اراء و مقالات

«الإبط» الأردني عندما يحمل «الملف السوري»: الجنرالان أيوب وحنيطي و«هندسة» مثيرة لأوراق مبعثرة… كيف ولماذا؟

إعادة فتح معبر حدودي غداً واجتماعات وزارية في عمان تبحث «التطبيع الاقتصادي»

عمان – «القدس العربي» : يمكن قراءة الإطلالة الفريدة التي قام بها إلى عمان رئيس الأركان السوري الجنرال علي أيوب، مؤخراً، باعتبارها وقفة مع الذات الأردنية أولاً، ومع شريك سوري محتمل يتشكل الآن ثانياً، وبقوة دفع غامضة أعقبت زيارة مهمة قام بها لواشنطن قبل أكثر من شهر الملك عبد الله الثاني.
الجنرال أيوب حل ضيفاً على نظيره الأردني الجنرال يوسف الحنيطي، والثاني يناور ويحاور ليس باسم المؤسسة العسكرية فقط، ولكن باسم بلاده أيضاً، وباسم دعم علني من رؤية ملكية أردنية جديدة، تحدثت علناً وبجرأة وبوضوح مع الأمريكيين عن ضرورة وقف مشاريع ومحاولات إسقاط النظام السوري، لأنه لن يسقط باختصار.
الدوائر الأردنية العميقة اقترحت خلف الستارة على الأمريكيين إستراتيجية تحريك الأمور مع الرئيس السوري بشار الأسد تحت عنوان إصلاح أداء النظام السوري بدلاً من البقاء في منطقة الرغبة في تغييره، وعلى أساس أن معادلات الداخل السوري والإقليمي لا تسمحان بذلك.
طرق الأردن الباب الأمريكي بقوة في المسألة السورية، ولم تكن خطوته -برأي المحلل السياسي المتابع الدكتور أنور الخفش- من باب الدفاع عن مصالح الذات فقط، كما قال لـ«القدس العربي» بل في باب وضع إستراتيجية أفقية لتسكين الأزمات والعودة لالتقاط الأنفاس مجدداً في المنطقة، ووقف عبثيات الصراع. وبرأي الخفش، الأردن مؤهل جداً بميزة انفرادية تمكنه من العمل مع جميع الأطراف.

إعادة فتح معبر حدودي غداً واجتماعات وزارية في عمان تبحث «التطبيع الاقتصادي»

عدة ملفات سورية حملها «الإبط» الأردني معاً في الأسابيع القليلة الماضية، فبعد اقتراح وقف العمل في برنامج إسقاط النظام السوري، حظيت عمان بمباركة أمريكية لثلاث أفكار أساسية، من بينها فتح الحدود وتبادل الصادرات مع السوق السورية أولاً، وثانياً المضي قدماً بترتيبات أمنية الطابع تحت عنوان الأمن الحدودي الأردني حصرياً. وثالثاً دعم الاقتصاد الأردني بتوفير فائض قد تصل قيمته إلى مليار دولار إذا أنجز فعلاً على الأرض مشروع تصدير الكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر الأراضي السورية، بالإضافة إلى اهتمام مشترك مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بعنوان عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية.
زار وزير الطاقة السوري عمان لأول مرة منذ عام 2011 في السياق نفسه، وشوهد وزير الداخلية الأردني مازن فراية على رأس وفد كبير يبادر بتدشين خطة إعادة فتح معبر جابر الحدودي الضخم للمرة الثانية، وعلى أساس يمكن أن يعود بالعلاقات الشعبية والتجارية بين البلدين إلى ما قبل مرحلة عام 2011.
ولاحقاً، اقتنع الطرفان، وسط ملامح عودة صداع درعا إلى الرأس الأردني، بأن الترتيب بين الدولة العميقة في الجهتين هو الأساس. والمنطلق لتأمين وحماية واستناد إي جهد سياسي أو دبلوماسي قد يقفز بالعلاقات الثنائية في المستقبل القريب إلى مستوى الاشتباك مع حالة تسمح للأردنيين بالاستثمار، أمريكياً ودولياً، في احتياجاهم الاقتصادية لاستثناء عمان من مقتضيات ومتطلبات قانون قيصر الأمريكي الذي يحاصر الدولة السورية.
حتى عائلة السفير السوري الشهير الذي طرد من عمان، بهجت سليمان، صفقت قليلاً لمقتضيات الحوار السوري الأردني العميق، فأعلن أحد أنجال السفير الجنرال سليمان المترصد الكبير في الأردن، بأن مراكز القرار في عمان عممت بعدم استخدام تعبيرات باسم النظام السوري في اللغة الرسمية الأردنية.
كان لافتاً للمراقبين أن نجل السفير سليمان هو الذي أعلن هذه المعلومة، من باب النكاية على الأرجح، بعد تفاعلات زيارة الجنرال أيوب إلى عمان. وهي عملياً زيارة مهمة في كل الأحوال، ومقابل تلك المعلومة يفترض المراقبون الخبراء بأن النافذة التي فتحت مؤخراً في جدار الصمت الأردني السوري المشترك، تدفع في اتجاه وقف التعليقات الساخرة أو التي تسيء إلى الأردن من قبل بعض أعوان وأنصار النظام السوري.
وحده القطب البرلماني إسلامي الميول صالح العرموطي، اعتبر علناً رئيس الأركان السوري غير مرحب به في الأردن، لكن يمكن ببساطة ملاحظة أن حزب التيار الإسلامي الأهم في البلاد لم يتطرق إلى زيارة الجنرال أيوب لا من قريب ولا بعيد، ولم يعلق عليها، في الوقت الذي اعتبرت فيه هذه الزيارة مؤشراً لتطبيع سريع جداً ينمو في العلاقات بين الجانبين.
كما أن الزيارة ثمرة أو نتيجة لسلسلة تفاهمات حدودية عميقة بين البلدين انشغلت بها المؤسسات الأمنية طوال الأسبوعين الماضيين، حيث جنرالات وضباط كبار في عمان ودمشق بعيداً عن الأضواء يمكن أن ينسب لبعضهم الفضل في استعادة أجزاء من الثقة المتبادلة، تمهيداً لحوار الوزراء والحكومات ولغيرهم من كبار المسؤولين في الجانبين، ولتبادل الزيارات.
التفاعل الحاصل وبسرعة وصلابة بين عمان ودمشق لافت جداً للنظر.
والجديد في هذا التفاعل أنه يفترض أن يقود أولاً إلى نتائج ملموسة على الأرض.
ويؤدي ثانياً، إلى إزاحة أو زحزحة الفيتو الأمريكي، الذي منع طوال سنوات الأردن من التفاعل تجارياً ونفطياً مع السوريين ولو بالقطعة، أملاً في أن يقدم لعمان لاحقاً أدلة وقرائن تثبت إمكانية نجاح استراتيجية تجاوز عقدة البقاء في حصار سوريا أو إسقاط نظامها دون أمل أو نتيجة.
الأيام القليلة المقبلة قد تشمل خطوات إضافية أوسع على درب استعادة الثقة في طريق عمان – دمشق الشهير.
أطراف عدة في العاصمتين ينبغي أن تتفاعل الآن، وعدة أطراف عليها أن تصمت، والمسؤولون البيروقراطيون تحديداً برسم تغيير اللهجة قبل التمكن من إعادة افتتاح معبر نصيب الحدودي بناء على أسس قوية وأكثر رسوخاً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى