اراء و مقالات

كيف يواجه الأردن نتنياهو ـ بن غفير من دون «طبقة رجال الدولة»؟

عمان- «القدس العربي»: وصفتان فقط لا ثالث لهما في الأفق الداخلي الأردني عندما يتعلق الأمر بمراقبة تلك المساحات التي يحتلها اليوم في عمق معادلة الحكم الإسرائيلي أكثر أعضاء الكنيست اعتداءً، فعلياً ولفظياً وميدانياً، على مصالح الدور الأردني في القدس والمسجد الأقصى.
“إيتيمار بن غفير” عضو الكنيست المتطرف الشهير، في طريقه لفرض إيقاعه وشروطه على بنيامين نتنياهو. وبدأ الصداع السياسي مبكراً في عمان تحديداً، وحتى في عواصم أخرى مثل القاهرة، وعبر وسطاء أمريكيون تحت عنوان تحذير نتنياهو من “توزير” بن غفير المتحرش الأكبر بالوصاية الأردنية والخصم الذي يعرفه الرأي العام جيداً منذ تظاهر في منطقة الأغوار وعلى الحدود متحدياً قبل أن يبزغ نجمه مجدداً ضمن التحولات الحادة التي تشهدها إسرائيل اليمينية، لا بل التلمودية اليوم، على حد وصف وزير للأوقاف الأردنية سابقاً.

العودة إلى المربع الأول

وهذا يعني العودة إلى المربع الأول حيث وصفة أولى في إطار الدلالة على عمق المأزق الإستراتيجي اليوم أردنياً مع الثنائي نتنياهو – بن غفير، تشير إلى الاستعداد لمرحلة صدام واحتكاك قد تؤدي إلى تأزيم وتوتير وإيذاء كل معطيات وإعدادات اتفاقية وادي عربة، التي زاد وسط قادة المعارضة والعشائر الأردنية اليوم ووسط النواب، عدد من يطالبون بإلغائها أو على أقل تقدير الإيحاء بتجميدها.
ذلك بطبيعة الحال على الرغم من التطورات التي تحاول تخفيف حدة المخاوف الأردنية على هامش قمة المناخ الأخيرة في شرم الشيخ، حيث لقاء أردني ملكي مع الرئيس الإسرائيلي وتوقيع مذكرة نوايا جديدة برفقة الإمارات تعزز اتفاقية نوايا مماثلة بخصوص تبادل خدمات المياه والكهرباء.
الاحتكاك والصدام مع حكومة نتنياهو وشريكه بن غفير قادم لا محالة في قياسات الأردنيين، ووصفة الصدام هي الخيار المرجح، وإن كانت عمان بصدد الاستعانة ببعض السفارات الغربية لتجنبه. يسأل سياسي مثل مروان الفاعوري: ما الذي ينبغي علينا كأردنيين أن نفعله؟ الوصفة الثانية تلتزم بالترقب والانتظار، وأميل للعبور بين ألغام حكومة نتنياهو وانتظار خطابها وأدبياتها وقراراتها ثم برمجة ردود الفعل على قدر الأفعال نفسها إلى أن تتبين الوقائع في وضعية إستراتيجية خطرة من الطراز الذي يشكل تحدياً للحكومة الأردنية حتى برأي رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، على هامش نقاشات سابقة مع “القدس العربي”.
بن غفير أردنياً هو الشخص الذي أدخل الطقوس التلمودية باسم عتاة المستوطنين إلى صحن وحرم المسجد الأقصى والمقبرة الإسلامية في القدس، وسيناريو تعيينه وزيراً مع نتنياهو تتعامل معه النخب الأردنية باعتباره وببساطة بمثابة إعلان حرب على العلاقات الثنائية والمصالح المشترك. وثمة أوراق قوة وتوازن بيد الأردن الرسمي لا أحد يعلم بعد كيف ومتى يمكنه استخدامها. ولا أحد يعلم بعد -حسب الفاعوري وغيره من النشطاء- ما إذا كانت الحكومة الأردنية الحالية أصلاً بصدد التفكير باستراتيجية اشتباك فعلية وحقيقية مع التحديات التي يفرضها وجود نتنياهو في صدارة المشهد الإسرائيلي.
وهي تحديات لا بد من الانتباه جيداً لها والاستعداد للأسوأ الذي سينتج عنها، وفقاً لرئيس الوزراء الأسبق والسياسي المخضرم طاهر المصري، الذي حذر مجدداً عبر “القدس العربي” من أن حكومة التطرف الإسرائيلية الجديدة تكمل نصاب الفوضى وتسترسل في خطوات مشروع تصفية القضية الفلسطينية، وفي ظل الواقع الموضوعي.
وكما فهمت “القدس العربي” من المصري، فقد زاد مستوى الخطر والتحدي لأن النظام الرسمي العربي فيما يبدو تخلى عن قضية الفلسطينية وترك شعبها وأقام علاقات مباشرة مع الإسرائيليين، فيما العالم الغربي مشغول تماماً بالمستنقع الأوكراني – الروسي.
إسرائيل-في رأي المصري- كيان مدلل عند العواصم الغربية، وعنصر الموقف العربي نفتقده اليوم كأردنيين وفلسطينيين. وعليه، فالحذر واجب، ومصالح الأردن بالتأكيد يهددها اليمين الإسرائيلي الذي يعلن نواياه وأفكاره ولا يخفيها، والرهان أساسي على صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، لكن في عمان لا بد من مقاربة تقرأ الواقع الموضوعي كما هو، بعيداً عن الأوهام.
ورغم أن مثل هذا الحديث من لاعب سياسي محنك قرأ الإسرائيليين منذ عقود وتابع مشاريعهم وخططهم الشيطانية كما يصفها، فإن الوصفة التالية في مطبخ النخب الأردنية هي تلك التي تبحث عن تصليب الجبهة الداخلية والعودة لتجذير الديمقراطية والمصالحة الوطنية الداخلية على اعتبار أن تلك خطوات تساعد -برأي الفاعوري وغيره- في احتواء تداعيات عناصر التأزيم التي اختطفت وتفوقت في المشهد الإسرائيلي اليوم.

رأس الشيطان

نتنياهو مكروه سياسياً في الأردن وتنطبق عليه المقولة الشهيرة في وصفه بتوقيع سياسي ورجل دولة من وزن ثقيل هو عبد الكريم الكباريتي، وهي مقولة رأس الشيطان أو “الجنجي” في اللغة العبرية.
يعود رأس الشيطان إلى الواجهة في تل أبيب مستحكماً وموجهاً، فيما يغيب عن المشهد الأردني الأنداد من طبقة رجال الدولة والسياسيين، مثل الكباريتي والراحل عدنان أبو عودة وغيرهما من الذين يجيدون الدفاع عن المصالح الوطنية والحيوية الأردنية في مواجهة طموحات وأطماع إسرائيل اليمينية المتطرفة.
ويغيب أيضاً رموز من النخبة الوطنية عن مشهد الإدارة الأردني مثل الدكتور عون الخصاونة وحتى المصري نفسه وغيرهما، بما في ذلك بعض الخبراء في مفاوضة الإسرائيليين، وهي حالة غياب تكرس القناعة أولاً بعدم وجود نخبة سياسية أردنية قادرة على المجاهرة في وجه الإسرائيليين بالرغم من ثوابت ومبادئ المرجعية الأردنية.
وثانياً، عدم وجود رؤية ملموسة على الأقل عند طاقم المطبخ الحالي في الاشتباك والمواجهة والمناجزة، فيما المعارضة الوطنية الإسلامية الأردنية في مستوى الاستهداف الحكومي، ما يزيد من صعوبات أي مهمة للمواجهة، ويدفع مشهد نتنياهو وبن غفير إلى مستويات متقدمة أكثر من التعقيد، حيث لا تقدم مراكز القرار التنفيذي اليوم أدلة أو قرائن مقنعة ليس فقط على وجود خطة ما، ولكن على وجود استعداد وجاهزية لاحتواء لحظة صدام يبدو أنها قادمة لا محالة في ملفات السلطة والقدس وضم الأغوار، وحتى المياه أيضاً. وهي مقبلة بتقدير غالبية المحللين، رغم المحاولة المصرية الإماراتية التي تحاول الإيحاء بالعكس عبر بروتوكول النوايا الجديد.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى