اراء و مقالات

لماذا «غضب القصر»؟ الاستثمار والاستقواء… برلمان الأردن في الاختبار الأصعب بعنوان «السلوك» وضعف «اللجان»

ما علاقة «العشائر» بطموحات وتصرفات ممثليها؟

لا يمكنها أن تكون عبارات «مترادفة حقاً» وبصرف النظر عن أي تفاصيل.
«ثقافة العشائر الأردنية» مقابل «ابتزاز الاستثمار».
العبارة الأولى استخدمت في سياق «تبريري» لعضو مجلس النواب المثير للجدل أسامه العجارمة، وبصيغة تحاول الاستناد بموقع خلف «القبيلة» وثقافات العشائر التي توفر مظلة منذ عام 1921 عملياً لكل المصانع والاستثمارات وقبل تأسيس الدولة.
أما الثانية فرددتها بخشونة غرفة صناعة عمان، التي تمثل كبار الأعضاء في نادي الاستثمار الصناعي. علماً بأن التعاون بين المستثمرين وأبناء المناطق والعشائر وأيضاً طوال عقود، كان مثالاً يحتذى طوال الوقت في سياق التنمية والتوظيف.
قد ينطوي الترادف على «مبالغة» مفترضة من الطرفين، لكن قبل التحول الديمقراطي عام 1989 كان أبناء العشائر يحتجون مطالبين بمصانع واستثمارات في مناطقهم من باب توزيع مكتسبات التنمية. واليوم وبعد وصول بعض «الوجوه الجديدة» للبرلمان، تحصل إشكالات بين الاستثمار وأبناء المناطق التي تقام فيها استثمارات بسبب تدخلات «تقلق» المستثمرين تحت عنوان «توظيف أبناء المنطقة».

ما علاقة «العشائر» بطموحات وتصرفات ممثليها؟

ثمة حادثة في الذاكرة لا تزال طازجة كان نجمها النائب العجارمة نفسه قبل عدة أسابيع، ويتردد أنها «أغضبت القصر الملكي» آنذاك قبل احتوائها.
و«القدس العربي» تعلم يقيناً بأن استثماراً ضخماً في المجال الأكاديمي كان بطريقه إلى أولى الخطوات في منطقة النائب العجارمة، تراجع أصحابه -وهم خليجيون- بعد الحادثة الأولى، فيما يبلغ اليوم أحد أكبر المصانع في المنطقة عن واقعة «اقتحام ثم ضرب حارس» ثم تدخّل في إدارته واتهامات بالاتجار بالبشر، نفاها فوراً النائب العجارمة نفسه، قبل أن يقرر مجلس النواب الأربعاء، «إحالة» الملف للتحقق عبر لجنته القانونية.

رواية

يفترض في اللجنة القانونية التي تفتقر بالمناسبة إلى «خبراء حقيقيين» ولديهم سجل ممارسه تشريعي يعتد به، أن تتحقق من التفاصيل بموافقة النائب نفسه، وتصدر تقريراً، وإن كانت «مسألة ابتزاز نواب أو حراكيين لمستثمرين» لن تقف في كل حال عند هذه الحدود حتى عندما تقرر أي جهة اللعب بورقة «القبيلة» مع أن أبناء العشائر في العديد من الحوادث امتنعوا عن التصدي للتحرشات التي تجري باستثمارات في مناطقهم، لا بل وفّروا الحماية أحياناً للشركات والمصانع التي توظف أولادهم.
في كل حال، ثمة رواية للواقعة على لسان النائب، وأخرى على لسان صاحب المصنع الذي وضع إفادة كاملة بخصوص واقعة أثارت جدلاً عاصفاً، وبين الروايتين يفترض أن تتحقق من التفصيلات اللجنة القانونية في المجلس النيابي قبل تقديم روايتها لمسار الأحداث.
لكن يجمع النواب بأن ابتعاد نخبة من أبرز مشرعي وقانونيي المجلس عن «عضوية اللجنة القانونية» مثل عبد الكريم الدغمي وصالح العرموطي، كان من «الأخطاء الفادحة» في هندسة لجان التشريع على معيار سياسي أو «أمني» فقط.
قد تعاني التفعيلات والوزراء من «لجنتين» في هذا السياق، لكن واقعة «مصنع ناعور» ستضيف عبئاً على العبء الذي يعاني منه أصلاً رئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات، حيث «اختبار مبكر» جداً لقدرة المجلس وبعده الدولة على «ضبط إيقاع» انفعالات الأفراد النواب، خصوصاً في ملفات حساسة جداً قد يكون أبرزها «الاستثمار» فهو -أي الاستثمار- ووفقاً لما قاله السياسي المخضرم الدكتور ممدوح العبادي لـ»القدس العربي» يستطيع «معاقبة أي حكومة» بالمغادرة أو الانكماش عندما «تعاقبه أو تضايقه».
غرفة صناعة عمان بهذا المعنى بدت بعد حادثة «النائب العجارمة ومصنع ناعور الضخم» قلقة جداً، وتستطيع في مواجهة مبالغات تدخل النواب في المصانع الميل للتصعيد في اللهجة، وهي تطالب الدولة بـ»وضع حد نهائي» للتصرفات غير المسؤولة تحت ستار «الحصانة البرلمانية» ومحاسبة من يرتكبون أعمالاً «خارج القانون».
عملياً لأول مرة تتحدث غرفة الصناعة عن «قلق المستثمرين من تعرضهم للابتزاز» واستعملت عبارة «الاستقواء على القطاع الخاص».
يعني ذلك أن السؤال الذي تطرحه اليوم غرفة الصناعة حساس للغاية، وبعنوان: كيف يمكن لاستثمارات المصانع أن تمس بثقافة العشائر والقبائل التي تتواجد في مناطقها؟
لا أحد يملك إجابة محددة، وإن كان النائب العجارمة لم يشرح الأسباب التي دفعته للعب بورقة «المساس بثقافة العشائر» عندما قرر الدفاع عن نفسه وشرح تعرض زيارته للمصنع للتحريف والتهويل والمبالغة.
الأهم أن توقيت واقعة «العجارمة والمصنع» حساس أيضاً ليس بسبب تكرار الإشكال مع النائب نفسه، ولكن لأن «كل مطابخ الدولة» مشغولة للتو بالإجابة عن سؤالين في غاية الاستثنائية والأهمية.

سؤالان

السؤال الأول: ما هي الآلية الأفضل لضبط سلوك النواب الأفراد وتأسيس حالة «تشريعية ونظامية» تمنع المساس بهيبة مجلس النواب؟ هنا سؤال طرحه مع «القدس العربي» وأمامها الرئيس العودات ثلاث مرات على الأقل، ويشكل هاجساً له وللمكتب الدائم.
والسؤال الثاني: كيف نتجنب خيارات «حل البرلمان» الحالي ونعمل على إطالة عمره قليلاً بعد «نعي وتكفين» الانتخابات الأخيرة المهندسة؟ وهنا أيضاً سؤال استثنائي له أسباب دولية وإقليمية.
المهم في واقعة النائب عجارمة، وبصرف النظر عن «عدالة مسألته» أو تصديق رواية المصنع، أن الأخير وجد نفسه وبدون تخطيط عالقاً في أزمة حقيقية أكبر منه ومن المصنع الذي اقتحمه، عنوانها «الانتخابات» والإصلاح السياسي والاستحقاقات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى