اراء و مقالات

حادثة «السلط»: نختلف مع «الدولة» أم عليها؟

النهج نفسه الآن وفي ظل مستودع الذكريات الحزينة التي لطمنا بها مجددا حادث مدينة السلط الأليم الأخير بحاجة ملحة للإيمان بالتغيير

صعب جدا اليوم وفي مواجهة الواقع والحقيقة أردنيا القول بأن «تغيير النهج» مسألة يمكن تقزيمها على قدر مجرد هتاف أو شعار أو بيان سياسي مغرض، وله أجندة ويمكن تقليص أهميتها القصوى على بيكار الرغبة فقط في إزعاج وإقلاق السلطة.
«تغيير النهج» بعد سلسلة من الأحداث التي تصدمنا جميعا كأردنيين في وجه الحقيقة ليس مجرد عبارة لا لزوم لها اليوم، لا بل التركيز على إطلاقها من باب المناكفة أحيانا فقط يسيء لمنطوقها وللنهج وأصحابه. مجددا الأخطاء عندما تحصل سواء أكانت فاضحة أو ضخمة أو صغيرة بائسة، تولد وتنمو وتنضج وهي أردنية.
الموظف المخطئ أردني، كذلك الوزير والغفير، وتغيير النهج بصورة حقيقية عميقة منتجة إيجابيا يبدأ من الإيمان بالمنشأ الأردني للمشكلات قبل أي خطوة أخرى، لأن الحديث عن مؤامرات من تيارات هنا وهناك في الداخل والخارج، تريد خلط الأوراق في البلاد، أكثر حمقا من الأخطاء نفسها.
النهج نفسه الآن وفي ظل مستودع الذكريات الحزينة التي لطمنا بها مجددا حادث مدينة السلط الأليم الأخير بحاجة ملحة للإيمان بالتغيير، فنحن للمرة الألف لا نختلف على الدولة حتى عندما نختلف معها. ولا نختلف على الشرعية ولا نسمح لأنفسنا بالتفكير ببدائل عن النهج، ففي النهاية النهج الذي ينتقده اليوم بعض محترفي الشغب والنميمة، هو نفسه النهج الذي أسس التجربة الأردنية بدولة عمرها 100 عام، يحترمها الجميع في الداخل والخارج وتمثل هوية شعب يتطلع للمستقبل ويؤمن بأن مؤسساته تعبر عنه سياسيا.
أي خطاب يتحدث عن إسقاط النهج وفقط، يسقط بامتياز في رذيلة التسييس والأجندات. والأردنيون النبلاء يريدون تحديث النهج ومراجعته وليس القفز عنه أو عليه فذلك خط أحمر.
ينبغي على الألسن التي تلوك قصة النهج بمناسبة أو بدونها وبدون تفصيل أو انطلاقا من دوافع خبيثة ومريضة أن تصمت. وينبغي بالمقابل على الدولة ومؤسسات القرار التمييز والتفريق بين عبارة شاذة أو مطلب مغرض، يصدر هنا أو هناك بنية سيئة أو من هواة المعارضة غير المحترفين تحديدا في الخارج، وبين تلك الشخصيات الوطنية التي يعتد بها والتي تؤمن بالنظام والدولة والشعب معا، وتحاول منذ سنوات طويلة لفت النظر إلى أن مقاربات التحديثات اختلفت والنهج يحتاج فعلا إلى تصويب وتعديل، والأهم قبل ذلك لا بد من تعريف ما ينبغي للاقتراحات أن تعمل على تعديله أو تغييره.

النهج نفسه الآن وفي ظل مستودع الذكريات الحزينة التي لطمنا بها مجددا حادث مدينة السلط الأليم الأخير بحاجة ملحة للإيمان بالتغيير

إدارة الأمور في المملكة الأردنية الهاشمية على المستوى الإداري تحديدا، وعند سكان الطبقات، الإدارة العليا بالطريقة المتواصلة الحالية لم تعد نافعة، ولا تؤدي الغرض، بل تراكم الإحباط وتؤدي إلى تخزين الاحتقان، وتدفع المراهقين والطفيليين من دعاة التحدث باسم الشعب الأردني ومكوناته إلى الصدارة بميكروفون مختل، تزيد فرصته في الظهور والحضور، لأن الميكروفون الوطني العاقل الراشد يقمع ويمنع أو يتعرض للإقصاء بدون أي سبب مفهوم.
نعم نقولها وبكل وضوح الآن، لا بد من تغيير النهج في إدارة الملفات والأمور والنخب والأدوات وأجهزة ومؤسسات الدولة، لكن تلك عملية ينبغي أن تشرح فيها التفاصيل لأن التغيير الذي نقصده إيجابي ونبيل، وتحت سقف ثوابت الدولة، ويهدف للبناء وليس للهدم، ويستند إلى قواعد تصويب الأخطاء والتخلص من المشكلات وتصويب الجبهة الداخلية الواحدة.
نصوت لتلك الدعوات الصادقة الوطنية التي تقترح على مؤسسات القرار اليوم المراجعة وإعادة النظر والتصويب، فبعض الأساليب والأنماط والتقاليد التي كانت تصلح في الماضي القريب، لم تعد تصلح الآن، والإصرار على بقاء واستقرار وتغذية أزمة الأدوات تحديدا، لم يعد مفهوما لا بل أضراره تنمو وتزيد وتتوسع، ولهيبه يكاد يحرق أطراف ثوب الوطن والدولة.
أزمة الأدوات هي الأساس والإصرار على وجود نوعيات محددة من الأشخاص في مفاصل القرار الاستشاري والتنفيذي قد يكون في صلب المشكلة، وفي جوهر المساحات التي لا بد من التوافق على أنها تحتاج لتصويب وتعديل.
أزمة الأدوات عند الحفر العميق قد تكون هي التي تقف وراء النكد الذي يجتاح مشاعر الأردنيين، ويعزز قلقهم ومخاوفهم، في وقت يترقبون فيه الاحتفال بالمئوية الأولى لدولتهم.
أي معالجة تحت عنوان القناعة والتوافق على تصويب النهج، تبدأ من توقف الإنكار وإعادة النظر بالطريقة التي يختار فيها المسؤولين وهم يعتلون أكتاف الدولة والناس، فمن غير المعقول أن تستمر آليات وتقنيات اختيار النخب بالصورة الحالية للأسف، فيما يتم بالتوازي تفريغ الحياة الحزبية والنقابية من خطابها ومضمونها الوطني.
انتهى تقصير موظف صغير بمراقبة لوحة إلكترونية تتحكم بالغاز الطبي بجريمة وشهداء. لكم من العار علينا أن نعتبر أن التقصير والخطأ على قدر هذا الموظف الصغير فقط.
من غير المعقول مواجهة كل الامتحانات الصعبة بدون رجال دولة ومثقفين وبالإصرار العنيد على المحاصصة والإعلاء من شأن الولاء على حساب المهنية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى