اراء و مقالات

المُلحّ أردنياً: «تنويم مغناطيسي» للمدرسة القديمة في «إدارة الجسور»

وزير داخلية «مهتم» لكنه ليس «اللاعب الوحيد»

عمان- «القدس العربي»: وزير الداخلية الأردني الحالي الجنرال المتقاعد من المؤسسة العسكرية مازن الفراية، يظهر اهتماماً شديداً في تحصيل إجابة منطقية على السؤال التالي: ما الذي يمكن أن نقدمه على الجسور والمعابر لكي نخدم الشقيق الفلسطيني ونقدم له تسهيلات لائقة للانتقال والسفر؟
طرح الوزير الفراية هذا الاستفسار على أكثر من طرف وشريك، لكن يمكن القول بعدم ضرورة توفر الإمكانية، سياسياً وبيروقراطياً، لتلبية الاحتياجات للمواطنين الفلسطينيين على الجسور والمعابر، حتى عندما يقرر المستوى السياسي ممثلاً بوزير الداخلية معالجتها أو تلبيتها.

وزير داخلية «مهتم» لكنه ليس «اللاعب الوحيد»

المعنى هنا أن الوزير الديناميكي والمباشر والصابر عموماً مازن الفراية، لا يعرف الكثير أو لم يكن قبل توليه حقيبة الداخلية يعرف الكثير عن تفاصيل وإجراءات وسيناريوهات، وأحياناً أفلام وتعبيرات البيروقراط المحلي في انحيازه الإجرائي لتلك التفصيلات التي تعلق في ذهن أي مسافر على الجسور والمعابر.
ليس سراً هنا أن وزيراً حيوياً بمواصفات الفراية لا ينتمي إلى النادي التقليدي والكلاسيكي الذي كرس تقاليد في التعاطي الرسمي مع إجراءات المعابر والجسور طوال عقود، فيما بقيت جسور ومعابر عمان بمثابة الرئة الوحيدة أو اليتيمة التي يتنفس منها الشقيق الفلسطيني طوال كل تلك العقود، قبل أن تبرز مقاربة أو هجمة اليمين الإسرائيلي الجديدة، التي تقول للأردنيين والفلسطينيين وبصراحة ووضوح تام، إن تل أبيب قررت العبث وبطريقتها بملف الجسور والمعابر، وإنها في طريقها لتولي ما يسميه المنسق العام في جيش الكيان الإسرائيلي، بتسهيلات تنقل وسفر.
تل أبيب هنا وبكل اللغات واللهجات تقول ضمناً وعلناً للأردني والفلسطيني بأن المعطيات تغيرت.
في المقابل، صحيح أن وزير الداخلية الأردني يلتقط ما هو جوهري في المسألة ويظهر حماسة لتفويت الفرصة على الجار الإسرائيلي الذي ينتقل فجأة فيما يخص مصالح الأردن العليا بين صفتي شريك وخصم أو عدو بمعدلات قياسية غير مسبوقة. وصحيح أيضاً أن الوزير في موقف وموقع إجرائي متمكن من تعديل بعض الاعتراضات على الجسور والمعابر، لكنه ليس اللاعب الوحيد في الملف، وإن كان اليوم اللاعب الجديد، فمستوى التلاوم بعد بروز إشكالية مطار رامون الشهيرة بين الوزراء الأردنيين ظهر بوضوح مؤخراً.

لا رواية للحدث

وعندما برزت في تموز مشكلة ازدحام المعابر والجسور، تبين بأن الحكومة الأردنية ليس لديها رواية للحدث صلبة ومتماسكة، مما حرم الفلسطيني والأردني معاً من إجراء مقابل فيه قدر من الصلابة والتماسك. يحتاج الأمر حتى تعالج إشكالات الجسور والمعابر إلى ما هو أبعد وأعمق من اهتمام بيروقراطي يظهر عند الطاقم الذي يدير الأمور برفقة أي وزير للداخلية. والأردني المختص الخبير يعرف قبل الإسرائيلي، وبالتأكيد قبل الفلسطيني، أن الطاقم المعاون في مكتب وزير الداخلية بالعادة هو عنوان الإشكال جزئياً. وبالتالي، من الصعب ما لم تضغطه قوة الإرادة السياسية السيادية بوضوح، أن يتحول إلى جزء من معالجة المشكلة.
لا يوجد في عمق المشهد الوزاري الأردني من هو أكثر إلحاحاً من رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة على عملية بيروقراطية نظيفة وسريعة تفتح صفحة جديدة ومختلفة في مسألة المعابر والجسور.
قبل بروز أزمة رامون بعام على الأقل، لمح الخصاونة نفسه أمام «القدس العربي» إلى اهتمام حكومته بتحسين إجراءات استقبال أو سفر الأشقاء الفلسطينيين، وتحدث عن أهمية ذلك والسعي لتحسين مستوى الخدمة أردنياً، ولو أن الماكينة الديمقراطية استجابت منذ العام الماضي بكفاءة واحتراف، بتقدير رئيس الوزراء، لما ظهرت إشكاليات شهر تموز وما أعقبها من جدل سياسي وسيادي ضار جداً.
خلف الستارة يأمر الخصاونة وبإلحاح اليوم بإقامة منشآت وصالات أكثر لياقة على الجسور والمعابر مع فلسطين المحتلة، وتصدر منه توجيهات واضحة بأن يحظى التوجيه بالأولوية عند الطاقم، فيما ترصد المؤسسة الأردنية تلك التعقيدات التي نتجت ليس فقط عن نقاشات مطار رامون الإسرائيلي السلبية، لكن أيضاً -وهذا الأهم- قبل ذلك عن رصد تدخل مملكة المغرب الشقيقة في مسألة كان ينبغي أن لا تتدخل فيها، بعنوان «الازدحام على الجسور» في مؤامرة إسرائيلية صغيرة جديدة، ثم رصد السفارة الأمريكية وهي تتحرك باتجاه دعم وتمويل مرافق وصالات لاستقبال المسافرين على جسور ومعابر الأغوار قبل رصد الرئيس الأمريكي جو بايدن شخصياً وهو يتحدث عن ضرورة فتح المعابر والجسور لـ 24 ساعة، فيما يتصرف الإسرائيلي بنكاية هنا.

«تنويم مغناطيسي»

ملف معقد للغاية وليس سهلاً، وفيه الكثير من الألغام والألغاز السياسية والسيادية، وبالتأكيد يفوق إمكانات وصلاحيات أي وزير للداخلية في أي حكومة، لكن خلفية الوزير الفراية في خلايا الأزمة والمؤسسات السيادية قد تجعله الأقدر من غيره على بذل جهد يؤدي ولو إلى حالة «تنويم مغناطيسي» مؤقتة لتلك المدرسة البيروقراطية المحافظة جداً، والتي تسهر على تقاليد قديمة وكلاسيكية لا تناسب متطلبات مصالح الدولة العليا اليوم في إدارة ملف المعابر والجسور.
طبعاً، المطلوب من الفراية والخصاونة في الواقع هنا أكثر بكثير من تحسين مستوى الخدمات وبناء بعض الصالات المكيفة، فالحاجة ملحة لحساب ميزان المصالح الاستراتيجية اليوم، ولإعادة الاعتبار لمنطق «الشعب الواحد» في مواجهة المصير المشترك.
وعلى أساس المقولة الحساسة التي صدرت عن باحث أكاديمي موضوعي مهم لا علاقة له بالحسابات السياسية، هو الدكتور وليد عبد الحي، عندما قال بأن العبء على الكتف الأردنية خانق وثقيل جداً، والاستراتيجية الوحيدة المتاحة هي ترك كل الحساسيات القديمة المرتبطة بالفلسطينيين.
الفلسطيني يتذكر ولديه شكوى، وعمان تأخرت حكومتها كثيراً في معالجة تسهيلات التنقل، والملف فتح بتوقيت إسرائيلي تآمري بوضوح، وما يؤشر عليه عبد الحي هو الانطباع المعروف بأن ترك الحساسيات يعني تغيير العادات والتقاليد وأحياناً العقائد البيروقراطية الأردنية التي تولت هذا الملف طوال عقود.
هنا حصراً ومع الاحترام والتقدير الشديد لاهتمام وزير الداخلية الحالي، قد يكون المطلوب إقناع الدولة العميقة في الأردن وتعبيراتها البيروقراطية بأن المسألة أعقد بكثير من استراتيجية الحفاظ على الأردن عبر تعقيد متطلبات السفر للفلسطينيين.
العقيدة البيروقراطية هنا تحتاج لتطوير برأي الخبراء العاقلين، لأن أسهل ما يمكن إنجازه هو إقامة صالات مكيفة وتقليص أسعار الرسوم على الجسور وإيجاد بعض التسهيلات الصغيرة، فسواء شاء الطاقم البيروقراطي في وزارة الداخلية أو غيرها أم أبى، فإن أزمة المعابر ومطار رامون تقول بكل اللهجات بأن مصالح الدولة الأردنية باتت مرتبطة بتلبية احتياجات الكتلة الشعبية الفلسطينية غربي نهر الأردن، وباتت مرتهنة بالتعامل مع هذه الكتلة باعتبارها الشريك الحقيقي الضامن للأمن القومي والوطني الأردني، بدلاً من شريك السلام الإسرائيلي الانقلابي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى