اراء و مقالات

السلالة البريطانية ظهرت في «مدن الكثافة السكانية»: الأردن في مربع «القلق الوبائي» ويعود إلى «الحظر»

تحت ضغط وطأة الموجة الثالثة من الفيروس كورونا، عادت الحكومة الأردنية إلى مظاهر التشدد والحظر والإغلاق بالتوازي مع تجاهل شكاوى القطاع الخاص وتحذيراته من كلفة اقتصادية حادة على جميع القطاعات في حال العودة لسياسات الإغلاق.
جازفت الحكومة بوضوح هنا بإسقاط تحذيرات القطاع الخاص ومطالب غرف التجارة والصناعة عندما أصدر رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة بلاغاً جديداً يأمر بعودة الحظر الشامل ليوم الجمعة من كل أسبوع. كما يأمر بتمديد الحظر اليومي إلى ساعتين، بحيث يبدأ من الساعة العاشرة مساء، مما يعني تلقائياً بأن المحلات التجارية والمنشآت ينبغي أن تغلق أبوابها من الساعة التاسعة مساء.
كلفة الإجراء هنا تعني خسارة ملايين الدنانير مجدداً بالنسبة لقطاعات ومنشآت ومرافق اقتصادية لها علاقة بقطاعي التجارة والخدمات. فيما عبر رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق، عن الأسف لاتخاذ إجراءات الإغلاق مع أن الإمكانية كانت متوفرة تماماً لإجراء مشاورات أعمق في التفاصيل تخفف من حدة العودة للحظر الشامل.
وبدا لافتاً لجميع الأطراف أن الحكومة عادت لسياسة الحظر دون تنشيط كبير في برنامج اللقاحات. والأهم أن العودة للإغلاق يوماً في الأسبوع وزيادة مدة الحظر الليلي يومياً تقرر بعد ساعات فقط من تصريح أثار ضجة واسعة لوزير الصحة الأسبق الدكتور سعد الخرابشة، الذي يتولى رئاسية لجنة التقييم الوبائي، أظهر فيه تحفظاً على إنتاجية وجدوى حظر يوم الجمعة. وكانت فضائية المملكة قد استضافت الدكتور خرابشة، وتحدث عبرها عن عدم وجود قرائن وأدلة ودراسات موثقة وعلمية تفيد بأن عدد الإصابات تراجع أو تقلص فعلاً ليوم الجمعة، الذي تفترض السلطات أنه وبحكم عادات اجتماعية، يوم تتوسع فيه المجاملات بين العائلات وأفراد المجتمع وتعقد فيه النشاطات اجتماعية الطابع.
بطبيعة الحال، صدر الأمر الجديد انطلاقاً من صلاحيات قانون الدفاع لرئيس الوزراء. لكن لم تصدر شروحات مفصلة من وزير الصحة الدكتور نذير عبيدات، وامتنعت اللجنة الوبائية الوطنية بدورها عن التعليق على ما ورد على لسان الوزير الخرابشة، حيث لا تقدم الجهات الرسمية المختصة أدلة أو قرائن تفيد بأن حظر الجمعة الشامل يمكنه أن يقلص فعلاً عدد الإصابات. لكن الوزير عبيدات كان قد صرح سابقاً بأن الحكومة مضطرة في كل الأحوال إلى اتخاذ إجراءات بسبب منحنيات القلق الوبائي والأرقام التي تتصاعد. ويبدو أن السلالة البريطانية تحديداً من الفيروس كورونا تضرب أوصال القطاع الصحي والمجتمع بقوة، خصوصاً في العاصمة الأردنية عمان، وتنمو وتتسع بسرعة شديدة، فيما عادت العديد من دول المنطقة إلى سياسة الإغلاق.
ورغم اعتراض رموز القطاع الخاص على الحظر الشامل والجزئي، إلا أن المخاوف الرسمية والبيروقراطية التي تبرر إجراءات الحكومة الجديدة لها علاقة على الأرجح بصعوبة السيطرة على انتشار السلالة البريطانية بعدما اخترقت بقوة في العاصمة التي يقيم فيها نصف سكان الأردن على الأقل، وبعدما ظهرت بصورة تقرع جرس الإنذار في مدينتي إربد والزرقاء شمالي وشرقي العاصمة، مما شكل مثلثاً مقلقاً أو مرعباً من الناحية الفيروسية.
هدف الإجراء بالعودة إلى الحظر الأساسي -كما فهمت «القدس العربي» من أوساط قريبة من وزير الصحة عبيدات- هو الحفاظ على عدم تأثر نسبة إشغال الغرف المرضية في المستشفيات، حيث نسبة إشغال حالية تبلغ 25 % من غرف الإنعاش. ويعتقد خبراء الوزارة بأن الامتناع عن إجراءات، حتى وإن كانت مؤذية اقتصادياً، يمكنه أن يزيد عدد الإصابات، وبالتالي نسبة إشغال غرف المرضى الذين يحتاجون لعلاج أو إنعاش داخل المستشفى.
بمعنى مهني له علاقة بالسياسة الصحية والوقائية، تسبب الانتشار المفاجئ والسريع للسلالة البريطانية وسط الأردنيين بإعادة إنتاج المخاوف من ضغط شديد على البنية التحتية، وتحديداً على مشافي القطاع العام. وبرزت تلك المخاوف على نحو مفاجئ عندما بدأت تظهر إصابات بمئات وآلاف في مدن الكثافة السكانية الثلاث، مما قد يعود في حال السكوت عنه بتنشيط هواجس الخوف من انهيار النظام الصحي أو حتى الاقـتراب مـن ذلك.
وبناء عليه، وجدت وزارة الصحة نفسها مضطرة إلى إجراء وقائي، حيث لا يمكن السيطرة على التجمعات وسط المجتمع إلا عبر آليات وتقنيات الحظر.
وعليه، وبعد جدال ساخن للغاية خلف الكواليس، ضغطت مؤسسات الدولة السيادية في اتجاه الحظر والعودة للإغلاق الشامل ليوم في الأسبوع بالتحالف مع الخبراء الوبائيين في الوزارة واللجنة، مما أدى إلى هزيمة الرأي القائل بعدم اللجوء إلى الحظر، وهو رأي كان يسانده قطاع خاص وبعض الوزراء في الحكومة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى