اراء و مقالاتمقالات وآراء

خيارات المعارض والغاضب الأردني بعد «حسم الملك»: البقاء في حالة «صراخ» أم «اقتحام» الانتخابات؟

 

 قد لا يحتاج الأمر إلى مزيد من بيانات التصعيد اللفظي التي لا تنتمي للواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الأردني في لحظة حرجة.
الملك عبد الله الثاني أمر، ظهر أمس الأربعاء، بإجراء الانتخابات البرلمانية. يعني ذلك ليس فقط أن الاستحقاق الدستوري الانتخابي قد حسم أخيراً، وليس فقط أن صافرة الحكم انطلقت لتسمح بسيناريو حل البرلمان ورحيل الحكومة الحالية، لكن يعني أيضاً – وهذا الأهم – أن الغاضبين والمحتقنين والحراكيين والمعارضين والمشاغبين والمناكفين لديهم اليوم فرصة دستورية واقعية للتخطيط الاستثنائي والتربص بالانتخابات المقبلة، إما لتصعيد أنفسهم إلى قبة وقمة عملية التشريع أو لإيصال رأيهم ومن يمثلهم.
طبعاً، ثمة شكوك مسبقة وموسمية ودائمة في مساحة «النزاهة» في إدارة ملف الانتخابات. لكن الاستسلام لهذه الشكوك فقط خطوة قد لا تقل سلبية عن رعاة العبث وأحياناً التزوير في انتخابات الماضي، خصوصاً أن رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات الدكتور خالد الكلالدة، وهو يساري ومعارض سابقاً ووزير ومسؤول لاحقاً، أقر علناً بحصول تلاعب بنسخ انتخابية في الماضي.

سقف الرزاز لا يزيد عن 55 يوماً وطموحاته في «حكومة أغلبية برلمانية» على المحك

يعني ما قاله الكلالدة أن هيئة الانتخابات المستقلة تريد أن تؤسس ضمانات في إطار منظومة النزاهة. ويعني، في المقابل، أن الرهان على التشكيك المسبق قد لا يعني أكثر من الصراخ بدلاً من المشاركة في الانتخابات والاقتراع وبفعالية لتغيير الواقع، وقد عبر القطب البرلماني صالح العرموطي وهو يتحدث لـ «القدس العربي» مرات عدة عن القناعة بأن التغيير والإصلاح يبدأ في البرلمان ومؤسسة التمثيل والتشريع، وأن جوهر ومنطوق الإصلاح السياسي دوماً قانون الانتخاب.
سمعت «القدس العربي» كلاماً مماثلاً من أركان في حكومة الرزاز التي يبدو الآن أنها تترنح أو آيلة للسقوط بعدما أصبح سقفها الزمني أقل من 55 يوماً، ما يعني أنها قد ترحل في أي وقت قبل تلك الحزمة من الأيام، ولو على قاعدة الصعقة المفاجئة، فالتغيير الوزاري أحياناً يأتي كالموت المفاجئ. ذلك كان دوماً من الآراء التي يرددها رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي.
في الجناح المتوازن والمؤمن بالمحددات الدستورية في حكومة الرزاز كان الانطباع كبيراً بأن الانتخابات ستجري قبل نهاية العام حكماً.. سمعت «القدس العربي» هذا الطرح من وزير الداخلية المخضرم والقوي سلامة حماد وهو يؤكد بأن الجميع بانتظار الامتثال للرؤية الملكية الثاقبة.
في الجناح غير الواقعي لا بل «المغرور» سياسياً أحياناً من طاقم الرزاز أسابيع من مراكمة الرهان على تأجيل الاستحقاق الانتخابي تجنباً لخيار حل البرلمان الذي سيعصف بالحكومة في النتيجة. وبكل حال، انتهى التجاذب وانطلقت صافرة الحكم في المباراة الانتخابية، وقال القصر الملكي كلمته في تجديد الروح وبث الإيجابية وتجهيز جميع الأطراف لـ «فتح صفحة جديدة» بتجربة انتخابية برلمانية ستحصل بعد أقل من مئة يوم في أبعد حد، وبموعد مقترح ما بين العاشر والثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل حتى الآن.
بموجب المحدد الدستوري وبعدما تقرر هيئة الانتخابات موعد الاقتراع بالساعة واليوم، ستنتهي صلاحية مجلس النواب الحالي وسيتساوى الأعضاء فيه مع بقية الأردنيين لمدة 37 يوماً ينص عليها القانون، وهي فترة الدعاية الانتخابية، الأمر الذي يعني بالتواقيت والأرقام أن حل البرلمان قد يكون واجباً دستورياً أو بمثابة الخيار الدستوري الوحيد قبل يوم 26 من شهر أيلول/سبتمبر المقبل.
لعبة التواقيت هنا مؤشرها قوي في رحيل الحكومة، لأن الرزاز لا يستطيع رئاسة حكومة تنسب بحل البرلمان، ومساحة المناورة الوحيدة أمامه بعد رحيل حكومته إما خوض الانتخابات في سياق طموح قديم له، في العودة رئيساً لحكومة أغلبية برلمانية أو بالعودة مع البرلمان الجديد على طريقة المحلل الشرعي، حيث تشكل حكومة انتقالية لعدة أشهر تجري الانتخابات بدون رئيس وزراء بدأ مثقفاً وباحثاً ويحظى بالشعبية وانتهى اليوم بشخصية تجاذبية وإشكالية.
قرار القصر الحاكم بحسم أمر الانتخابات يوفر فرصة للراغبين في التغيير أو الإصلاح بعيداً عن كل أنماط الابتزاز السياسي، فمن اعتقل أو ظلم في مرحلة قوانين الدفاع في عهد الرزاز يستطيع العودة عبر شرعية الصندوق. ومن انتهكت مقراته أو حلت مؤسسته المدنية لديه اليوم فرصة للتحدث مع الناخب الأردني والمشاركة في عملية انتخابية في ظرف حساس على أساس التغيير من الداخل وفي إطار الشرعية، حيث ستجري الانتخابات في العاشر من شهر تشرين الثاني المقبل، وفقاً لما قررته الهيئة المستقلة المختصة.
بمعنى آخر، بدلاً من الاسترسال في الغضب والاحتقان والتحدث عن حكم الفرد ونهش الدولة ومؤسساتها ودعوات التحشيد والتحريض والاعتصام، يمكن توفير الطاقة هنا وتوجيه بوصلتها نحو الانتخابات المقبلة، فالتعسف الرسمي لا يستطيع منع أي فرد أو مؤسسة من المشاركة في الانتخابات والسلطة المتعسفة يمكن الرد عليها عبر الشرعية الدستورية.
دون ذلك، المعارضة التي تحتمل العسف، والمؤسسات المدنية التي تصبر على التعسف، والنقابات التي تتضجر وتشتكي.. ستبقى في دائرة العبثية والسلبية إذا لم ترد باستغلال الفرصة. وهي فرصة ثمينة تلك التي يوفرها قرار الملك عبد الله الثاني ظهر الأربعاء، الذي يأمر بإجراء الانتخابات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى