اراء و مقالات

مظلومية «الشراكة والإنقاذ»… خسائر مبكرة في «التحديث الأردني»

عمان – «القدس العربي»: بعيداً عن أي اتهامات غير منصفة أو لا توجد عليها أدلة مباشرة وواضحة، لا بد من التأشير على أن الإساءة لهيئة دستورية وجسم في غاية الأهمية مثل الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات في المشهد الأردني، خطوة قد لا تكون في الاتجاه الصحيح، ولا أحد يمكنه أن يستفيد منها الآن ولا مستقبلاً في قاعدة عمل ينبغي أن تهتم بها الدولة ودوائر القرار قبل الشارع، لأن المناكفين والمعترضين ببساطة وبصرف النظر عن الدوافع والخلفيات، سيبحثون عن “مؤسسة ما” ينتقدونها ويتهمونها، وليس من اللائق الآن في ظل التحديث السياسي أن تكون تلك المؤسسة هيئة الانتخابات المستقلة.
في المقابل، من أبسط حقوق رموز وقادة حزب الشراكة والإنقاذ اتهام جهة ما بإفشال خطته لتصويب الأوضاع وكانت هذه الجهة بالنسبة للناشط القانوني البارز القاضي لؤي عبيدات، وهو أيضاً أحد رموز الحزب هيئة الانتخابات.
عبيدات تقدم بمرافعة “سياسية” تحدث فيها عن إجراءات كانت قاصرة وليست قانونية ومؤسفة من جهة الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات. لكن مصادر الهيئة تقول إنها لا تملك عملياً إلا الالتزام بمسطرة الإجراءات القانونية والتنفيذية حرفياً، سواء عندما يتعلق الأمر بحزب الشراكة والإنقاذ أو بغيره.
وسبق لرئيس الهيئة، وهي الجهة القانونية المعنية بترتيب وتنظيم وتصويب أوضاع الأحزاب السياسية موسى المعايطة، أن أبلغ “القدس العربي” رداً على استفسار مباشر لها حول حزب الشراكة والإنقاذ حصراً بأن الهيئة لا تملك إلا منح هذا الحزب أو غيره الاعتماد اللازم إذا كانت الوثائق والأوراق مرتبطة بالإطار القانوني المفروض نصاً. قد تكون مشكلة حزب الشراكة في بعض الأحيان تسجيل أعضاء غير قادرين على المضي قدماً في تسجيل أنفسهم. وثمة نقص في الإجراءات والوثائق جراء ضغوط تقول قيادات الحزب إنها بيروقراطية ورسمية.
لكن يبدو – وفقاً لمصادر في الهيئة المستقلة الداخلية- أن اللجنة التي تشرف على تصويب أوضاع حزب الشراكة والإنقاذ أخفقت في جمع النصاب اللازم لعدد الأعضاء، الذي تنص عليه بنود قانون الأحزاب الجديدة تحت عنوان تصويب الأوضاع.

إخفاق اللجنة؟

السؤال هو: لماذا أخفقت تلك اللجنة في جمع الأعداد المطلوبة؟ إجابة قادة ورموز الحزب واضحة، فالسلطات تضغط على الأعضاء كلما جمعت اللائحة وحصلت تدخلات واستقالات قسرية. والسلطات -برأي مجموعة هذا الحزب الذي يثير اللغط والجدل بطريقة دراماتيكية في المشهد الحزبي والسياسي الأردني- متهمة بمطاردة الحزب والحرص على الضغط على جميع الأعضاء بكل الطرق والوسائل تجنباً لترخيصه ومنحه الترخيص اللازم.
يستطيع الحزب اللجوء إلى القضاء وتقديم سلسلة من الشكاوى يعرض فيها أدلته، لكن أصل المسألة سياسية. وبعض كبار المسؤولين المختصين بالملف استفسرت منهم “القدس العربي” عدة مرات عن مشكلة هذا الحزب حصرياً. وكان الجواب الانضمام إلى حلقة المستغربين من الإصرار على منع ولادة حزب يقال إنه يؤمن بالشراكة، لكن بعض رموز هذا الحزب يحاكمون الآن باتهامات متعددة.
ويرى الملتقى الوطني للحريات الذي يدافع عن هؤلاء، أن هذه المحاكمات هي اعتداء على حريات التعبير، وسببها ليس نقد المعارض الاعتيادي والطبيعي بقدر ما هو نقد المنهج في إدارة شؤون الدولة وليس الحكومة الدستورية. وبكل حال، بقي الجدل حول ترخيص حزب الشراكة والإنقاذ سيد الموقف طوال الوقت، لكن مهلة تصويب الأوضاع للأحزاب المسجلة في الماضي انتهت، ووصل العدد إلى 24 حزباً، ما يعني أن البلاد في عهد تحديث المنظومة السياسية سيديرها أكثر من 40 حزباً.
انطباع العقلاء الراشدين يقول إن حزباً مرخصاً يحمل اسم الشراكة والإنقاذ ويلتزم بمسطرة القانون في الأداء والبرنامج والتصرفات ثم يخضع لرقابة أذرع القانون، هو أفضل بالتأكيد من حزب يتحول إلى فكرة عابرة وسط الناس في الشارع ويجذبهم على نحو أو آخر.

الفكرة الرسمية

في المقابل، الفكرة الرسمية يبدو أنها تلك التي تؤمن بأن الحزب في برنامجه المعلن والذي تقدم لتصويب أوضاعه على أساسه، يخالف منطوق النصوص القانونية الإجرائية المرتبطة بتصويب الأوضاع، لأنه يتبنى خطاباً عن الشراكة مع الدولة، وهو خطاب مزعج. ولكن يجتهد مراقبون كثر ومن بينهم الدكتور رامي العياصرة، بالإشارة إلى أن مشكلة الحزب الرسمية قد تكون قربه الشديد من شريحتين في المجتمع يصنفان باعتبارهما مرتبطين بسقف مرتفع وصاخب في الشعار السياسي.
والحديث هنا طبعاً عن المتقاعدين العسكريين وعن رموز الحراك الشعبي، وقد يكون ذلك صحيحاً على نحو أو آخر، لكنه لا يشكل في الواقع العملي مخالفة للقانون، برأي الجانب الإجرائي في الهيئة المستقلة.
أفكار الحزب وبرامجه وطروحات رموزه ليست هي التي تخضع للمسطرة القانونية، بل استقالات الأعضاء قبل تقديم الوثائق الرسمية. أما لماذا يستقيل هؤلاء الأعضاء فذلك سؤال واستفسار آخر بطبيعة الحال، إلا أن الانطباع يتشكل عموماً بأن مشاهدة خارطة حزبية جديدة في البلاد تحت عنوان التحديث والمئوية الثانية لا تتسع لحزب مثل الشراكة والإنقاذ تعني التمتع بكل مناطق ومساحات التشكيك والتردد وسط الرأي العام.
لأن هذا الحزب يتحول إلى أيقونة وصاحب مظلومية، لا بل إلى قرينة تؤكد بأن الاتجاه معاكس لمنطوق ومضمون التحديث السياسي قوي وصلب، وهذا ما يقوله نشطاء معارضون ومستقلون كثر، من بينهم النقابي المعروف أحمد زياد أبو غنيمة، الذي قدّر علناً بأن التصرفات التي يتحدث عنها قادة الحزب لمنعه من تصويب أوضاعه مؤشر مؤسف على تدخل مراكز قوى في مسألة ينبغي ألا تتدخل فيها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى