اراء و مقالات

كيف تفكر «مؤسسة القصر» في الأردن؟… «تمكين وتحديث» و«التكرار» لـ«الشطار»

«الممكن الآن والأصعب غداً»

عمان- «القدس العربي»: حتى عندما يلتقي ولي العهد الأردني الشاب الحسين بن عبد الله مع النخب والفعاليات بتوسع، يسمع الزوار والمتفاعلون تلك العبارة المنطقية التي تقول «حسناً.. سنبدأ بإنجاز وإنتاج ما نستطيع تحقيقه الآن، وسنبحث فيما يحتاج إلى وقت أطول». تلك تبدو عبارة هادفة وعميقة تقرأ الواقع بصورة أفضل، وهو الانطباع الذي يخرج به اليوم كل من يلتقي بولي العهد.
سمعت «القدس العربي» تقييمات بعد لقاءات واجتماعات إما منظمة أو حصلت بالصدفة، تعكس المضمون المتوازن والواقعي لعبارة من هذا النوع. وقد لا يتعلق الأمر هنا برغبة في تأجيل بعض الملفات بقدر ما يتعلق بالحرص الشديد على منهجية قول وتعليق منظمة وسط مجتمع يعرف الجميع أن ثقافة الاستماع تحكم اتجاهاته. وعليه، الحفر في مثل هذه العبارة يعني مجدداً بأن أركان الدولة الكبار على الأقل في المستوى المرجعي يتجنبون ما يفعله المستوى التنفيذي بالعادة تحت عنوان الاسترسال في الأوهام، لأن البلاد عانت كثيراً من هذا النمط من الإشارات.

«الممكن الآن والأصعب غداً»

الإدراك كبير بحجم الإشكال، لكن الثقة أكبر داخل مؤسسة ومركز القرار- وليس بالشارع- بتوفر فرصة دوماً للابتعاد عن السلبية والإحباط والنظر للمستقبل، فما يسمعه متداخلون في القصر الملكي بوضوح بين الحين والآخر هو ذلك الإصرار على المضي قدماً إلى الأمام وتوفير مساحة من الاشتباك الإيجابي وفقاً لما ينقله ويقوله ويتوثق منه نائب رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، الذي يجدد عبر «القدس العربي» الدعوة إلى ترك التفكير العدمي والسلبي والانضمام إلى الحافلة الوطنية، حيث لا فائدة ترجى من البقاء في حالة الضجر والتذمر.
في المقابل، ثمة ملاحظات بالجملة في الاتجاه المعاكس لمشروع التحديث السياسي والتمكين الاقتصادي لا تقف عند حدود تعبيرات المعارضة أو الحراك الشعبي، بل تتجاوز في اتجاه النخب نفسها أحياناً. لكن ما قد يبعث على قدر من الاطمئنان هو تلك العبارات التي يتم تداولها بصيغة واقعية وتؤشر على إدراك موضوعي للمشهد ولا تفرط بالحماسة دون أن تستسلم لمستويات الإحباط، وعلى أساس الصيغة التي تقول بـ «العمل معاً من أجل الممكن الآن وبعد إنجاز الانتقال إلى العمل مع الأصعب أو من أجل الصعب».

تكرار مقصود

لا يرى مراقبون كثر على سطح الحدث تلك المؤشرات العميقة التي تعينها عبارات من هذا النوع، لكن في جزئيتي التمكين الاقتصادي والتحديث السياسي ثمة تكرار مرجعي مقصود على الأرجح للثوابت المعلنة بعد إنجاز وثائق مرجعية جعلت الحكومات الحالية واللاحقة محظوظة جداً، في رأي البرلماني المشتبك مع التفاصيل الدكتور خير أبو صعليك.
والتكرار هنا في الاجتماعات المغلقة والتعبيرات الإعلامية مقصود لذاته، كما فهمت «القدس العربي»، ليس بهدف إقناع واستقطاب كتلة المواطنين وشرائح المجتمع، لكن بهدف إبلاغ مؤسسات الدولة العميقة ورموزها ونخبها ومعهم «شطار الولاء والاتجاه العكسي» بأن القرار اتخذ ولا رجعة عنه، والتفاصيل ستراقب، والاستراتيجية الوطنية للدولة هي الآن في اتجاه التمكين الاقتصادي والتحديث للمنظومة السياسية.
يعني ذلك ليس فقط توجيه رسائل بمضمون مرجعي للمجتمع ونخبة الدوائر والمؤسسات، بل الإيحاء بأن التوجه جاد وحاسم ونهائي، ومن لا يلتحق من البيروقراطيين قد يجد نفسه خارج الوظيفة والدور؛ لأن ما يقال خلف الستارة لبعض أدوات الدولة والبرلمان هو تلك الرسالة التي تشير إلى أن الخطة التي تقررت وتم اعتمادها بمساري الاقتصاد والسياسية وسيلحقها مسار الإصلاح الإداري قريباً، لم تعد مجرد قرار سياسي، بل استراتيجية يتيمة للدولة برمتها.
ومن الطبيعي أن تقاومها أحياناً أو حتى لا تفهمها العقائد البيروقراطية الراسخة في كل الملفات والاتجاهات، الأمر الذي وضع من أجله سقف زمني مداه عشر سنوات على الأقل، ومن أجله أيضاً تبرز مقولات الصبر والتدرج؛ لأن المطلوب اليوم وحتى في رأي سياسي مشتبك بالتفاصيل مثل سمير الرفاعي، هو تأسيس مساحات إيمان وقناعات وليس الصدام مع الاتجاهات المعاكسة.

الشد العكسي

قوى الشد العكسي التي لديها داخل الدولة والقرار قناعات مخالفة أو تقاليد مستقرة في الاتجاه المعاكس للتحديث والتمكين، أمامها اليوم فرصة زمنية لإنتاج التحول ولدعم المسارات المتاحة، وتلك رسالة فيها الاعتقاد راسخ اليوم حتى في رأي الصفدي، بأن ما يسميه الشارع بالعادة بقوى الشد العكسي لديها فرصة زمنية لإعادة ضبط الإعدادات، فالجميع في مستويات القرار المركزي يتحدث عن التدريج وعدم الاستعجال تجنباً للصدام.
ولذلك، يمكن فهم رسالة مرجعية أحياناً من طراز تلك التي تقترح إنجاز الممكن مرحلياً وبصورة منظمة، ثم النظر بالمؤجل لاحقاً في هذا السياق الذي يتجنب الاستسلام لأغراض النجاح، وإن كان بطيئاً قليلاً لاحتمالات وسيناريوهات الصدام. ويبدو من المرجح هنا أيضاً أن الرسالة نفسها وجهت لمن أطلق عليهم يوماً وصف «الديناصورات».
آخر مقابلة للملك عبد الله الثاني شخصياً مع صحيفة الرأي الحكومية، طلب من النخب تجميد النقاش والعضوية في الصالونات السياسية والانضمام للأحزاب باعتبارها أداة الدور والمشاركة الوشيكة مستقبلاً. طبعاً، الشكوك موجودة وستبقى سواء في الدولة أو وسط الناس.
وفي الوقت الذي تملأ فيه بعض الأصوات الصاخبة مساحات التشكيك والشكوك تتكرس، فإن بعض الانطباعات في الاتجاه الموازي، وتتخذ قرارات لا يعلم عنها الجمهور، ثم تتكدس القناعة في المقابل بأن التدرج الزمني في التغيير والإصلاح كفيل بتجنب الصدام مع جميع أطراف اللعبة المحلية والوطنية، لكن مع التأكيد بأن القرار اتخذ، وبأن الاستراتيجية ليست موسمية، حيث التعبير المنحوت عن سياسي مثل طاهر المصري هو «الدولة المتجددة».
في المحصلة، في الحوار الصاخب ما بين القائلين بأن العربة وضعت أمام الحصان والذين يقابلونهم بالتأكيد على أن الحصان اليوم أمام العربة، ثمة حوار أقل صخباً وأكثر رشداً وصخباً، قوامه على الأقل القناعة اليوم بأن الحصان موجود والعربة موجودة، ويمكن تنظيم الارتباط بينهما بقليل من الإيجابية والتفاؤل والصبر أيضاً.
قال عضو البرلمان الناشط سياسياً عمر العياصرة، علناً، بأن القيادة وضعت الحصان أمام العربة، وعلى الرماة أن ينزلوا عن الجبل. ورد عليه الناشط النقابي أحمد أبو غنيمة، وعلناً أيضاً، بجملة توحي بأن العربة، يا قوم، لا تزال أمام الحصان، وبأن الحديث عن جبل ورماة لا يعكس الواقع. وبين الخطابين بالتأكيد ثمة معادلة يمكن الوصول إليها.
وبين الخطابين في التمكين والتحديث عبارة منهجية واضحة الملامح، قوامها العلمي والمهني لتجنب الاحتكاك ومغادرة الحائط من الجهة المقابلة هو إنجاز ما يمكن الآن، والتحدث عن الأصعب لاحقاً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى