اراء و مقالات

الأردن: أسئلة «محرجة» بعد صرخة الرفاعي والإخوان وغياب التناغم

هل يعاد «فك وتركيب الشيفرة»؟

عمان – «القدس العربي»: مرة أخرى تعود نخبة القرار الرسمي الأردنية بصورة صاخبة وخلف الستارة، كالعادة، للدوران في سؤال التنسيق الهرموني والتناغم المؤسساتي: كيف اتخذ قرار اعتقال الشباب والطلاب الجامعيين ضمن وجبة الاعتراض على التطبيع الجديد غير المشروح للناس أصلاً، ولماذا؟
سؤال من الطراز الذي يتسق مع معادلة إدارية قديمة كان يكرر قولها رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، وسمعتها منه «القدس العربي» مباشرة، قوامها «في البيروقراط الوطني لا توجد عادة اسمها التحدث علناً عن مشاكلنا».

هل يعاد «فك وتركيب الشيفرة»؟

في المقابل، عندما حصلت اعتقالات الطلاب بتفصيلات مثيرة نسبياً، خرجت «صرخة» من رحم المؤسسة تعترض وبحزم أكثر من القوى السياسية بالشارع وبتوقيع رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية سمير الرفاعي.
وقتها قال في ندوة عامة، جملة معترضة شرسة قياساً بالمألوف، فكرتها حق الأردنيين في التعبير عن مشاعرهم ضد التطبيع، وحتى ضد إسرائيل سلمياً، وفي ضوء الالتزام بالقانون، وفكرتها أيضاً مخالفة الرؤية الملكية المرجعية في التحول الديمقراطي، والأهم المبالغة في فرض كفالات لتأمين الإفراج عن الشباب صغار السن الذين تم توقيـفهم.
لاحقاً، يبدو أن الرفاعي نكأ جرحاً ما، له علاقة بالتناغم أثناء محاولته الدفاع عن وثيقة مخرجات تحديث المنظومة السياسية التي أمره بها الملك.
ولاحقاً أيضاً، حصلت مراجعات وتقييمات، وكان عنوان الصخب حتى في أروقة ومكاتب الديوان الملكي على صيغة محاولة لفهم كيف تقررت الاعتقالات على النحو الذي حصلت فيه، ولماذا، وماهي الفكرة؟
طبيعي أن يوجه سياسي من وزن الرفاعي خطابه النقدي للحكومة، وطبيعي أن تتلاوم أو تشرح للمستويات الأمنية التي ظهر أكثر من مرة في الواقع أنها لا تسير معاً في الميدان.

صرخة

وطبيعي في المقابل، أن يصرخ الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، سياسياً وأمام «القدس العربي» وهو يسأل بعد وجبة الاعتقالات وتفصيلها: أي تمكين للشباب يتحدث عنه القوم؟ أي تحديث للمنظومة والتعددية الحزبية يؤدي إلى اعتقالات تعسفية لطلاب جامعات التزموا بالقانون أثناء التعبير؟
المراجعة فيما يبدو في محاولة لوقف حالة نزيف أو انفصام بيروقراطي حصلت في الغرف العميقة، وتوصلت إلى استنتاجات لا بل إلى توجيه مراجعات نقدية من الصنف الذي يدفع رجل دولة بمواصفات الرفاعي إلى صرخة اشتباك نقدية علنية وغير مألوفة بالعادة.
الصرخة السياسية والبيروقراطية هنا يتداولها ويتبادلها الجميع وبصورة بدأت تثير القلق، فالمعارضة والحراك يصرخان بسبب الهوامش التي تظهر دوماً، كما يشرح العضايلة وغيره، بين النوايا والتنفيذ والخطابات وحزمة الإجراءات. وطبقة من رجال الدولة الأوفياء يصرخون في المقابل، لكن داخل المؤسسات بعنوان أصبح مهموماً وهوسياً: أين الخلل؟
ثمة بيروقراط حائر بالجملة، وفي تعبيراته الأمنية تحديداً يمارس نمطاً من الصراخ بخلفية الاعتقاد بأن المستويات السياسية والحكومية تصنع الأزمات في الشارع وتكثر من الارتجال.
ولا تجري المشاورات الكافية العميقة، بينما المسؤولية الأساسية والمفصلية في ضبط الإيقاعات وسط زحمة تراجع الأداء البيروقراطي، تقع على العاتق الأمني حصرياً.
لذلك، كان أحد التفسيرات في كواليس غرف القرار للتفصيلات الخشنة في اعتقالات طلبة الجامعات الأخيرة هو ذلك الذي يقول مجدداً بأن الإخوان المسلمين قرروا التحريك والتحفيز والتحريض، وبأن وجود أكثر من موقوف ونجل من أبناء قيادات التيار الإسلامي أو بعض الرموز الطلابية المحسوبة على التيار الإخواني، دليل الدولة العميقة التي لا تستطيع أن تقف مكتوفة اليدين لأنها تتحرك عندما يخفق السياسي أو يفشل البيروقراطي أو يتأخر.
صحيح أن التيار الإسلامي أعلن بوضوح وبكل اللهجات عودته للشارع، لكن صحيح أيضاً أن اتفاقية دبي التي خلطت الأوراق، مستفزة واستعلائية إلى حد كبير، برأي السياسي مروان الفاعوري.

تنظيم وتنسيق

وصحيح في المقابل، أن جملة الإسلاميين في العودة إلى الشارع حتى بهيئاتهم الطلابية، منضبطة ومنسقة وسلمية ومدروسة، ولا تبرر ما وصفه الرفاعي بكفالات الإفراج الضخمة عن الموقوفين، ولا ظهور تناقض بين مكتب وزير الداخلية والأجهزة الأمنية، كما لا تفسر إلا في الذهن الأبعد توزيع الموقوفين على سجون بعيدة خارج مدنهم ومحافظاتهم، مع أن الانطباع هو رسالة تقول للإسلاميين بالجاهزية «إن عدتم عدنا».
لكنها رسالة واضح تماماً -بصرف النظر عن إنتاجيتها البيروقراطية وأهميتها الميدانية- لم تنسق على المستوى المركزي في الدولة، ولم يلتقطها مسؤولون كبار لديهم حسابات متباينة، من بينهم الرفاعي، على خط الاشتباك المعنون بإنقاذ وثيقة المنظومة، ومن بينهم أيضاً وزير الداخلية الجنرال مازن الفراية الذي يتلمس طريقه بتعقيدات يعرفها الجميع. وبينهم بالضرورة، رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، الذي ينهش الجميع حكومته على تصرفات وإجراءات ليس بالضرورة أن الحكومة اتخذتها.
وفي خطوة لاحقة، يلتقط الرفاعي صورة شخصية مع الخصاونة تقول عدة أشياء، من بينها عدم وجود خلافات مع رئاسة الوزراء الحالية تسببت بتصريحات نقدية في مسألة الاعتقالات تحديداً.
ترجمة كل هذه المعطيات المتشابكة تعبر عنها فوراً صالونات عمان المختصة بالنميمة والسياسة، وهي تعيد ورقة سيناريو التغيير الوزاري وتقفز مجدداً باسم وزير العدل الأسبق، الذي أقاله الخصاونة من حكومته في حادثة شهيرة ضمن معطيات بورصة أسماء مرشحة للخلافة.
يعني ذلك شيئاً عندما يحصل في المشهد النخبوي الأردني، وقد يعني ما هو أكثر لاحقاً؛ فالجميع يترقب، والمسننات لا يبدو أنها تعمل معاً بالصورة المطلوبة مرجعياً عندما تشتغل الماكينة، وثمة تلاوم وتجاذب من العبث إنكارهما الآن، لكن قد يتطور إلى تلامس في الميدان بين الحين والآخر، وخطورته تكمن إذا ما حصل -لا سمح الله- أن الظرف الاقتصادي والإقليمي هذه المرة معقد جداً وللغاية، الأمر الذي ينبغي للجنرالات وكبار المستشارين في المكاتب الملكية ولرئاسة الوزراء ولأقطاب البرلمان، الانتباه له جيداً.
ذلك ضروري جداً الآن، بدلاً من «حوار طرشان» أو مواجهة بالعتمة بين فاقدي البصر، مما يبرر الحاجة الملحة لإعادة تركيب «الشيفرة» مؤسساتياً، وليس فقط على صعيد «المؤسساتية».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى