اراء و مقالات

الأردن: وزراء مخنوقون و«أشباح» تعود وسخاء تفريط في «الولاية»: لا يوجد «كاش»… هل يفعلها «بشْر»؟

الشارع يريد في النهاية «دولة رعوية» اعتاد عليها

عمان- «القدس العربي»: قد لا يتعلق الأمر بالتطوع أو التبرع سياسياً بتقاليد الولاية العامة لمجلس الوزراء الأردني، بقدر ما يتعلق حصرياً بتعاظم الإحساس بالمسؤولية وحساسية المرحلة وبالامتنان للفرصة والثقة عند طاقم الدكتور بشر الخصاونة.
طاقم الخصاونة يعمل في ظروف معقدة للغاية قوامها تعاظم احتياجات الأردنيين الأساسية والقفز بين ألغام ما بعد عامي كورونا، والتمكن من إدارة البوصلة بأقل الخسائر إثر ملف الفتنة الشهير، فيما المتغير الإقليمي أشبه بالتجول بين الحرائق، على حد تعبير رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري.

الشارع يريد في النهاية «دولة رعوية» اعتاد عليها

الأهم هي تلك الإجراءات القاسية التي يضطر لفرضها وتغضب أو تقيد يد زملائه، وزير المالية الدكتور محمد العسعس، الذي أقر على هامش نقاش مع «القدس العربي» بأن الزملاء الوزراء منزعجون، لكنهم متفهمون بكل الأحوال؛ لأن إجراءات ضبط الإنفاق ومراقبته أساسية جداً ومحورية عشية التعافي الاقتصادي.

السؤال المحوري

في كل حال، يشتكي وزير عتيق أمام «القدس العربي»: لا توجد حركة مال مريحة للإنفاق، ونحن نكتشف فجأة بأن تعويد الأردنيين طوال عقود على تأمين الرعاية لهم في كل الأحوال تدفع ثمنه الآن حكومة بلا فائض مالي. ويقصد كما أوضح «لا يوجد كاش وسيولة»، وطبعاً لا توجد مخصصات لمزيد من الوظائف، والناس لا ترحم.
وضع عام بين الطاقم الوزاري يؤسس لحالة عمل في ظروف حساسة وبين تعقيدات يعلمها الجميع. ووسط كل هذه التعقيدات، واجب الخصاونة الاستمرار والمحاولة وبذل الجهد دون الزحام والمزاحمة وكلاسيكيات تقاليد ما يسميه المعارضون والحراكيون وأيضاً بعض السياسيين، بمضامين ودلالات الولاية العامة.
هل تضغط الظروف على الحكومة ورئيسها للتبرع العام بالولاية بين الحين والآخر؟ لكن المسألة ليست بالضرورة مرتبطة بالتطوع بقدر ما لها علاقة بالإحساس الحرفي بالمسؤولية وبإفساح المجال دون تنظير لحزمة تحديث المنظومة السياسية والاقتصادية في البلاد والنضال من أجل البقاء في مستوى الاشتباك الذي حددته الثقة المرجعية والعمل مع الناس في اليوميّ المرهق في الوقت نفسه.
حسابات الرئيس الخصاونة قد تكون خارج التشكيك، ولا يعرف كثيرون بأن الحكومة تعمل وتحاول ودون استرسال بالإفصاح، لكن الشارع يريد في النهاية «دولة رعوية»، تلك التي اعتاد عليها والتي يصفها وزير البلاط الأسبق مروان المعشر دوماً بأنها لم تعد لا قائمة ولا منتجة، فكل الظروف والاعتبارات تغيرت.
رغم ذلك، يحتاج رئيس الوزراء إلى دفعة قوية نسبياً تؤسس للتوازن، فمزاحمة الحكومة واردة بين الحين والآخر وسط تقاطعات الشللية والشخصنة، وأيضاً وسط تلك الحسابات بين مراكز القوى التي تتصرف بصيغة تصر على عرقلة الحكومة بين الحين والآخر. وهو وضع صعب ومحرج، لا بل غير منتج عندما يتعلق الأمر بالرغبة في الإنجاز، أو بما تحدث عنه يوماً رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عمر الرزاز بعنوان «صيانة الطائرة أثناء التحليق، لأن كلفة الهبوط فيها لأغراض الصيانة أكبر». لذلك، حصرياً، ينشغل الطاقم الوزاري بعدة مواجهات ومعارك يومية.
الشارع مهتاج، والمحرضون على حراكه وتحريكه كثر، ومنصات التواصل الاجتماعي لا ترحم وأرهقت الوزير قبل الغفير، والإعلام إما ميت أو مرعوب بصورة تدفع ناطقين باسم الحكومة أحياناً لتجنب أي نطق.
وفي الأثناء، التنظير العام للولاية كأساس دستوري أقرب إلى ممارسة التضليل فقط في ظل الواقع الموضوعي، والمبادرات اليتيمة الموجودة في الساحة هي تلك التي يرعاها أو تحظى بغطاء القصر الملكي.
كيف يمكن لأي حكومة أن تعمل بنشاط وإنتاجية في ظل ظرف معقد من هذا النوع؟
الإجابة على سؤال من هذا النوع حمالة أوجه أيضاً. والمسافة بسبب اعتبارات يعلمها الجميع قصيرة جداً ما بين الاستسلام للواقع الموضوعي ومحاولة تأسيس حالة توازن تخفف الخسائر، خصوصاً أن رئيس الوزراء الحالي زاهد بالأضواء والاستعراض ومزاعم السلطة والتسلط والبطولة، ويغرق في الأثناء بين الملفات والتفاصيل واليوميات.

إرهاق شديد

مشكلة الخصاونة الوحيدة في حال الحفر في الأعماق، ستبرز في حكومات المستقبل؛ فالرجل قد يكون إدارياً وقانونياً وسياسياً، وهو بحكم قربه من القصر الملكي الأقدر على المناولة والمناورة والتكتيك وإعادة رسم ولو بجزء من هيبة مجلس الوزراء وسلطة التنفيذ، والعمل على تثبيت ولو حصة في دور الحكومة. يقولها أحد أهم حلفاء الخصاونة في البرلمان: إذا لم يفعلها بشر الخصاونة، لن يفعلها مطلقاً من سيأتي بعده. تلك عبارة قد تكون مجرد انطباع.
لكن الخائفين من استمرار التفريط بمبدأ وتطبيقات الولاية العامة لمجلس الوزراء، وهم كثر بالمناسبة، يتأملون بأن لا يسهم المجلس الحالي بتضييق الخناق وتقييد أرجل وأيدي ومخالب المجالس التي ستعقبه. وبالتالي، يفترض مخلصون لمشروع وتجربة الخصاونة بأن عليه التحرك نحو استعادة التوازن، وأنه مؤهل لذلك.
على جبهة موازية وفي الجزئية نفسها، يشعر الوزراء جميعاً بإرهاق شديد ليس جراء العجز عن تلبية مطالبات واحتياجات مجلس النواب فقط، لكن جراء الاعتداءات المستمرة والاستعراضات التي يوقعها مجلس النواب الحائر بدوره وهو يبحث عن أي بصمة أو دور في أي زاوية أثناء التعرض لجلدات سوط الرأي العام.
الموقف معقد جداً، ويزداد التعقيد من خلال العودة الملموسة وغير الميمونة لظاهرة «حكومات الظل» التي تعمل بنشاط لالتهام ما تبقى من حصة الحكومة في الواقع الموضوعي، وتتمكن من «السطو» على دور السلطة التنفيذية بالقطعة والتقسيط وبشكل يومي تحت لافتة الانسجام مع التوجيهات الملكية والمرجعية، وذلك بعملية انتهازية، سياسياً وبيروقراطياً، تجمع أو تحاول إعادة تجميع نفوذ مجموعة الأوتوقراط ومعها مجموعة الليبراليين، وذلك خطر للغاية ومغامر جداً حتى في رأي خبير اقتصادي محايد تحدث مع «القدس العربي» هو الدكتور أنور الخفش.
ثمة ذكريات مؤلمة وموجعة للأردنيين في تجربة حكومات الظل، خصوصاً فيما بعد عام 2005 إلى عام 2010.
وثمة قرائن اليوم ليس على تيه وضجة واستياء وانزعاج الوزراء الذين يشاركون في ورشات عمل في الديوان الملكي، لكن على محاولة متكررة لإعادة إحياء الأشباح، مع أن الحكومة الحالية تبدو سخية أكثر من غيرها في التنازل عن الولاية العامة أحياناً لأغراض المصلحة العليا، فيما يقترح المراقبون جميعاً وهم يشاهدون عودة سطوة خلايا الظل إياها سؤالاً عميقاً جداً يختتم القراءة الوطنية: هل نتحدث اليوم عن هندسة ليبرالية أوتوقراطية جديدة تخدم المستثمرين فقط؟ أين فكرة خدمة المواطنين؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى