اراء و مقالات

الأردن «يغوص» أكثر في «العمق الفلسطيني»: «تحفيز ومكافأة حماس»… انهماك بـ«مخاطر الفراغ» و«تهدئة صراعات فتح»

عمان- «القدس العربي»: يبدو أن قواعد الاشتباك الأردنية مع المعادلة الفلسطينية في المرحلة الإقليمية والدولية الحالية الحساسة في طريقها لـ«تبديلات وتحولات وتقييمات» قد تكون مثيرة في بعض مفاصلها.
وقد لا تنطوي على ضمانات ونتائج في مفاصل أخرى أو تفاصيل يمكن أن تكون مفتوحة على حالة تفاعل مع أطراف محددة في معادلة القضية الفلسطينية وفي الجزء الإسرائيلي أيضاً.
وفي كل حال، الفرصة مواتية لتوسيع إطار المشاورات ليس فقط بسياقها البيروقراطي والسيادي، لكن بمعناها السياسي أيضاً بمعنى فتح البيكار قليلاً على «مساحات مختلفة» إضافية والاستماع وبصورة منهجية لعدة آراء ووجهات نظر من داخل هيكل ومنظومة السلطة الفلسطينية وحتى حركة فتح، وأحياناً بقايا منظمة التحرير وبعض أطراف حركة حماس.

تساؤلات

عمان بهذا المعنى تحولت خلال الأسبوع الماضي إلى محطة تفاعل كيميائي سياسي زاحف فلسطينياً يزورها «المتناقضون والمتعاكسون» وأصدقاؤهما.
وفيها نقاشات «حيوية ونادرة».
لا بل تطرح فيها أسئلة كانت بالعادة لا تطرح، مثل: ما الذي يحصل؟ وكيف نتجنب حالة الفوضى في الضفة الغربية؟ وأيضاً بعنوان ما هو الممكن من ترتيبات الآن للمرحلة المقبلة؟ وما هي القراءات والتوقعات في مرحلة ما بعد الرئيس الحليف والشريك محمود عباس؟
تلك تساؤلات تجنبتها نخب عمان الرسمية طوال الوقت تراثياً، وإن كانت المؤسسة تناقش بعضها الآن بهدوء ودون صخب وبعيداً عن الخطاب الرسمي، وحرصاً على الاستقرار في الأرض المحتلة.
طرح مثل تلك الأسئلة في اجتماعات مغلقه وأخرى متسعة قليلاً اليوم في عمان مظهر لا يمكن إسقاطه من حسابات التحليل أو من قراءة المستجدات، الأمر الذي يعني ليس تبديلاً لا في ثوابت الأردن المعلنة اتجاه القضية الفلسطينية، ولا في الأدوات والرموز والبرامج بقدر ما يعني محاولة التنويع والاسترسال والانفتاح لأول مرة على أسئلة كانت غير مسموحة أو مسكوتاً عنها لأغراض دعم هيكل السلطة الرئيس محمود عباس فقط، بمعنى الحذر الدائم من أي تنويع في الاتصالات خارج خيارات عباس والسلطة وباعتبار ذلك دوماً شكل الاستراتيجية الأساسية في معطيات الاشتباك الأردني، وإن كان البرلماني والخبير السياسي محمد الحجوج يصر وهو يتحدث أو يستعرض المشهد مع «القدس العربي» على أن وحدة المصير والعلاقة العميقة بين الأردنيين، دولة وشعباً، والفلسطينيين وسلطة ومؤسسات وشعباً أيضاً تستوجب التأمل الآن أكثر من أي وقت مضى في ظل هجمة اليمين الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية، كما تستوجب الوقوف أمام خيارات الشعبين والنظامين السياسيين.
ومن هنا، يبقى سياسي من وزن طاهر المصري، أحد الداعمين طوال الوقت لفكره، المشهد الوحدوي وقراءته مجدداً على أمل التوصل لمقاربة تخدم مصالح الشعبين الفلسطيني والأردني، وعلى أساس ما يقوله التاريخ وما تقوله الجغرافيا تحت عنوان وحدة المصير. وباختصار، في تلك المساحة من التحريك وبشكل ملحوظ يمكن رصد «محاولات أردنية رسمية» ملموسة الآن للتحريك والتحفيز على أكثر من مسار في إطار الفهم الكلاسيكي الوطني بأن مصالح الأردن العليا مشتبكة، كما يرى الحجوج مع «الهم الفلسطيني».
مؤخراً، تم تشكيل أربعة أو خمسة خلايا أزمة تتابع. وخلف الستارة والكواليس، يسأل فلسطينيون: ما الذي يمكن أن يقدمه الأردن لخدمة مكونات المجتمع العربي في إسرائيل؟ وكيف نسهل الأمور على أبناء الضفة الغربية وندعمهم؟ تكتيك سمح بتوسع البيكار قليلاً وبصيغة محسوبة مع مغادرة تلك الحساسيات القديمة المرتبطة بالسلطة والرئيس عباس فقط. والمعنى هنا أن الأردني الرسمي اليوم يتقارب أكثر من: أولاً، الاجتهادات والآراء الأخرى في معادلة الداخل الفلسطيني. وثانياً، البحث في اختبار التأثير بمجريات انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الإسرائيلية المقبلة.
وثالثاً، الاقتراب مسافة أطول قليلاً بعيداً عن استراتيجية السلطة دون مغادرتها أو الاستمرار في مغازلتها فقط بوضعها الحالي، وعلى أمل التمكن من إجابة أسئلة محورية لخدمة مشروع السلطة مستقبلاً.

تطور لافت

في تطور لافت، سمح وقد يكون ذلك يحصل لأول مره وبصورة نادرة بالبحث في نقاشات لها علاقة بمشاركة أطراف أخرى والبحث عن جواب على سؤال الغرب المستمر: ماذا بعد الرئيس عباس؟ عمان هنا بدأت «تهتم» وتترك التحفظ القديم قليلاً وتتوسع في طيف مشاوراتها مع «قياديين في حركة فتح» بمن في ذلك أعضاء بارزون في مركزية الحركة أو حتى مطرودون قليلاً من «نعيم السلطة والرئيس». ولدى قيادات بارزة اتصالات ومشاورات اليوم من أحمد طيبي، ونصائحه إلى اللواء جبريل الرجوب والجنرال توفيق الطيراوي ونخبة أعرض من قيادات الصف الأول في حركة فتح وفي المجتمع العربي بعام 1948. عمان تحاول صناعة سيناريو أو تصور له علاقة بمآلات القضية الفلسطينية وأوضاع الضفة الغربية مع حصول تطور اتصالاتي في السياق يقر به الزعيم السياسي لحركة حماس خالد مشعل علناً في عمان، وينطوي على أمل في «موطئ قدم ما» لاحقاً ولأول مرة منذ سنوات طويلة في عمان لحماس، بالتوازي مع الحرص على الإصغاء لـ«مشكلات إحياء منظمة التحرير».
في الأثناء «جس نبض» الإخوان المسلمين بخجل بشأن «التواصل مع الحركة الإسلامية بقيادة رائد صلاح»، وتفاعل مع نصائح من الطيبي وآخرين، وتثبيت الاتصال مع الشيخ منصور عباس وربعه؛ تحوطاً لاحتمالية انتقالهم إلى كتفي بنيامين نتنياهو. كل ذلك بالتناغم مع مبادرات يهتم بها رئيس الوزراء الأردني شخصياً الدكتور بشر الخصاونة، بعنوان الإسراع وفوراً باعتماد العطاءات والمقاولات المتخصصة بإقامة «صالات مريحة» لمسافري الضفة الغربية على الجسور والمعابر الأردنية.

الخلاصة

باختصار وفي الخلاصة، يمكن إجمال «التطور اللافت» في حراك المطبخ الأردني بملف القضية الفلسطينية بخطوات أنجزت حتى الآن، عنوانها «مكافأة تحفيزية صغيرة محدودة» لحركة حماس بعد موقفها الأخير من حرب الأيام الثلاثة وحرص «سياسي» على «احتواء الخلافات والصراعات داخل أقطاب حركة فتح والسلطة» منعاً لتزاحم وفوضى عند الاقتراب من «استحقاق» سؤال ما بعد الرئيس محمود عباس؟ وفي الموقع الثالث توسيع مشاورات «تأثير محتمل» بانتخابات الكنيست الإسرائيلي بناء على نصيحة بعض أعضاء الكنيست وحصرا في ملف «الصوت العربي»، مع اهتمام بالغ جداً بأن لا تستثمر دول مثل روسيا والصين في «الفراغ الفلسطيني».
في الإطار ثلاثي الأهداف ثمة تفاصيل كثيرة تحجم «القدس العربي» عن ذكرها الآن، لكن التحريك أكثر من واضح، وحالة «الغوص» الأردنية المستجدة في العمق الفلسطيني قد تكون منتجة حتى لو انطوت على مغامرات محسوبة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى