اراء و مقالات

الأردن: إقصاء العشائر تسبب في عودة «العشائرية»

«سيدي… للأسف نعود إلى ما قبل الدولة»

عمان- «القدس العربي» : لا أحد في المكون الاجتماعي أو السياسي أو البيروقراطي الأردني يمكنه قبول فكرة المساس على أي نحو بالعشائر المحلية التي تحتفظ بدورها بالحصة الأهم من إدامة الاستقرار والسلم الأهلي، وتمثل بالنتيجة دوماً بنية المؤسسات والدولة الأردنية، لا بل هويتها في بعض الحالات. لا أحد في المقابل، وعلى هامش الصخب الذي أثارته مؤخراً حراكات بعض نشطاء العشائر الغاضبين، يمكنه الموافقة على أي صيغة تعود عبر «العشائرية» وليس العشائر إلى مرحلة ما قبل الدولة، فخلال لقاء مع نخبة مثقفين في القصر الملكي، استمع الجميع لإعلامي وبرلماني معروف هو على الأرجح نبيل الغيشان، يختصر مساحة القلق وهو يقول «نطمئنكم للأسف. فثمة ممارسات تعود بنا إلى ما قبل الدولة».
هذه المفارقات تعكس مستويات حمالة أوجه من نقاش كان يمكن الاستغناء عنه، برأي القطب البرلماني خليل عطية، حيث لا تناقض في الأساس بين العشائر والدولة، وحيث هوامش ضعف إدارة الدولة في بعض الأحيان لواجبات وملفات تدفع الإنسان عشوائياً نحو الملاذ العشائري تبرز العشائرية.

«سيدي… للأسف نعود إلى ما قبل الدولة»

لماذا وجد الأردنيون أنفسهم الآن في حالة بحث هوسي عن سؤال المفارقة ما بين «القبيلة والدولة»؟ ففجأة، وبسبب العديد من مظاهر العبث البيروقراطي وضعف أدوات الإدارة العليا لبعض المؤسسات، لا بل ارتجالها، عاد مثل هذا السؤال الذي كان منسياً إلى الواجهة بعد عقود من تجاوزه دون نكران دور العشائر في البناء والثبات والاستقرار. ومؤسف جداً أن سؤال «القبيلة أم الدولة» بـات مـطروحاً لدولة تجاوزت للتو مـئويتها الأولـى وتتـطلع إلى المئوية الثانـية.
ومؤسف جداً أن حسابات المسؤولين اليوم ومعهم حسابات الصخب الحراكي المايكروفوني بدأت تخلط الأوراق بسلسلة غير ممنهجة من الاجتهادات والمغامرات، فيما الوضع الاجتماعي قابل للانفجار، والجيوسياسي معقد وملتهب، كما يقدر رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي الدكتور محمد الحلايقة، الذي اضطرته تعقيدات المشهد لإعلان مطالبة مؤسسة الملك للتدخل مجدداً على أمل إقناع الأردنيين بأن إجراءات ما يمكن أن تتخذ لتحسين الأوضاع. تلك الإجراءات تتنبه لها دوائر القرار اليوم وهي تحاول التأسيس لحوارات إصلاحية، لكن مجدداً دون ضمانات وبدون ما يسميه التيار الإسلامي بمشروع توافقي وطني محدد ومجمع عليه يعبر عن تطلعات الأردنيين وأحلامهم للمستقبل.
يبحث الجميع عن الإصلاح، وفي ندوة مغلقة اقترح وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر محاولة فهم ما الذي تريده المنظومة الأمنية من احتياجات حتى يتم التحاور عليها، فيما كان القيادي في الحركة الإسلامية الشيخ مراد العضايلة أكثر وضوحاً في العبارة وهو يقترح بأن «على الدولة أن تصلح نفسها» قبل الخوض في أي تفاصيل وعلى أساس أنها تعلم جيداً ما هو المطلوب منها وأي إصلاح ينشده الجميع حتى تتوقف الهيئات الفرعية عن البروز والاستعراض.
لكن تلك الاستعراضات برزت مؤخراً بعد الإشكال الذي رافق أزمة النائب البرلماني الغاضب أسامة العجارمة قبل قرار بفصله، فقد تبين بأن الغضب والاحتقان وصلا إلى مفاصل حساسة في بنية العشائر هذه المرة، وبين الأسباب المرجحة -برأي الحلايقة- هي البطالة وفقدان الوظائف والاحتقان المعيشي، خلافاً لرأي آخرين بـ»تراكم» وجوه «غريبة» أو لا خلفية اجتماعية لها في «حلقات القرار».
لذلك سبب قديم متراكم، على حد تعبير قيادي عشائري مهم يفضل تجنب ذكر اسمه أمام «القدس العربي» ويسعى للعودة إلى ما حصل قبل 15 عاماً، حيث إقصاء لا مبرر له لطبقة كبيرة من قيادات العشائر الراشدة العاقلة المعتدلة مقابل عملية تبديل في طبقة المشايخ، لم تقف عند حدود عدم وجود ضرورة لها، بل شرخت العشائر من عمقها واستبدلت بأصحاب الربط والعقد مغامرين تحت عنوان المدرسة الليبرالية التي تريد إضعاف مؤسسة العشيرة.
حصل ذلك بالتأكيد وتبعه الجدل الذي يثيره قيادي إسلامي معارض ومثقف مثل الشيخ زكي بني ارشيد، وعلى مدار سنوات تحت عنوان فاتورة وكلفة التحول عن «دولة الرعاية». بالنسبة للبنية العميقة في العشائر الأردنية، لا مجال للمزاودة بعد الآن. ومشروع المئوية الأولى للدولة بني على ثلاثة مناصب وأركان، هي المؤسسة الملكية، والعشائر، والمنظومة الأمنية.
لاحقاً، فقد أبناء العشائر الحقيقية دورهم، وبدلاً من ابتكار عامود رابع جديد يصلح لـ«تمدين الدولة» على حد تعبير المفكر السياسي عدنان أبو عودة، تحولت المنظومة البيروقراطية ضد تعبيرات العشائرية أحياناً، وجذبت تعبيرات ليبرالية أو مدنية ليست جدية ولا ديمقراطية عدداً كبيراً من المناصب والوظائف والبرامج، مما أغضب غالبية المكونات الاجتماعية.
ذلك كلام مسكوت عنه وسط النخبة الأردنية، ومنطق لا يقال في الشارع، وتعبير عن مجازفة يعتبرها سياسي ثقيل مثل الدكتور ممدوح العبادي في مكانها غير الصحيح؛ فعندما خسرت الأعمدة والأركان الرئيسية كانت الشللية والمجموعات هي التي تكسب وليست التيارات الوطنية ولا المدنية ولا الحرس القديم.
يفسر كل المسكوت عنه عملياً العودة لشعار التحريك العشائري والهتاف لاستعادة الدولة. وما يزيد في التعقيد، المغامرة تلو الأخرى بنزاهة الانتخابات وتجميل العبث بها تحت دواعي الهندسة وتبديل الوجوه، ولاحقاً يزيد التعقيد بسبب كسل وخمول مبادرات الحلقات الوسيطة وتراكم أسئلة الفساد دون الإجابة عليها. تلك بيئة طبيعية وجاذبة للهويات الفرعية. وتلك صفحات مكتومة ومسكوت عنها في محاولة فهم الأسباب التي تدفع بشرائح محددة من أبناء العشائر للغضب والاحتقان، وإن كانت الحدود الاستدراكية ممكنة دون أي إساءة لأبناء العشائر.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى