اراء و مقالات

فاتورة أردنية: لماذا شعرت عمان بـ«الفزع» بعد محاولة اغتيال رئيس الحكومة العراقية؟

«نتحدث مع الكاظمي ومن أجله فقط»

عمان – «القدس العربي» : لا يخفي رموز المؤسسات الأردنية ومنذ أشهر مؤشرات الرهان الكبير على بقاء واستمرار تجربة ومشروع رئيس الوزراء العراقي الدكتور مصطفى الكاظمي، الأمر الذي يعني فوراً وتلقائياً الضرب على كل الحساسيات والأوتار العصبية السياسية والأمنية الأردنية بمجرد الإعلان عن نجاة الكاظمي من محاولة اغتيال ستثير بالتأكيد من التداعيات الكثير في الأيام القليلة المقبلة.
سياسي ودبلوماسي أردني يعمل على ملف العراق سمعته «القدس العربي» قبل أيام فقط وهو يحاول تشخيص الأسباب التي تدفع بلاده إلى الرهان على الكاظمي وحمل تجربته أردنياً قدر الإمكان على أساس مساحة مشتركة تم التوافق عليها مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. يسأل سياسيون كبار عن كيفية الحرص على إنجاز مصالح الأردن عبر الغرق في الرمال المتحركة العراقية بواسطة التحدث مع الكاظمي فقط ومن أجله إقليمياً ودولياً بالتوازي مع إسقاط قواعد الدبلوماسية القديمة التي كانت تحرص على التحدث مع جميع الأطراف في الوقت نفسه.
لكن المؤسسة الأردنية ولأسباب لها علاقة بالرهان المشار إليه على الكاظمي فقط وحصرياً، لا تصرف أي وقت في الانتباه لا لمقولة التنويع في الخارطة النخبوية العراقية والتحدث مع جميع المكونات والأطراف، ولا لمقولة التقدم خطوة دبلوماسياً من أي صنف نحو إيران على أمل تحقيق اختراقات لصالح شبكة منظومة المصالح الأردنية في السوق العراقية.

«نتحدث مع الكاظمي ومن أجله فقط»

ذلك أمر تعلم «القدس العربي» انه يربك أحياناً حتى الطاقم الدبلوماسي الأردني في العاصمة بغداد.
وظهرت بعض مؤشراته في اللقاءات الأفقية غير المدروسة التي أجراها وفد برلماني أردني عريض في العراق قبل عدة أسابيع أرسل بهدف التشبيك مع بعض القوى العراقية، فيما فوجئ الوفد بأن من التقاهم من قيادات الكتل البرلمانية العراقية وبعض المسؤولين يركز فقط على جزئية التعامل البيروقراطي الأردني السيئ مع المستثمرين العراقيين بصفة خاصة.
الأهم وقبل أيام قليلة من محاولة اغتيال الكاظمي التي فشلت، كان الحديث عن الرهان الأردني للرجل محور نقاش في جلسة خاصة تشاورية عقدت في القصر الملكي بحضور 8 سياسيين أردنيين كبار ومخضرمين وبغطاء ملكي مرجعي.

امتداح الكاظمي

في تلك الجلسة تحديداً استخدمت تعبيرات وعبارات تشرح وتوضح حجم وبوصلة الرهان الأردني وعلى أساس أن بقاء مشروع وحكومة الكاظمي في السلطة أصبح هدفاً إستراتيجياً أردنياً ومصرياً بامتياز.
في ذلك اللقاء أيضاً استعملت عبارات محددة في امتداح الكاظمي والرهان عليه.. «هذا رجل سيغير في شكل العراق، وبالتالي في المنطقة والإقليم».. وأيضاً مثل «تثبيت تجربة الكاظمي مصلحة استراتيجية عميقة للأردن». طبعاً، تشرح مثل هذه العبارات لماذا تضع عمان بيضاتها بكثافة في سلة الكاظمي دون غيره.
لكن على المستوى الأعمق، يلاحظ سياسيون أردنيون كبار بأن البقاء في حالة احتضان لتجربة الكاظمي فقط دون غيره من مرشحي قواعد اللعبة العراقية قد يؤدي إلى خلل في البوصلة الأردنية نفسها.
وهنا تحديداً يبلغ شخص مثل إياد علاوي، أصدقاء أردنيين بأن عليهم الانتباه أكثر في الأيام المقبلة، لأن درب الكاظمي ليست ميسرة أو سهلة، ولأن عدم التحدث مع الأخرين والبقاء فقط مع الكاظمي قد يلحق ضرراً بالمصالح الأردنية.
تسمع نصيحة العلاوي ولا تنقل، فالحماسة الدبلوماسية الأردنية للكاظمي وتجربته تتحرك بجرعة كبيرة من الصعب حتى تقسيطها. والسبب على الأرجح انفتاح الكاظمي نفسه على الأردنيين، ووجود علاقات متينة وتعاون كبير بينه وبينهم عندما كان رئيساً لجهاز المخابرات العراقي، لكن مقاربة المصالح الأردنية في العراق تتطلب طوال الوقت حرصاً أكبر على التحدث مع الجميع، وعدم ترك العامل الإيراني في إطار العزلة السياسية، في اقتراح سمعته مباشرة «القدس العربي» من سياسي ثقيل الوزن هو رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، الذي يصر على مقاربات أردنية وطنية في المصالح الإقليمية وحتى في الداخل الأردني تقرأ بعمق تحولات العالم والمنطقة والإقليم.

خطوتان

في كل حال، هزت محاولة اغتيال الكاظمي الغربال الأردني، وهي تعني الكثير بالبعد الأمني والمسار السياسي حتى وإن فشلت، لأنها توحي ضمنياً واستخبارياً بأن مشروع الكاظمي لا يمكن وصفه بالعبور الآمن حتى الآن على الأقل، وبأن متطلبات بقاء الرجل وحكومته لا تقف عند حدود تضامن الأردن أو أحضان السيسي أو مباركات طاقم جو بايدن عن بعد.
ما يمكن قوله وملاحظته أن الحماسة الأردنية المفرطة للكاظمي قبل محاولة الاغتيال صباح الأحد والتي أقلقت جميع الأطراف لا يتفق حتى مع تقديرات تقارير ميدانية أو دبلوماسية صديقة تقترح عدم التصرف مع ملف الكاظمي باعتباره الشخصية العراقية الوحيدة القابلة للعبور، كما تقترح توقف الاعتقاد دبلوماسياً بأن مصالح الأردن محفوظة تماماً دون التقدم بخطوات نحو طهران أو التحدث معها وتقديم بعض التنازلات، في الوقت الذي تقترح فيه تلك الأوساط الدبلوماسية بالتوازي خطوتين في غاية التعمق، وهما: أولاً، الانتباه لعدم وجود معلومات أردنية طازجة وميدانية عن طبيعة اتصالات ومفاوضات الكاظمي نفسه مع الإيرانيين.
وثانياً، الانتباه أكثر، لأن التيار الصدري لديه عدة مرشحين في المرحلة المقبلة، وقد لا يكون الكاظمي أوفرهم حظاً. وعليه، فما يقال في اجتماعات مغلقة أردنياً من تقديرات بعنوان «بصمة الكاظمي وتقدم التيار الشيعي العربي في العراق» قد لا يكون دقيقاً بصورة كبيرة، وقد لا يصلح كأساس للرهان فقط على الكاظمي دون غيره. تلك معطيات وتقديرات وردت في تقارير لشخصيات أردنية، وفي بعض الأحيان يتجاهلها المستوى الدبلوماسي. لكن الأهم هو أن عمان شعرت بالفزع الأمني والسياسي بمجرد الإعلان عن محاولة اغتيال الكاظمي الفاشلة، مما يفسر طبيعة ونوعية العبارات التي استنكرت وشجبت باسم وزارة الخارجية والديوان الملكي، وبلغة غير مسبوقة، ما حصل الأحد مع الرئيس الكاظمي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى