اراء و مقالات

الأردن ـ إيران: علاقة «معقدة» وتراث كامل من «سوء الفهم» وسط ارتياب في الأجندة الإيرانية

عمان ـ «القدس العربي»: لا يجد أردنيون كثر رغم بحثهم المتكرر، تلك المبررات والمسوغات التي تدفع البوصلة الرسمية في بلادهم إلى الارتياب الشديد بالأجندة الإيرانية تحديداً بالرغم من الحوارات التجاذبية المفعمة بتبادل رسائل، التي تجري بين الحين والآخر فقط على مستوى وزيري الخارجية في عمان وطهران.
الوزيران أيمن الصفدي وحسين عبد اللهيان، التقيا مؤخراً في نيويورك على هامش اجتماعات مجلس الأمن الأخيرة. وكالعادة، ترافق الاجتماع الذي قيل إنه صريح ودبلوماسي بامتياز، وتم تبادل بعض الرسائل فيه مع المتلازمة الأردنية العلنية التي كررها الصفدي وهو يتحدث عن سعي بلاده الدؤوب لعلاقات طيبة وإيجابية مع الجار الإيراني، لكنها يجب أن تكون قائمة على «عدم التدخل بالشؤون الداخلية للطرفين».
الصفدي عندما تحدث مع «القدس العربي» مؤخراً شارحاً أولوية الأردن بعد اتساع الصراع ووقف العدوان الإسرائيلي، كرر نفس تلك المتلازمة التي تدعو الإيرانيين إلى تجنب التدخل بالشؤون الداخلية ليس للأردن فقط، ولكن لبقية الدول العربية.
لماذا يكرر الخطاب الأردني عبارة «الشؤون الداخلية» كلما تعلق الأمر بإيران تحديداً؟
يبدو سؤالاً حيوياً في حال الرغبة بتتبع ما حصل من فوارق في علاقة متوترة بين عمان وطهران بعد ليلة إسقاط الأجسام الطائرة الشهيرة يوم 14 من الشهر الجاري، حيث نتج انطباع وسط الجمهور الأردني على الأقل بأن العلاقات التي كانت متوترة مع إيران ستدخل في نفق مظلم أكثر بسبب النشاط الأردني الدفاعي الملموس في مواجهة المسيرات والصواريخ الإيرانية، التي قصفت بها إسرائيل وصفق لها الشعب الأردني بكل حال، لأغراض لا علاقة لها بإيران نفسها.

المسائل معقدة بينهما

لكن الإجابة على السؤال نفسه ليست متاحة لغالبية المعلقين المشتبكين بعد الليلة المشار إليها، وما قاله أمام «القدس العربي» خبير سياسي كبير من وزن الدكتور جواد العناني في التحليل والتفسير، هو أن المسائل أعقد مما تبدو عليه، والعلاقة العربية مع إيران عموماً فيها تراث من سوء الفهم المشترك.
بكل حال، لا يفضل العناني الغرق في التفاصيل، لكنه نشر مقالاً يحمل رسالة دعوة إلى التعقل وينصح الإيرانيين فيه ويدافع طبعاً عن خيارات بلاده. في المقابل، تبدو المسألة أعقد مما هو موجود على سطح الحدث فعلاً، حيث درجت المؤسسة الأردنية على الاستعانة بأركان رموز البيت الشيعي العراقي حصراً عندما يتعلق الأمر بتوجيه أو استقبال أي رسالة يكون الطرف الثاني فيها الجمهورية الإيرانية. وقد لمح لذلك رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، عندما ناقشته «القدس العربي» في بعض الملفات التي طرحها في زيارتين إلى بغداد.
وتعرف المؤسسة الأردنية أن وعوداً من الجانب الإيراني بالتدخل للسيطرة على مجموعات تهريب المخدرات النشطة والمسلحة جنوبي سوريا لم تنفذ عملياً بعدما نقلت عبر وسطاء عراقيين منذ نحو عامين، وفيما يتصور الأردن دوماً بأن مجموعات المخدرات السورية التي حاولت التسلل إلى الأراضي الأردنية تحظى برعاية ما غامضة من جانب بعض القوى الإيرانية تصر طهران خلف الستارة على أن الأردن يبالغ في تحليلاته هنا.
وسابقاً لليلة الأجسام الطائرة المشار إليها، تقدر عمان بأن طهران لا تبذل الجهد المطلوب في مسألة المخدرات السورية تحت قواعد حسن الجوار، خصوصاً أن المناطق التي تنطلق منها محاولات التسلل بالمخدرات المسلحة بالفهم الأمني الأردني هي مناطق موالية لمجموعات إيرانية جنوبي سوريا.
لذلك، يمكن القول إن نشاط المخدرات تحديداً قد يكون أكثر الأسباب التي تدفع عمان للارتياب.
وقد فهمت «القدس العربي» مباشرة من الوزير الصفدي بأن الأمن الداخلي الأردني والحدودي والتصدي لتلك المخدرات، أولوية مطلقة وكبيرة في خارطة بلاده وبوصلها، الأمر الذي لم تلتقطه طهران بالاهتمام وفقاً للجرعة التي يفترضها الأردن. لكن الخلاف لا يقف عند حدود المخدرات السورية؛ فالعلاقة مع إيران اقتصادياً وسياسياً غير منتجة برأي الأردنيين، واللوبي المناصر لطهران في بغداد ينشط في الاتجاه المعاكس لحصة الطائفة السنية العراقية الحليفة للأردن تاريخياً وعملياً في مؤسسة الحكم العراقية.

منع تدشين أنبوب نفط

فوق ذلك، وفي صفحات الاحتقان الأردني من الدور الإيراني خلف الستائر، واحدة تتحدث عن نشاط كبير لمنع تدشين مشروع أنبوب النفط الناقل بين الأردن والعراق، وهو واحد من أضخم المشاريع التي يراهن عليها الأردنيون في مجال أمن الطاقة، ولا تتعاون معه طهران بقدر ما تعيقه عبر رموزها ومناصريها في حكومة وبرلمان بغداد.
وما لا يعرفه الجمهور من صفحات التعاكس في المصالح أن القوى اللبنانية النافذة المقربة من إيران والمحسوبة عليها، تمكنت طوال سنين ـ في رأي المراجع السياسية الأردنية ـ من تقليص علاقات مهمة بين الأردن ولبنان أيضاً خلافاً لأن إعاقة الأمريكيين لمشروع نقل الكهرباء الأردنية إلى لبنان ذريعته في واشنطن هي النفوذ الإيراني في سوريا. بالمعنى نفسه، وعند تقليب صفحات إضافية، تترسخ قناعة لدى الرسميين الأردنيين بأن الدور الإيراني في اليمن حرم القطاع الطبي الأردني من استمرار تدفق السياحة العلاجية اليمنية إلى الأردن، فيما الأدبيات التي تصل في تقارير استراتيجية أو أمنية إلى حكومة الأردن تتحدث عن حضور قوي في المؤسسة الإيرانية للجناح الذي يؤمن بإخضاع المزيد من العواصم العربية وعدم الوقوف عند الاستحكام الإيراني في بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء.
يقول رسميون أردنيون بتلك المسوغات خلف الستائر، والخلاصة هنا أن العلاقة مع إيران أصلاً في مستوى الارتياب خلافاً لأن تعليقات القيادة والدبلوماسية الأردنية توضح ما لا يمكن أن يقال صراحة للجمهور الأردني بخصوص هواجس أن يتحول الأردن إلى ساحة احتراب بين إيران وإسرائيل. ولعل ذلك الهاجس الأخير والأساسي هو في تحرك الأردن النشط أولاً في التصدي للأجسام الطائرة ليلة 14 من الشهر الجاري، وثانياً في إبلاغ الإيرانيين والجميع لاحقاً بالرسالة التي تقول إن الأردن لن يسمح لإسرائيل ولا لغيرها أيضاً باستخدام أراضيه أو سمائه لتوجيه ضربات لإيران أو لأي دولة أخرى في المنطقة إن استطاع طبعاً لذلك سبيلاً، وأغلب التقدير أنه يستطيع.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى