اراء و مقالات

في مظاهرات عمان نصرةً لغزة: ملثمون وهتافات «دينية» وزخم جماهيري ومحاولة اقتحام السفارة الإسرائيلية

الاحتجاجات في الأردن «تتصاعد» في النصف الثاني من رمضان

عمان ـ «القدس العربي» : المستجدات التي فرضها إيقاع الشارع الأردني في ليلة اعتصام رمضانية بامتياز بعد صلاة تراويح الاثنين، ليست من الصنف الذي يمكن إغفاله في سياق تدحرج تأثيرات القصف الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، لكن في عمق الساحة المحلية هذه المرة.
التظاهرة الاحتجاجية التي امتدت إلى ليلتين رمضانيتين في عمق العاصمة عمان قرب السفارة الإسرائيلية التي يفترض أن مكاتبها خالية، كانت الأضخم من حيث الزخم والجماهير منذ يوم 7 أكتوبر في الشارع الأردني وتخللها شعارات وهتافات دينية الطابع هذه المرة، وهو ما يحصل أيضاً لأول مرة.
لافت جداً في حضور الأردنيين الكثيف مساء الاثنين حتى فجر الثلاثاء وفي نفس المكان ولليلة الثانية على التوالي، أن هذا التحشد بعد صلاة التراويح في يوم الاثنين منتصف الأسبوع وليس بعد صلاة الجمعة نهاية الأسبوع.

اقتحام السفارة

لافت جداً أيضاً وبوضوح أن سلطات أمنية وإزاء موجة بشرية غير مألوفة تجمعت في محيط ضاحية الرابية حيث السفارة الإسرائيلية اضطرت للتعامل مع الأمر الواقع ولم تحتك بالموجودين إلا نادراً، وحصرياً عندما حاولت مجموعة من الشبان المتظاهرين اقتحام مكاتب تلك السفارة. وصل المحتجون إلى بوابة البناية والزقاق وبين الاقتحام الفعلي لمكاتب السفارة والحرص بنعومة أمنية أعقبت ليلة خشنة أمنياً كان يمكن أن يشاهد الجميع مئات الأردنيين يخترقون فعلاً مقر سفارة العدو.
وأظهر المحتجون هنا في عمان أن الشارع لم يتعب بعد، وأن ما يحصل في غزة سيبقى في عمق المعادلة، حيث يفيد الإسلاميون وهم من الجهة المنظمة الأساسية لنشاط صلاة التراويح في النصف الثاني من شهر رمضان المبارك، بأنهم ليسوا وحدهم في ميدان الاحتجاج.
عائلات أردنية بأكملها بدأت توجه رسالتها بالحضور، ومئات الشبان يفطرون على الأرصفة قبل الصلاة، لا بل ظهر لأول مرة أيضاً مئات من النشطاء الشبات الملثمين الذين لا تعرف سلطات الأمن هويتهم ولا انتماءهم، وما بدا عليه الأمر بعد صلاة تراويح الإثنين أن رسالة الشعب الأردني بالرغم من كل المظاهر الأمنية، يرفض الاحتلال ولا يريد سفارته في عمان. واستفسرت «القدس العربي» من قيادي في الحركة الإسلامية عن سر الزخم الجماهيري في ضاحية الرابية الذي لم تعد تفهمه السلطات، فأشار إلى أن التضامن مع ضحايا القتل في غزة شيء، والسماح للجيش الإسرائيلي بالاعتداء على النساء الفلسطينيات شيء آخر لا تسامح معه.

الاحتجاجات في الأردن «تتصاعد» في النصف الثاني من رمضان

وأعاد القيادي نفسه فكرة الزخم الذي ظهر من عشرات الآلاف من الأردنيين إلى المنقول في الرواية عن عمليات اغتصاب في مستشفى الشفاء في غزة، وهو ما انتبه له علناً الناشط النقابي البارز ميسرة ملص، عندما غرد قائلاً إن تلك المعلومة عن حالات الاغتصاب رغم ثبوت عدم دقتها، دفعت بالشعب الأردني لتوجيه رسالة.
لأغراض الاحتواء والتهدئة إزاء سيل جارف ظهر في الشارع فجأة وبدون تنظيم محدد، اتجهت سلطات الأمن لخطوتين: الأولى تجنب الاحتكاك بالمجاميع والتمركز في محيط مقر السفارة فقط لمنع اقتحامه في ليلة شبهها ناشط بارز بليلة القبض على مقر السفارة.
وثانياً، أفرجت السلطات الأمنية عصر الإثنين عن نحو 100 من الموقوفين الشباب الذين اعتقلتهم في محيط السفارة نفسها مساء الأحد في رسالة يقول فيها الأمن إنه ليس معنياً بالتصعيد، فيما تم التحفظ على ثلاثة ناشطين فقط بعد الإفراج عن 100 منهم تقول السلطات إنهم رصدوا في حالة تحريض على رجال الأمن.
ما بدا في المقابل، أنه أكثر أهمية سياسياً في الواقع ليلة الاثنين على الثلاثاء هو ظهور هتافات دينية وسط الشباب لا تنتمي للمألوف في هتافات التيار الإسلامي الأردني فقط. وهو أمر يعيده القيادي في الحركة الإسلامية رامي العياصرة، إلى وعي الأردنيين بعد تسريب لأنباء عن حالات اغتصاب، علماً بأن السلطات الأردنية طوال الوقت تحذر الجميع في العالم من الوصول إلى بدايات لا نهايات لها، بعنوان الصراع ديني الطابع.

خطاب متطرف

الأنباء التي استفزت الأردنيين ودفعت أكثر من 50 منهم على الأقل للتجمع بعفوية قرب أسوار بناية فيها مكاتب سفارة إسرائيل بعنوان حالات اغتصاب ترافقت مع حادثة مهمة، قوامها اقتحام وتدنيس المصلى القبلي في المسجد الأقصى.
عملياً، تعرف السلطات السياسية الأردنية الآن بأن النصف الثاني من شهر رمضان ما لم يتوقف العدوان وفي الترميز و«التلغيز» السياسي، قد يكون مختلفاً في الشارع الأردني إذا ما أظهر اليمين الإسرائيلي استرسالاً في التنكيل بالشعب الفلسطيني مع خطاب ديني، خصوصاً أن وزارة الخارجية الأردنية هي التي نبهت إلى أن قراءة نصوص دينية من جهة بنيامين نتنياهو وهو يتلوها بحضور الجنود قبل 3 أيام، مشهد تأجيجي للصراع الديني، فيما كان وزير الخارجية أيمن الصفدي نفسه قد حذر عندما تحدث مع «القدس العربي» من مغامرات هذا الخطاب المتطرف.

تفاصيل الاحتجاجات

ملثمون.. هتافات دينية.. زخم في الشارع وحضور جماهيري لا يقتصر على أنصار جماعة الإخوان المسلمين ومراوحة تكتيكية لسلطات الأمن ما بين الناعم والخشن يقررها الميدان ثم إصرار على اختراق مكاتب السفارة… كلها رسائل رمضانية شعبية أردنية مستجدة قد تعني الكثير داخلياً إذا ما استرسلت لاحقاً وتدحرجت الأزمة.
وفي تفاصيل الاحتجاجات شارك آلاف الأردنيين، مساء الاثنين، في وقفة تضامنية مع قطاع غزة طالبت بإغلاق سفارة إسرائيل لدى المملكة.
وأفاد مراسل وكالة الأناضول بأن آلاف الأردنيين شاركوا في وقفة أقيمت بعد صلاة التراويح في الساحة المقابلة لمسجد الكالوتي في منطقة الرابية في العاصمة عمان، على بعد مئات الأمتار من مقر سفارة إسرائيل لدى المملكة.
وشهدت الفعالية هتافات ضد إسرائيل وتدافعاً بين مشاركين وقوات الأمن الذين حاولوا تجاوز مكان إقامة الفعالية إلى نقطة متقدمة من مكان سفارة إسرائيل. واستجابت الحكومة الأردنية لمطالب الشارع، وقررت في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 سحب سفيرها من تل أبيب، ورفضت عودة سفير إسرائيل إلى عمان.
وخلّفت الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عشرات آلاف الضحايا المدنيين، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين، حسب بيانات فلسطينية وأممية، ما أدى إلى مثول إسرائيل للمرة الأولى، أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب «إبادة جماعية».

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى