اراء و مقالات

الأردن: حكومة الخصاونة «تماسكت» وحادثة السلط «نكأت» الجروح

إطعام «الحكومة» للحراك والبرلمان «غير وارد»

الانطباع الذي يحاول الإعلامي والصحافي الأردني نضال منصور إنتاجه، بتقديره المتعلق بضعف جبهة الحكومة الحالية بعد تداعيات حادثة مستشفى السلط الحكومي، له ما يبرره على أرض الواقع.
الحكومة نفسها وعلى لسان رئيسها الدكتور بشر الخصاونة، بدت في مشهد تعلن فيه بأنها «ستصلح الأمور» إذا تهيأت لها الفرصة.
ما يقوله منصور وآخرون في المشهد السياسي والإعلامي يعني أن تلك الفرصة تهيأت عملياً وعلى الأقل في جزء مرحلي أولي منها دون أن يعني ذلك بأن حكومة الخصاونة ستحتفظ بأوراق قوتها في الواقع السياسي والبرلماني والشعبي نفسه بعد تداعيات حادثة السلط.
عملياً، احتاج صمود الحكومة في أول أيام الانفعال الشعبوي إلى تدخل وسطي من أعضاء مجلس النواب، وإلى إسناد ملموس وسط النواب على الأقل من قبل بعض أذرع الدولة، انتهى بنزع الدسم من مذكرة حجب برلمانية كان عدد من النواب قد بدوا طرق أبوابها.
فاتت فرصة حجب الثقة عن الحكومة برلمانياً، ومن الواضح أنه لا أضواء خضراء تسمح لمجلس نواب مثير للجدل أصلاً بالتهام حكومة تشكلت في ظرف استثنائي، وإن كان ضجيج الشارع بالعادة يساهم في تقليص فرصة الحكومات المتعاقبة، فقد يكون في ظل الفيروس والوباء إشارة هذه المرة بعد حادثة السلط الشهيرة إلى أن القرار قد لا يطعم الحكومة أيضاً لجشع الحراكات المشاغبة في الشارع.

إطعام «الحكومة» للحراك والبرلمان «غير وارد»

حصلت الحكومة نسبياً على فرصة أولى، وذلك بعدما عبرت من جلسة برلمانية عاصفة وقدمت بجرأة وعبر رئيسها الاعتذار للشعب الأردني عن «خطأ لا يمكن تبريره». في الأثناء، تصاعدت حدة الاحتجاجات الشعبية، وأظهرت السلطات الحكومية بدورها مرونة في احتواء وامتصاص ردود الفعل الغاضبة على حساب الوضع الفيروسي والوبائي، وقد عبر عن تلك المرونة الناطق باسم الحكومة الوزير صخر دودين، عندما أقر بحقوق التعبير واعتبر ارتفاع أصوات المواطنين دليلاً على أن الشعب الأردني حر.
تلك طبعاً وجبة براغماتية سياسية من الوزير دودين لا ينافسها إلا براغماتية الرئيس الخصاونة في الإقرار بالمشكلة والانحناء للعاصفة والاندفاع نحو التحقيق بما حصل، ثم تتويج كل هذه العملية في اتجاه ملموس للحكومة يلتزم علناً بـ»إصلاح الأمور».
هل يكفي ذلك لإصلاح الأمور حقاً؟
السؤال مطروح وفيه من الديناميكية السياسية الكثير، فحادثة المستشفى إياها أدت إلى تغذية خطابات وأحياناً فبركات المعارضة الخارجية، وانتهت بتأسيس حالة مزاجية تسمح بعودة الحراك الشعبي.
والحادثة أيضاً اضطرت بعض الشخصيات المعارضة الشهيرة، مثل المعارض ليث شبيلات، للظهور إعلامياً مجدداً، لا بل دفعت شخصيات وطنية متعددة ليست معارضة ولا حراكية ولا انتقائية للتحذير من ضغط قد ينتج عنه انفجار، كما قال الدكتور ممدوح العبادي علناً، أو من نيران مشتعلة في الاحتقان ينبغي أن لا يصب الزيت عليها تماماً، كما صرح الشيخ طلال الماضي.
حجم الكاظمين الغيظ كان أصلاً كبيراً ورقعتهم تزيد، على حد تعبير رئيس الوزراء الأسبق والسياسي الكبير طاهر المصري، الذي يجدد بين الحين والآخر تكرار دعوته لوقفة تأملية عميقة ولمقاربة وطنية أفقية جذرية.
الأمر لم يقف عند هذه الحدود، فحتى الأحزاب السياسية الكبيرة اضطرت لقول كلمتها.
وها هو حزب جبهة العمل الإسلامي، أكبر أحزاب المعارضة، يقولها في بيان علني مطالباً بتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وكالعادة وعلى الأرجح دون تفصيل وتشخيص ملامح تلك الحكومة الإنقاذية ولا طبيعة المهمة الانقاذية المطلوبة.
تتراكم البيانات والاجتهادات في حضن وحول الرئيس الخصاونة، ولم يعرف بعد ما الذي تقصده حكومته عندما تتحدث عن استعدادها لإصلاح الأمور، وما هي تلك الأمور بصورة محددة. ذلك يظهر بوضوح أن أزمة واقعة السلط نكأت كل الجروح السياسية، فالمعارضة تتحدث عن إنقاذ، والحراك يريد إسقاط النهج، والحكومة تقر علناً بأن الأمور تحتاج إلى إصلاح.
لكن على الجبهات الثلاثة لا أحد يتقدم بأي تفاصيل شاملة أو برامجية.
وعلى الجبهات الثلاثة نفسها، لا أحد يثق بأن إصلاح الأمور ممكن حقاً، وأن تغيير الوزارة يمكنه أن يبدل في المعطيات.
ولا أحد مقتنع بأن إصلاح ما تيسر من الأمور يمكنه إعادة التوازن، فمجلس النواب أخفق تماماً، ومجلس الوزراء أرهقته التعديلات والتجاذبات، ونسبة اليقين في الدولة تقل كما حذر المحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة.
والمواطن حائر تماماً بين كل هذه المعطيات، وجيوب عملية الإصلاح حتى في بعدها الإداري خالية من منظومة ضمانات لا يخفف من أهميتها تماسك الوزارة لاحقاً والعمل على «إصلاح الأمور» بعودة السيطرة في المشهد الذي جلس فيه الخصاونة إلى جانب الجنرالات لإعادة هيبة تعليمات الدفاع على أكتاف الانتشار الوبائي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى