اراء و مقالات

«أرقام مقلقة» عن الوضع المعيشي في الأردن: شعب «مديون» أو مقترض

عمان – «القدس العربي»: تظهر بعض الأرقام والمعطيات الرسمية الأردنية حجماً مقلقاً جداً للأزمة المعيشية والمالية التي تضرب الأردنيين في غالبيتهم على أكثر من صعيد.
وأشارت مصادر مختصة في قطاع البنوك بأن قيمة الديون الشخصية والفردية على المواطنين تبلغ 12 مليار دينار على الأقل، فيما قيمة الأقساط الشهرية بدلاً من القروض الفردية لكل البنوك الأردنية تبلغ 200 مليون دينار. وهذا الحجم من الأردنيين المقترضين هو الذي دفع البنوك وبإصرار طوال الشهر الماضي وقبل عطلة عيد الفطر إلى عدم الخضوع للإرادة الشعبية في تأجيل القسط الشهري على القروض للمواطنين الأفراد لتمرير نفقات عيد الفطر، فقد وقفت المصارف بحزم وراء رفض تدوير الديون الشهرية بعدما تم تأجيلها 9 مرات العامين الماضيين بأوامر دفاع بسبب الفيروس كورونا.
وتطرح هذه الأرقام صيغة تشير إلى عبارة الشعب المقترض أو الشعب الذي رهن موظفي القطاع العام وعدد كبير من موظفي القطاع الخاص رواتبهم للبنوك في خلل رقمي ومالي واضح لا يقف فقط عند التدليل على الأزمة المعيشية والمالية، ولكنه يطلق جرس الإنذار مبكراً. وكان رئيس غرفة تجارة الأردن خليل الحاج توفيق، قد تحدث عن زحام في الأسواق عشية عيد الفطر الأخير لا يعكس واقع البيع والشراء، حيث القيمة الشرائية للمواطن تنخفض، والقطاع التجاري ضربه الركود، ويمكن أن يزيد مستقبلاً هذا الركود بسبب انخفاض القيمة الشرائية، وبسبب التركيز على المواد والخدمات الأساسية التي ارتفعت أسعارها وكلفها بالمقابل.
الحاج توفيق في نقاش مع “القدس العربي” كان قد أصر على مقاربات وطنية توافقية وإجراءات لا بد من اتخاذها حتى لا يصبح الركود أعمق، ومن ثم أكثر تأثيراً في الدورة الاقتصادية العامة. بعض الأرقام تقول الكثير من الدلالات في المقابل، فوزارة العدل أعلنت بعد ظهر الأربعاء أن جهاز التنفيذ القضائي يتابع ملفات المدينين من المواطنين التي بلغ عددها 158 ألف قضية وشكوى. وذلك يعني أن القضايا والشكاوى التي صدرت فيها أحكام وانتقلت إلى مستوى التنفيذ القضائي بسبب ديون مالية على الأفراد المدينين وبعض المؤسسات تبلغ 158 ألف ملف، وهو رقم ضخم جداً قياساً بعدد سكان البلاد.
يبدو أن هذا الرقم من عدد المدينين الذين صدرت بحقهم أحكام قضايا لاسترداد حقوق آخرين بعد نزاعات مالية لا يمثل عدد المدينين الحقيقي فقط، بل الشريحة التي تتعامل معها اليوم أجهزة التنفيذ القضائي التابعة لوزارة العدل.
ويعكس الرقم المرعب حقاً، بلغة الخبراء الاقتصاديين، تداعيات القصور بالإجراءات التي اتخذت منذ 3 أعوام وخلال الاشتباك مع تداعيات الفيروس كورونا، والتي تضرب الآن في أوصال المجتمع الاقتصادي. ويبدو أن الاقتراض أو عدم القدرة على سداد أقساط الديون والقروض هو الذي يسبب مثل هذه المفارقات الوطنية المقلقة.
وهي أرقام يدعو الخبير الاقتصادي والوزير السابق الدكتور محمد الحلايقة، عبر “القدس العربي”، للوقوف عندها وتأملها بعمق والمبادرة إلى الاستدراك، فيما يرى الخبير الاقتصادي محمد الرواشدة بالمقابل إنها معطيات وبيانات تؤشر فعلاً على خلل ما لا بد من وضع خطط لمواجهته والاشتباك معه.
المفارقة الأغرب رقمياً أيضاً تنعكس عبر تلك العلاقة الطردية بين ازدياد قضايا التعثر المالي والمتابعة التنفيذية للمدينين، وأيضاً بين عدد المساجين المدانين من المتعثرين مالياً حصراً والذين يعتقد أنهم يتسببون بزحام غير مسبوق ومكلف على الدولة في مراكز التوقيف والسجون؛ لأن السلطات الأمنية ملزمة بموجب القوانين بتنفيذ عقوبات السجن في قضايا الحقوق المالية.
وهنا يبرز الرقم الأكثر غرابة والذي أعلنته بعد ظهر الإثنين في متتالية هندسية مرتبط بعضها ببعض جذرياً، عنوانها الشعب المديون والمقترض والطبقة الوسطى المتعثرة. وهنا حصراً أعلنت إدارة ومصلحة السجون والإصلاح أن عدد المساجين في مراكزها وسجونها يبلغ بالرقم 163 % من سعتها الطبيعية، ويعني ذلك أن السجون ومراكز التوقيف استوعبت ذروتها في الأرقام، لا بل يوجد فيها زحام بنسبة تقترب من ثلثي العدد الذي أهّلت لاستيعابه.
اللغز المالي في المسألة يتمثل في أن السلطات تقول إن السجين الأردني الواحد يكلف الخزينة شهرياً ما لا يقل عن 1000 دولار، لذا تصبح خزينة الدولة هي الممول الطبيعي والقانوني للمساجين والموقوفين، مما ينجم عنه وضع مختل تماماً قوامه أن الخزينة تدفع أكثر من قيمة الديون على المساجين التي حبسوا من أجلها في كثير من الحالات. وعليه، يقترح بعض نواب البرلمان للحد من هذا النزيف الرقمي المالي وقف عقوبة الحبس في قضايا المدين والديون والقروض.
لكن الشركات الكبرى والبنوك وأصحاب الأعمال وأحياناً التجار، يرفضون الأمر بصلابة لأن واجب القانون، في رأيهم، الحفاظ على حقوقهم وتحصيلها، مع أن الخزينة تنفق على المسجون بسبب تعثر مالي مبالغ طائلة وكبيرة لا يعوضها أصحاب الديون والقروض. بكل حال، تلك معطيات وأرقام تفسر وتبرر حجم الأزمة المعيشية التي يعيشها الأردنيون واقعياً، وتربك كل المؤسسات والسلطات.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى