اراء و مقالات

«لغو سياسي» يحيط بنقاشات «حقوق الطفل الأردني»: «كمين» يظلل النقاشات والحكومة «قد تسحب» المشروع

عمان – «القدس العربي»: يبالغ التيار الإسلامي الأردني في موقفه من تعديلات قانون حقوق الطفل الجديدة المثير جداً للجدل، والتي بدأت تنتج أطناناً إضافية من الجدل السياسي والإعلامي والاجتماعي لأسباب قد تكون مفهومة في سياق الخبراء ضمن التيار الإسلامي.
والعارفون بكيفية إدارته لمعاركه خصوصاً أن الانطباع المتعلق بالربط ما بين حرب مفترضة على هوية الشعب الأردني الإسلامية والعربية وبين تعديلات طفيفة جداً على قانون حقوق الطفل، لم تقدم عليه أي أدلة مقنعة؛ لا للرأي العام ولا لجمهور المختصين، مما يعني ضمنياً بأن الحرب التي تشنها الحركة الإسلامية الأردنية عبر نوابها وعبر حزبها جبهة العمل الإسلامي، سياسية بامتياز. وهي حرب فعلاً قد تكون بدوافع سياسية أو بخلفية سياسية مرتبطة بوجود إشكالات وتجاذبات بين عدة أجنحة داخل التيار الإسلامي، تحتاج إلى شعار وبرنامج يمكن توحيد الجميع على أساسه.
وهي مسألة تخدمها بقسوة وغلاظة النظريات المتعلقة بخطف الطفل من والديه أو تفسير تعديلات القانون على أساس الحرب على الهوية الإسلامية للمجتمع، إضافة إلى أن التواجد بحكم مشكلات الإزاحة وقوانينها بعد إعلان برنامج ومشروع تحديث المنظومة السياسية، في منطقة الاحتياجات لقضية جديدة تجمع الأردنيين معاً وتلعب على وتر استفزاز وإثارة مخاوف التيارات المحافظة.

خير من يجيد العزف

التيار الإسلامي كما يلاحظ عضو مجلس الأعيان اليساري والناشط جميل النمري، هو خير من يجيد العزف على مثل هذه الأوتار، حيث إن التركيز على قضايا مرتبطة بالهوية الدينية للأردنيين عنصر، وهو عنصر جاذب يوفره نقاش الإسلاميين العلني الرافض للتعديلات الجديدة على قوانين حقوق الطفل.
تلك في كل حال، على مستوى اليسارين والليبراليين مرافعة تتهم التيار الإسلامي بوضوح بالمبالغة والتهويل والتضخيم، لا بل بالتضليل بسبب موقفه المعلن لتعديلات حقوق الطفل الجديدة.
لكن هذه الاتهامات قد تنطوي بدورها على مبالغة بعيداً عن الحسابات السياسية، لأن كل من ينتقد الحركة الإسلامية اليوم يحاول إسقاط القاعدة التي تقول بأن تلك الحركة تعبر عن قناعاتها. وهي قناعات محافظة جداً عندما يتعلق الأمر بالأحوال المدنية وبمسألة الأطفال والنساء وكيفية بناء وتكوين الأسرة. وعليه، وبالرغم من أن التيار الإسلامي وتحديداً حزب جبهة العمل الإسلامي وأمينه العام الشيخ مراد العضايلة يعبران بقدر من الخشونة عن موقف التيار العقائدي الطبيعي من قضايا إشكالية من وزن حرية وحقوق الطفل والمرأة والأسرة في الأردن، إلا أن هذا التعبير له جذور سياسية في كل حال.
وقد يستثمر في إطار إعادة تصدر الحركة الإسلامية لمواقف محافظة عندما يتعلق الأمر بالعقائد وبالأسرة تحديداً، بمعنى لا وجاهة في توجيه اللوم للإسلامين على هذا الأساس.
وإن كان التيار الإسلامي بحاجة ملحة لتكثيف خطابه الذي يشرح فيه للرأي العام بدلاً من إعلان مواقف فقط ما هي مخاوفه بصورة محددة تلك التي يمكن أن تنتج عن حقوق الطفل الجديدة، فهنا تلاحظ ناشطة حقوقية بارزة مثل المحامية هالة عاهد، المتخصصة في قضايا حقوق المرأة والأطفال والأفراد، بأن الضجيج الذي أثاره أحد التيارات قد يكون نتج عنه كمين ما، فقد انشغل الناس بالضجيج للدفاع عن مميزات جديدة وعناصر إيجابية في قانون الطفل الجديد، فيما تفلت الحكومة أو السلطة بقانون لا يمثل الطموحات الحقيقية وفيه تعديلات طفيفة جداً، وهدفه التكتيكي الاشتباك والبقاء في حالة اشتباك وثائق ومرجعيات دولية واتفاقيات سبق أن وقع عليها الأردن.
تلتقط الحقوقية عاهد ما هو جوهري في مسألة تكتيكية في غاية الأهمية، فقد انصرف النقاش بعد تقدم الحكومة بقانون الطفل الجديد إلى مجلس النواب في اتجاه أضواء الاعتراض، ونسي الجميع بأن القانون الذي قدمته الحكومة بائس وفي بعض نصوصه سقيم ولا يلبي الحاجة الحقيقية، لا بل لا يؤسس لرعاية مرجعية مهمة جداً ومؤثره بالنسبة لحقوق الطفل، وإن كان لا يلبي أيضاً ما يطمح به المجتمع الحقوقي بعيداً عن الأجندات السياسية.

جزء حيوي من نقاشات

تلك المداخلات برمتها جزء حيوي من نقاشات أكثر حيوية تحت عنوان قانون حقوق الطفل في الأردن. والتيار الإسلامي بدوره يتفاعل مع حالة المبالغة في «اللغو السياسي»، ويتوعد بمزيد من الاعتراض، لكن على أساس تفصيلي، وأغلب التقدير أن الحملة التي قادها التيار الإسلامي وأقنع بموجبها العديد من ممثلي البرلمان المحافظين في المجتمع خشية التورط بقانون جديد يسيء للأسرة الأردنية ولتقاليدها، قد يدفع الحكومة إلى سحب مشروع القانون وتأجيله. وهو أمر – لو حصل فعلاً – يعني بأن الجملة التكتيكية الإسلامية على الأقل كانت مميزة وفعالة ومنتجة، خلافا لصمت الأغلبية الأخرى، كما لاحظ عضو البرلمان السابق والناشط البارز في المسار المدني قيس زيادين.
الإسلاميون قالوا بوضوح إن تعديلات قانون الطفل الجديدة هي جزء من منظومة تحاول الاعتداء على الهوية الدينية والعروبية للمجتمع الأردني، وبالتالي نظرية المؤامرة هنا بارزة.
لكن لا أحد يعلم مسبقاً بأن حجم التكتيك عند الإسلاميين في الهجوم على هذا القانون الهدف منه ليس تسليط الضوء على مقولة «انتزاع روح من يحاول انتزاع هوية الأردنيين الدينية والعروبية»، وفقاً للتعبير الذي أثار ضجة واستخدمه الشيخ العضايلة، لكن المقصود قد يكون التأشير مجدداً على جملة من التعديلات التشريعية التي يرتاب بها التيار الإسلامي، وسبق للشيخ المعايطة أن تحدث عنها بوضوح وبالتفصيل في حديث خاص لـ«القدس العربي»، لاحظ فيه بأن ما تقوم به وزارة الثقافة في العديد من المجالات وما تقترحه بعض الأوساط العلمانية مريب جداً، لا بل مستغرب ومستشرق ولا يمثل ملامح وانحيازات الشعب الأردني في كل الأحوال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى