعاني صحيفة الحكومة من أزمة مالية حادة، وتعاني معها بقية اليوميات الصحافية، والمعترضون في أروقة الرأي تحديداً يرفعون من مستوى الهتاف الساخط ضد مجلس الإدارة وهم يحملون صور الملك شخصياً لتأكيد خلو تحركهم من أي أجندات، ولإظهار أن المسألة متعلقة بالرواتب فقط.
في مكاتب مجاورة لوزير التربية والتعليم، جلس معلمون في حالة اعتصام أيضاً لها علاقة بالرواتب والحديث عن الرزق، مما يوحي ضمنياً باحتمالية عودة التصعيد في ملف نقابة المعلمين الشائك، وشوهد أحد المعلمين يصرخ في وجه أحد كبار موظفي الوزارة قائلاً: «راتبي منذ عام ونصف ديناران و70 قرشاً.. أرجوك، قل لي لماذا يجوع أطفالي وأطفالك في أمان؟».
طبعاً، مثل هذه الاعتصامات لا علاقة لها بقريب أو بعيد بأزمة رواتب في القطاع العام للموظفين، حيث لا توجد -كما أكد أمام» القدس العربي» محمد العسعس- مؤشرات أزمة من هذا النوع، لكن المسألة تتعلق بسعي موظفي «الرأي»، وهي مؤسسة مستقلة، لضمان رواتبهم المتأخرة عبر الضغط على الحكومة لضخ المال في الصحيفة الضخمة المتعثرة.
وتتعلق أيضاً بمعلمين يبدو أنهم عوقبوا سياسياً وأمنياً بقرارات إحالة على الاستيداع، فتضررت أرزاقهم، وهو أمر يثير حساسية قادة الحراك التعليمي النقابي بالرغم من أن النقابة معلقة، فالمسألة مرتبطة بالأرزاق الآن وبأزمة معيشية تتفاعل، وإن كان الرئيس الفايز يصر على أن المطلوب في المجال الاقتصادي اليوم إنجاز حقيقي على الأرض، بعيداً عن التنظير وبسرعة، مؤكداً بأن تلك هي التوجيهات الملكية لمجلس الوزراء.
الأهم هو أن هتاف وصخب الموظفين في وزارة التربية وصحيفة الرأي قابل للانعكاس والإسقاط السياسي بعد الآن؛ بمعنى أن احتمالية تكراره في أكثر من موقع ولو بالقطعة والتقسيط، تقفز كسيناريو محتمل ومرجح في الشركات والمؤسسات شبه الرسمية أو المستقلة بعد الترنح اقتصادياً واستثمارياً وتجارياً نحو عامين بسبب فيروس كورونا. وهنا يعيد الوزير العسعس التذكير عندما تستفسر «القدس العربي» منه عن الأولويات بأن مسألة التوظيف والتشغيل تحظى بالصدارة في اهتمام القيادة وتوجيهاتها، بمعنى أنها لا تتعلق فقط بدعم وإسناد بيئة اقتصادية واستثمارية تؤدي إلى إنتاج وخلق المزيد من الوظائف فقط، بل تمكين المؤسسات والقطاع الخاص وبقية قطاعات الخدمات والتجارة من الحفاظ على الوظائف التي يشغلها الأردنيون اليوم.
«تلك مسألة في غاية الأهمية، وإن كانت صعبة فهي ضرورية جداً».. يتفق العسعس مع مثل هذا الطرح في إطار السعي للرؤية الإصلاحية الهيكلية للاقتصاد الوطني. في المقابل، يرتفع الهوس البيروقراطي الرسمي بالحفاظ على الوظائف القائمة دون أن يمنع ذلك بعد صعود نماذج من الاعتصامات في السياق المعيشي، كما حصل في «الرأي» و»التربية».
وبلغة الأرقام التي تعكس تعطش الأردنيين للأمان الوظيفي، ثمة رقم كبير جداً من الشباب الذين تقدموا بعشرات آلاف الطلبات بعدما أعلنت مديرية الأمن العام عن فتح باب التجنيد لعدة شواغر.
في كل حال، يقرع ما حصل في «الرأي» والوزارة جرساً مقلقاً وفي وقت ليس سراً أنه حساس، حيث خطاب حكومي يطالب بالصبر والتروي وتدوير الزوايا، يقابله خطاب شعبي وأحياناً شعبوي يعلن بأن النمو الكبير في عدد الساخطين والغاضبين من المواطنين يوحي بأن مسألة الاحتقان المعيشي تقترب من الحاجة وحافة الجوع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى