اراء و مقالات

بعد الخرابشة والعسعس… برلمان الأردن والحكومة: «أزمة تعايش» وشيطان «التشريعات» في التفاصيل

عمان – «القدس العربي»: بعد الهجوم الشخصي الحاد قبل نحو أسبوعين على وزير المالية الأردني الدكتور محمد العسعس، ثم على وزير الطاقة الدكتور صالح الخرابشة الأسبوع الماضي خلال اجتماعات ومشاورات البرلمان، تصدعت بنسبة مرصودة وملحوظة كيمياء العلاقة بين الطاقم الوزاري وبعض النواب وبصورة من الصعب الاستمرار في إخفائها.
في المقابل طبعاً، يبذل رئيس مجلس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة ورئيس مجلس النواب عبد الكريم الدغمي جهداً ملموساً أيضاً للبقاء في مسافة آمنة على مستوى العلاقة والاشتباك بين السلطتين تجنباً للمزالق والمفاجآت من جهة، ولتمرير ما يمكن تمريره من أجندة الدورة الاستثنائية الحالية للبرلمان، وهي دورة مزدحمة بتشريعات مثيرة للجدل.

ارتباك تشريعي

بالتوازي، يمكن ببساطة ملاحظة حجم ونوعية الارتباك التشريعي جراء اجتهاد طاقم الحكومة بحشر 12 تشريعاً وقانوناً مهماً للغاية في دورة استثنائية صيفية للبرلمان دون تحديد سقفها الزمني خلافاً للعادة، الأمر الذي يدفع في اتجاه مداولات انفعالية من النواب أحياناً ودفاعات غير منتجة من الوزراء عن تشريعات يبدو أن بعض مفاصلها لا يؤمن به الطرفان أصلاً، مما يربك خطوط الشرح والتفصيل والدفاع.
الدورة الاستثنائية للبرلمان باختصار مربكة، فوقتها المفترض قصير وينبغي أن لا يتجاوز الثلث الأخير من أيلول/سبتمبر، والتشريعات الموجودة على أجندتها مثيرة جداً للجدل ومهمة للغاية، والانطباع عند الطاقم الحكومي على الأقل مبكر بأن حسابات انتخابات النواب الداخلية تضيف عنصراً من التعقيد على وضع استثنائي ومعقد خلال صيفية البرلمان الطارئة الاستثنائية.
ليس سراً هنا أن انطباع الطاقم الوزاري الذي يتابع الملف البرلماني يتكدس في ملاحظة طول أمد الجلسات في القراءة الأولى والافتتاحية، ووجود حدية وانفعال عندما يتم إحضار الوزراء لاجتماعات اللجان المختصة تماماً، كما حصل مؤخراً مع وزير الطاقة صالح خرابشة.
الدغمي يمنح النواب في القراءة الأولى قبل تحويل التعديلات والتشريعات إلى اللجان فرصة عريضة للتحدث، وهو أسلوب جديد في منح فعالية للقراءة الأولى خلال دورة استثنائية، لكن ثمة من يتهم نواباً طامحين برئاسة مجلس النواب للدورة العادية المقبلة بالخضوع لحسابات الانتخابات خلال دورة استثنائية يفترض أن تكون سريعة.
عناصر الحساب الانتخابي بارزة جداً في السياق، فالدغمي مرشح قوي وطامح بإعادة انتخابه رئيساً للمجلس في الدورة العادية المقبلة، والنواب لديهم خيارات متعددة، من بينها نية النائب نصار القيسي ترشيحه نفسه وانتظار تقييم وموقف المؤسسات الكبيرة بخصوص توزيعة المناصب العليا في إدارة المجلس ورؤساء اللجان.
يبدو واضحاً للطاقم الوزاري أن أحمد الصفدي وعبد المنعم العودات، في نياتهما، لديهما طموح في البقاء أو العودة لمواقع الصف الأول، والتشريعات المطروحة الآن حادة جداً في إثارة الجدل، وأبرزها تعديل قانوني مرتبط بحقوق الطفل يعترض عليه الإسلاميون بشدة ويتهمونه، وسط الرأي العام، بالمساس بهوية الشعب الإسلامية والعربية.
وثمة جدل ضخم لا نهاية له بخصوص بيئة الاستثمار الجديد، الذي خضع للتمديد والتقصير والأخذ والرد عشرات المرات، وبدا لافتاً أن رئيس اللجنة المختصة بالاستثمار النائب الدكتور خير أبو صعليك، يعمل ليل نهار في النصوص وتعديلاتها وسط حقل ألغام يحاول عبره إرضاء جميع الأطراف في قانون مهم للغاية، مما دفع أبو صعليك لتصريح مثير أعلن فيه بأن الشيطان في التفاصيل.
وفي ضوء الهجوم على العسعس، يسأل مراقبون مختصون عن ما إذا كان التعايش ممكناً مستقبلاً في حالة بقاء الوزير في موقعه وتركيبة اللجنة المالية كما هي اليوم، وهو أمر ينسحب على علاقة لا تبدو مستقرة أيضاً بين وزارة الصحة حيث الوزير الديناميكي فراس الهواري، وأعضاء اللجنة الصحية.
في اللجنة القانونية لا تبرز مشكلات معقدة، لكن في اللجنة المختصة بملف الطاقة، فالتواصل حاد وانفعالي وأحياناً ناري مع الوزارة والمختصين، بسبب أهمية هذا الملف عند الناخبين وغموض معظم تفعيلاته وتفصيلاته.
في المجمل، لا أحد في الحكومة أو تحت قبة البرلمان يستطيع اليوم تخيل صيغة التعايش بين الوزراء واللجان في دورة عادية مقبلة لن تبدأ أصلاً قبل الانتهاء من الدورة الصيفية الحالية المربكة وسط بروز عناصر قوية مؤثرة في كل السياقات تبرر صعوبات عملية التشريع، وأهمها حسابات انتخابات رئاسة المجلس وتوابعها في الدورة العادية المقبلة.

تكهنات وتوقعات

ومن بين أهمها أيضاً ارتباط الدورة الاستثنائية بتكهنات وتوقعات لها علاقة بحسم ملف بقاء الحكومة الحالية وكيفية هذا البقاء إن تقرر، إضافة إلى حسم ملف تغييرات مهمة في مناصب عليا للدولة. والوضع مربك لجميع الأطراف، والانطباع عند الجمهور أميل إلى انتقاد النواب والحكومة معاً، والانطباع عند النواب -كما يرى النائب رائد السميرات متحدثاً أمام «القدس العربي»- هو أن سلطة الحكومة تحتفل بتشويه سمعة النواب، أما قناعة الطاقم الوزاري فتتمثل في أن مجلس النواب الحالي مرهق وصعب ويستنزف طاقة الحكومة والمؤسسات خلافاً لأنه انفعالي ومنفلت أحياناً في جزئية الخطابة والميكروفون.
ويبقى السؤال: كيف يمكن تفكيك كل هذه التداخلات قبل نهاية أيلول تمهيداً لفتح صفحة جديدة؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى