اراء و مقالات

حتى «تونس غير»: الاستبداد «يتفسح» على «الكورنيش»… وفي العراق إحرق شجرة لتحصل على مقعد في البرلمان

لا نعرف علاقة محتملة بين “غضب ناخب” و”إحراق شجرة” تحيط بالمنطقة الخضراء، التي تبدلت بعض ألوان جدرانها إلى الأحمر، جراء القتل المجاني في عراقنا العظيم.
تبث فضائية “بغدادية” لقطات احتراق الأشجار احتجاجا .
يستفزنا المشهد، وكأن شجيرات العراق لا تقف عند إحراق كل قوى الشر لها ، فقر أهلها حرقها أيضا إن مجددا على أيدي من يضغطون على اللجنة العليا في الانتخابات بحرق أشجار تستظل بها القطط والكلاب، خلافا للبشر.
حجم هائل من العبث والمرارة تبثه فينا محطة “الجزيرة”، وهي تنقل الحدث فقرب نفس الأشجار المحروقة قتل مواطن وهو يحتج.
الانتخابات يفترض أنها آلية حضارية لحقن الدم وصيانة الشجرة، وليس العكس.
ولعلها مفارقة “عربية” بامتياز فأهلنا في بلاد الرافدين يشيدون بـ”نزاهة الانتخابات”، لكن يرفضون النتائج، لأن تحالفا شريرا بين رأس المال والعمامات الطائفية يغذي التناقضات، ومعه قطط الحرب السمان.
من سوء حظ لجنة الانتخابات العليا أن جماهير المحاصصة استشهادية والأغرب تلك القوى السياسية والتياراتية، التي شاركت في الانتخابات وتقر بنزاهتها لكن “موقفها بعد النتائج”.

تونس «غير»

طوال عقود ويدور في ذهننا السؤال التالي: أهلنا في بعض القرى الأردنية عندما يغضبون، لماذا يحرقون “كابسة النفايات”، التي تقيهم شر الزكام؟!
أحدهم طالب بالإنصاف ومحاربة الفساد بإحراق عيادة البلدة الطبية ومكتب البريد.
وفي بغداد، التي كانت مدهشة أيام زمان، يغرق الناس ويستعبدهم الفاسدون وتنقطع الكهرباء فيها ويجد “تجار الديمقراطية” من يتحدى الرصاص مقابل مقعدهم في انتخابات، يراد لها أن تزور على قاعدة “المستبد العادل”!
في تونس مثلا الاستبداد يتفسح على الكورنيش قرب ميناء “هانيبال” ودون وظائف أو عدالة.
أعجبنا مذيع أخبار الفضائية الرسمية التونسية وهو يستلهم من الشرق مشهدا واحدا فقط، قوامه مذيع النشرة السورية، وهو يتلو بصوت جهوري أي خبر عن “السيد الرئيس – حفظه الله”.
صعب أن نصدق أن أكاديميا راشدا فتن الناس بخطاب العدالة في الخضراء تونس، يسير بهدوء وارتياح على درب من تصوت لهم انتخابات الرئاسة في الشرق بنسبة “99 في المئة”، أو على درب من يحصل على التصويت اللازم مقابل صورة كرتونية.
“تونس غير”. كانت دوما كذلك، وينبغي أن تبقى بعيدة عن تأثير “البترو – دولار”، الذي خطف منا جميعا السودان وليبيا و”أم الدنيا” مصر.
حتى “بي بي سي” اضطرت لنشر نبأ صدور مذكرة إعتقال دولية بحق الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي !
ما هي جريمة المرزوقي؟ فرنسا لا تملك الوقت للاستماع للمرزوقي أصلا، والرجل قال رأيا في ما يجري في بلاده، و”العهد الجديد” في غاليتنا تونس يوحي لنا نحن المهمومين في الشرق بأن حالة ديكتاتورية طازجة تتشكل في حوض المتوسط الفائض بالديكتاتورية.

«المملكة» وتفجير «الدمل»

مجددا، تعود المفارقة من أساسها وتقولها بالبنط العريض، تلك التغطيات والمساحات الإعلامية، التي فرضتها فضائية “المملكة” حصريا في الأردن لتغطية نتائج الاستطلاع الأخير وعنوانه وصول انعدام الثقة بين المواطن والمؤسسات الى مرحلة حرجة جدا، لا بل مرعبة ومخيفة.
فضائية “المملكة” عمليا لجأت الى عملية تفجير الدمل، لكن الأهم هو أن وصول انعدام الثقة إلى مراحل متقدمة بين المواطن الأردني ومؤسساته ينتج عنه فورا ما نرصده جميعا عبر منصات التواصل الاجتماعي وغيرها، تحت عنوان النقد الجارح والتعليقات التي تخترق كل الخطوط الحمراء وتجرح الأردنيين على مستوى المؤسسات بكل ما يؤمنون به في العادة أو بكل التراث الذي تراكم .
قلناها سابقا ونعيدها، أسباب ومبررات ومسوغات الاعتراض والمناكفة والشغب والحراك ما زالت موجود وأزمة الأدوات تضرب بقوة هذه الأيام.
وقلناها سابقا ونعيدها أن الاستمرار في الصمت على أزمة الأدوات وعلى أزمة النخب وعلى انعدام الثقة وعدم وضع معالجات وطنية سريعة وفعالة يعني ببساطة اختراق كل الأسقف والعودة إلى قواعد لعبة الشارع وهو آخر ما يحتاجه الأردن كوطن في هذه المرحلة الصعبة بعد عامين قاسيين، بعنوان الفيروس كورونا.

بائع القهوة الأردني

عمليا، لا ينفع تجاهل تلفزيون الحكومة الأردنية للحالة الحضارية، التي كان عنوانها لجوء رئيس الوزراء كمواطن أردني الى القضاء في تقديم شكوى بالتأكيد هي من حقه الشخصي.
لا يوجد غبار في أن يشتكي رئيس الوزراء بصفته المدنية الشخصية على مواطن نشر معلومة غير صحيحة، بصرف النظر عن كون هذا المواطن بائع قهوة، لكن الغبار يتكثف عندما يستهدف أي مواطن بالتوقيف كعقوبة قبل إثبات الجرم.
كونك بائع قهوة لا يعني إطلاقا أن حقك دائم في نشر وقول ما تريد وبدون أدلة، وكونك صاحب موقع عام لا يعني أن توقف قبل إثبات الجرم في المقابل، وتلك مسألة تخص سلطة أخرى لا علاقة لها بالحكومة .
باختصار، مشهد بائع القهوة برمته كان طبعا يمكن تجاوزه. وما زلنا كأردنيين ندور في “نفس الساقية”! وقد أجزم أننا جميعا – مسؤولين ومواطنين – مطلوب منا ذلك .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى