اراء و مقالات

الأردن بين «خيارين»: كلفة «تسمين» واستنساخ «أحزاب جديدة» أم «تحول فعلي» يخدم الإسلاميين؟

عمان- «القدس العربي» : يلتقط الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، الشيخ مراد العضايلة، ما هو جوهري في المسألة عندما يبلغ «القدس العربي» على هامش نقاش له علاقة بمستقبل توصيات تحديث المنظومة السياسية للبلاد، بأن حزبه كان عملياً يمثل داخل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة حالة تشاور لها علاقة بـ 26 حزباً سياسياً، خصوصاً داخل اللجنة الفرعية المعنية بملف الأحزاب السياسية والتي مثل الإسلاميين فيها رمزُهم المخضرم الشيخ حمزة منصور.
تحدث العضايلة عن حالة اشتباك إيجابية تحتاج للتشخيص والتقييم لاحقاً مع توصيات اللجنة الملكية. وعندما انتهى التقييم والتشخيص، برز اتجاهان في البيانات التي أصدرها العضايلة باسم الحزب الأهم والأعرض في البلاد.
الأول هو ذلك الاتجاه الذي يمتدح بنسبة معقولة التعديلات على قانون الانتخاب الجديد برفقة التحذير من ضرورة وقف كل أصناف التدخل الأمني بالعمل السياسي والانتخابي والحزبي بعد الآن. وفي الاتجاه الثاني، صدر بيان لحزب الجبهة آخر ينفض الغبار عن لجنة التنسيق الائتلافية الحزبية المعارضة.
تلك كانت خطوة بجملة تكتيكية من الإسلاميين تعيد تذكير الجميع بأنهم الأقدر في التكتيك والاستراتيجية على الاستعداد لملامح المرحلة المقبلة بعد ثلاث سنوات. وهي مرحلة تسيطر فيها الإيقاعات الحزبية على سلطة التشريع بنسبة أغلبية وتؤدي، إذا ما صدقت الدوائر الرسمية بخصوص دعم مقررات تحديث المنظومة، إلى تحول يقضي بتغيير العقيدة الحزبية من جهة الدولة، وينتهي عملياً بتسليم جزء حيوي من الإدارة لا بل الحكومة أيضاً إلى أحزاب أو برامج حزبية لها تمثيل بنسبة غالبة في البرلمان.

رسالة استعراض

تكلم الإسلاميون عن حراك يمثل – عملياً أكثر من 22 تعبيراً حزبياً – رسالةً فيها بعض الاستعراض السياسي تظهر الجاهزية للخارطة الجديدة. والحديث هنا عن نصف الأحزاب الموجودة في الساحة على الأقل، فيما تعلن تقارير بحثية وإحصائية بأن مواصفات الهيئات الحزبية المقبلة بموجب تعديلات القوانين ستؤدي بضربة واحدة قاسمة إلى إغلاق أو انسحاب أو شطب ما لا يقل عن 40 حزباً سياسياً مرخصاً أغلبها أقرب إلى صيغة البقالات الحزبية.
ما الذي يعنيه ذلك بصورة محددة في النتيجة؟
الجواب سياسياً بسيط ومباشر هذه الأيام في الأردن، لأن مرحلة التنميط الجديد للعمل الحزبي في البلاد تنطلق وسط إجماع المراقبين بوجود حزب واحد حقيقي في الشارع له قدرة على الصمود والبقاء والتحكم إلى حد ما، وهو حزب جبهة العمل الإسلامي.
يشكل مثل هذا الانطباع عبئاً كبيراً على حزب جبهة العمل الإسلامي، وقد يتحول إلى وهم إذا ما تقرر خلف الستارة رعاية وتأسيس وتسمين تجارب حزبية جديدة بدأت تتشكل فعلاً ملامح، بعضها ليس تحت عنوان العبور الآمن والمنطقي والمتدرج في توصيات المنظومة، ولكن -وهذا الأكثر حساسية ومجازفة- تحت عنوان منع الإسلاميين من التصدر والسيطرة ومغادرة فوبيا الإخوان المسلمين بتسمين وتغذية تجارب تنافسهم في الشارع بشكل الحزب السياسي الجماهيري في رهان يمكن رصده من تعليق لا يخلو من الخبث السياسي صدر وراء كواليس الاجتماع والنقاشات عن وزير التنمية السياسية المخضرم موسى المعايطة، يركز بدلاً من الترديد الإسطواني المتكاسل لنغمة خدمة الإخوان المسلمين على ضرورة اندفاع الأحزاب والتيارات الأخرى لبذل الجهد والعمل لمنافستهم، وفي النتيجة انتزاع ولو لجزء من حصتهم في المجتمع والشارع بالعمل وإقناع الناس.
تنسجم مثل هذه المعلومة مع المنطق الذي تحدث فيه المعايطة مع «القدس العربي» مباشرة، وهو يبلغ .. «آن أوان المضي قدماً إلى الأمام».
يعني ذلك أن ذريعة فوبيا الإخوان المسلمين لم تعد صالحة للاستهلاك في أروقة الدولة والقرار وبقية التيارات الحزبية الضعيفة. لكن يعني بالمقابل -وهذا الأهم- أن حالة هوس ولدت ملامحها الأولى بدأت تجتاح أوصال الجميع لتأسيس أنماط ومشاريع أحزاب جديدة تستطيع مزاحمة ومنافسة الإسلاميين.
ولعل أخطر ما في ذلك الهوس الآن هو اعتبار تلك الوظيفة من المهام الوطنية الأساسية لمؤسسات الدولة، والسبب أن تحميل الدولة وليس الواقع للأحزاب الموجودة والحزبيين مسؤولية منافسة الإسلاميين يعني التورط مجدداً بإشكالات الهندسة التي تطال الأحزاب هذه المرة وليس الانتخابات نفسها.

إرباك المشهد؟

ويعني ذلك المساهمة مجدداً في إرباك المشهد وصناعة أحزاب أقرب إلى التكوين «التايواني» المقلد في السياسة، وليس بنسخة أصلية تولد بصورة طبيعية، الأمر الذي سيؤدي إلى تعزيز سيطرة الإسلاميين بدلاً من العكس، إذا ما حصل ذلك بطبيعة الحال.
ولذلك، تحذير السلطات والحكومة من العمل على استنساخ تجارب حزبية جديدة وبتسريع وتسارع، يصبح اليوم في خانة الواجب الوطني خوفاً من الغرق مجدداً في كلفة فاتورة الهندسة المتتالية، بينما توفر توصيات لجنة تحديث المنظومة بنية تشريعات تحصر دور الحكومة والمؤسسات الرسمية في تشجيع العمل الحزبي ضمن خيار أسلم لجميع الأطراف.
ليس سراً في السياق، أن الفكرة الهوسية الآن هي بقاء حزب التيار الإسلامي مع دعم وتسمين أربعة أحزاب كبيرة على الأقل أحدهما يمثل اللون اليساري والثاني نكهة أحزاب الوسط التي ماتت وصدرت بحقها شهادة وفاة.
وثالثها حزب يحمل شعار التيار المدني يتشكل على أنقاض الرموز المؤمنة حقاً بالتيار المدني، والتي لوحقت في الماضي مع لون رابع يجمع شتات ما يسمى بالوسط الإسلامي ويحاول صناعة حالة حزبية من الفراغ.
طبيعي القول بأن الحاجة ملحة لتعددية حزبية، وبأن لا تبقى الساحة محكومة للتعبير الحزبي للتيار الإسلامي فقط.
لكن الطبيعي أكثر، بالمقابل، التأشير على أن الانتقال إلى مضمون ومنطوق الرؤية الملكية بعنوان التحول للبرامج الحزبية غير مضمون النتائج إطلاقاً في حال ركوب موجة الهوس الهندسي، التي قد تؤدي إلى تشويه خريطة الأحزاب أكثر من ترتيبها وتفعيل وتنشيط أوراقها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى